ورغم أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلا أن ذلك لن يكون ملزماً لها على المشاركة في حرب يمكن أن يعلنها الحلف لأسباب قانونية وأخرى سياسية أيضاً، إلا إذا رأت أن ذلك يتفق ومصالحها، وهذا مستبعد.
وعلى الرغم من العلاقات المتينة بين تركيا وأوكرانيا، ومعارضة أنقرة الحازمة لاقتطاع روسيا جزيرة القرم وضمها لها، إلا أن ذلك غير كافٍ حسب كل المعطيات لكي تندفع باتجاه المشاركة في الحرب إن اندلعت.
الموقف القانوني
وبينما يعتقد البعض أن مجرد إعلان حلف الناتو الحرب على أي دولة فإن ذلك يجعل جميع دول الحلف ملزمة في تبني الموقف نفسه، فإن النظام الأساسي للحلف لا يقول بذلك.
بالمقابل تنص المادة الخامسة من هذا القانون على مبدأ "الدفاع المتبادل بين الأعضاء"، وبما أن أوكرانيا ليست عضواً في الحلف فإن دوله ليست مجبرة على المشاركة في الحرب ضد روسيا، حتى لو اتخذت قيادة الناتو قراراً بذلك.
بل وحتى فيما يخص المادة الخامسة التي تنص على مبدأ "الدفاع المشترك" الذي يعني أن أي اعتداء على دولة في الناتو هو اعتداء على جميع دول الحلف، فإن صياغتها لم تكن حاسمة وتحتمل التأويل.
وتوضح هذه المادة أنه في حال تعرض أحد أعضاء الحلف للهجوم، يجب على الناتو اتخاذ "الإجراءات التي يراها ضرورية، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لاستعادة الأمن في منطقة شمال الأطلسي والحفاظ عليه".
وبينما تسمح المادة برد مسلح، فإن "صياغتها الغامضة تترك مجالاً لأنواع أخرى من الإجراءات"، حسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، كما تمنح أعضاءه هامشاً للتهرب من هذا الاستحقاق.
الجرح التركي
ولعل تركيا كانت أبرز من واجه هذه المعضلة في السنوات الأخيرة الماضية، عندما تجاهل حلف الناتو التدخل لدعم موقفها ضد روسيا نهاية عام ٢٠١٥، فيما عرف وقتها بأزمة إسقاط الطائرة الروسية على الحدود مع سوريا.
وما زالت أنقرة تشعر بألم كبير سببه لها تنصل قادة التحالف من إظهار الدعم لها بشكل واضح، بل إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تساءل في لقاء مع مجلة الإيكنوميست عام ٢٠١٦ مستنكراً: إذا ما قام الجيش السوري أو الجهات المتحالفة معه عسكرياً بالهجوم على تركيا، هل سنتدخل للدفاع عنها؟!".
بل إن أنقرة لا تعتبر أن هذا كان الموقف الوحيد الذي خذلها فيها الحلف الذي لم تخذله طيلة سبعة عقود، كانت فيه القوة الثانية الأكبر بعد الولايات المتحدة، وحائط الصدّ الأهم أمام المدّ السوفييتي باتجاه الشرق الأوسط.
وترى أن دعم دول أساسية في "الناتو" لميليشيا قسد التي يهيمن عليها حزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح الإرهاب، وسحب بطاريات صواريخ الباتريوت من حدودها مع سوريا عام ٢٠١٦ في ذروة التهديدات التي كانت تتعرض لها من جهة الجنوب، تمثلان محطتين مؤلمتين في العلاقة، ودليلاً قوياً على أنه لا يمكن الوثوق بهذا التحالف، ما دفعها للتوجه شرقاً نحو روسيا.
لكن إقامة أفضل العلاقات مع موسكو، سواء على الصعيد الاقتصادي، حيث تجاوز حجم التبادل بينهما عام ٢٠٢١ أربعة وعشرين مليار دولار، مع وعود بزيادته إلى ١٠٠ مليار عام ٢٠٢٣، وشراء تركيا منظومة الدفاع الجوي إس-٤٠٠ من روسيا، ما سبب توتراً كبيراً لها مع الولايات المتحدة، لا يعني بأي حال تخلي أنقرة عن الحلف.
الموقف المتوقع
لذلك يعتقد الكاتب والمحلل السياسي عمر كوش أنه في حال اندلاع حرب بين الناتو وروسيا "فإن تركيا ستجد نفسها في موقف حرج"، فهي من جهة عضو في الحلف، ومن جهة أخرى ترتبط مع روسيا بعلاقات ومصالح اقتصادية ضخمة، كما تجمع البلدين تفاهمات سياسية كما هو الحال في سوريا وليبيا، على الرغم من وجود ملفات خلافية بينهما، مثل ضم روسيا لجزيرة القرم الأوكرانية التي تسكنها غالبية من أصول تركية.
ويقول في تصريح لـ"أورينت نت": تركيا زودت أوكرانيا بطائرات مسيرة لعبت دوراً مهماً في مواجهة الانفصاليين الموالين لروسيا شرق البلاد، كما وقّعت معها عقداً لتزويدها بغواصات، الأمر الذي يزعج روسيا بطبيعة الحال ويؤثر بشكل أو بآخر على علاقات الجانبين التي ستتأثر بشكل أوسع في حال قرر الناتو بالفعل المواجهة مع موسكو، لأن تركيا ستكون مجبرة على تبني موقف الحلف حتى وإن لم تشارك في الحرب المحتملة.
تركيا ليست وحدها
ولا يبدو أن تركيا ستكون الوحيدة بين دول حلف شمال الأطلسي في حال قرر الحلف إعلان الحرب على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية، بل تبدو العديد من دول أوروبا بما فيها فرنسا وألمانيا غير متحمستين أيضاً لأي مواجهة.
ولذلك يرى الباحث في مركز الحوار السوري محمد سالم أن الحرب "لن تندلع" بين الطرفين، وأن الناتو لن يواجه روسيا عسكرياً بسبب أوكرانيا رغم أنه سيدعمها عسكرياً.
وفي تعليقه لـ"أورينت نت" حول الدوافع التي ستحكم آليات اختيار الحكومة التركية لموقفها من هذا الملف يقول: تركيا تدعم الموقف الأوكراني وهذا واضح منذ ضم الروس جزيرة القرم، وستستمر في دعم موقف كييف في حال حصول المواجهة العسكرية، لكن ليس إلى درجة الدخول معها في الحرب، وهو ما أعتقد أن موقف الناتو سيكون عليه.
ويضيف: الاكتفاء بدعم أواكرانيا وعدم الدخول في حرب مع روسيا تحتّمه أسباب اقتصادية وجيوسياسية، حيث تعتمد الكثير من دول أوروبا الغربية، وكذلك تركيا على الغاز الروسي، بالإضافة إلى أن أياً من هذه الدول لن تغامر في مواجهة مدمرة مع دولة قوية جداً بحجم روسيا من أجل أقليم صغير في أقصى شرق أوكرانيا.
الحياد الايجابي غالباً هو ما سيكون عليه موقف تركيا في حال اندلعت الحرب فعلاً بين روسيا ودول الناتو، وهو احتمال ضعيف رغم أن احتمالية الحرب بين روسيا وأوكرانيا ما تزال عالية.
وإيجابية هذا الحياد تتمثل حسب المراقبين إذن بدعم موقف كييف سياسياً وبمدّها بأسلحة ومعدات لكن من دون التدخل العسكري المباشر، خاصة وأنه ليس هناك ما يُلزم أنقرة من الناحية القانونية بذلك.
التعليقات (4)