ليست الأقليات العرقية شعوباً تامة بما تعنيه الكلمة حقوقياً وسياسياً، فهي لو تمتعت بهوية ما، ثقافية أو مذهبية أو عرقية تُشعرها بالتميز عن الآخرين، فربما تنقصها مقومات أخرى ضرورية لتكون بها شعباً تاماً، فهل يحق للأقليات استناداً "للشعور الجمعي" أن تقرر مصيرها لوحدها بعيداً عن مصير الشعب الذي تعيش في إطاره فترسم حدوداً سياسية لها يضم أبناءها؟
ولو فرضنا أن لأقلية عرقية ما وجوداً قديماً ضمن الحدود السياسية التي تؤطر حدود شعب أو دولة ما، فهل يحق لها أن تقرر مصيرها لوحدها بعيداً عن مصير هذا الشعب؟
ولو فرضنا أن أقلية ما قررت أنها ليست جزءاً من الشعب السوري مثلاً بل هي جزء من شعب آخر غير سوري، وهي تبعاً لذلك ترغب بتقرير مصيرها مع ذلك الشعب الذي تعتبر نفسها تنتمي إليه، فهي إذاً تضع ذاتها في موقع أقلية غير سورية ترغب بالانفصال عن المصير السوري والشعب والأرض السوريين.
لنتخيل تفكك سيادة الشعب السوري على أرضه، أي تفكك سورية. فما هي قيمة أي مجموعة عرقية أو مذهبية دون سورية في حدودها السياسية؟
هل يمكن للكرد السوريين أن يقيموا دولة بعيداً عن تواصلهم عن كرد العراق أو كردستان؟ هل يمكنهم أن يحصلوا على دولة دون واجهة بحرية؟ هل من الأخلاقي أن يطردوا السكان الأصليين من أرضهم التاريخية كما يحاول أن تفعل ميليشيات صالح مسلم هل من المنطقي أن يحرموا السوريين من بترولهم وقمحهم باعتبار الجزيرة السورية هي المكان الوحيد الذي نجد فيها البترول وتعد أرضاً تجود فيها زراعة القمح كمحصول استراتيجي.
الشعب السوري له حق تقرير المصير أما العلويون أو الدروز أو الكرد أو الآشوريون السوريون، فلا يملكون هذا الحق كل بمفرده. لأن حقوق تقرير المصير الجزئية تلغي حق الشعب السوري في تقرير مصيره.
لا يحق للجزئي أن يقرر مصيره على حساب بقية الأجزاء أو على حساب الكيان أو البلد أو الوطن، فلو أن كل جزء منتمٍ للكيان سيقرر مصيره لوحده فهذا يعني عملياً تقسيماً للكيان ومسعى لإلغاء وجوده ..
وإذا كان الكرد يملكون القوة والمال والمشروع فليأخذوا سورية كلها، لكن لن نقبل أن يأخذوا جزءاً منها فالأوطان مثل الإنسان يمكنك أن تعتقله تسيطر عليه تأخذه كله لكن أن تأخذ جزءاً منه كيَده أو رجله أو قلبه أو رأسه فهذا يعني أنك تقتله أو تشرع في قتله، ومن الطبيعي أن يقاوم أي إنسان أو كائن محاولة قتله أياً كان صاحبها ..
لكن السؤال الذي يحجم هؤلاء عن طرحه، هو: هل تقرير المصير الجزئي على أساس عرقي أو لغوي أو طائفي أفضل من تقرير مصير جديد للكيان أو البلد الذي ينتمون إليه؟ مصير جديد يبنى على أسس الحداثة والمساواة والحرية، مصير يمكن أن يقرروه معاً لو امتلكوا عقلاً سياسياً عملياً وواقعياً يجنّبهم غوائل التجارب الجزئية المحفوفة بالمخاطر، غير مضمونة النتائج ..
والسؤال الأهم في هذا السياق هو لماذا يعتقد أصحاب تقرير المصير الفئوي أنهم يمكنهم بهذا السعي تحقيق ما لا يمكن تحقيقه من خلال عملهم مع بقية الأفراد الأحرار الذين يسكنون هذا الكيان؟
فما الذي يوفره تحقيق المصير الجزئي ولا يتوافر مع تحقيق المصير الكلي؟
هل الحرية والكرامة والعدالة والتنمية ممكنة في الدويلات السلالية العرقية والمذهبية الطائفية؟ فيما هي غير ممكنة في الكيانات والدول الجامعة لسلالات وأعراق وطوائف ومذاهب متعددة؟
إن فتح المجال أمام أي أقلية سورية لتقرير مصيرها لوحدها أو بالتضامن مع شبيه لها خارج الحدود، سيفتح بلا شك المجال أمام أقليات أخرى للمطالبة بذات الشيء، وهو ما يعني رغبة بتفكيك الكيان السوري إلى كيانات عرقية ومذهبية ودينية ... والحقيقة أن فكرة الأمة-القومية وكذلك فكرة الأمة-العرق قد انتهت في عالمنا الشرق أوسطي، والصراع الدولي الذي حطم يوغسلافيا إلى دويلات عرقية مذهبية دينية، لم يكتب لها النجاح في العيش بأمان وتنمية، وهما مطلبان طبيعيّان عند أي جماعة بشرية، ما يعني أن هذه الدويلات العرقية القومية الدينية ستعود للحروب البينية أو أنها ستجد لها رابطة ما تجمعها، وربما ستنتمي كلها إلى دولة أو رابطة قوية كالاتحاد الأوروبي مثلاً.
إن إقامة دولة كردية على حساب الأراضي والشعب السوريين سيعني فتح شهية أكراد تركيا للانضمام إليها، وربما إلى المطالبة بدويلة كردية في تركيا، وهو ما سيعرضهم للنفي أو للعودة إلى الحرب والهجرة إلى أوروبا، الأمر الذي لا تطيقه أوروبا والذي ربما ينتهي إلى تفجّر المنطقة العراقية السورية التركية الإيرانية بالكامل إثنيات وقوميات وطوائف فتجتاحها حروب أهلية وتهزّها تغييرات ديمغرافية وهجرات ومذابح لا نهاية لها .
فما هو الطموح السياسي القومي لمجموعات المثقفين الكرد وغير الكرد التي تجعلهم لأجل تحقيق حلم أورباوي أكل الزمان عليه وشرب المقامرة بمصير مجتمعات وشعوب هذه المنطقة؟
التعليقات (4)