الكوميديا السورية: ما لم يكتبه "دانتي" عن مجتمع الطوابير!

الكوميديا السورية: ما لم يكتبه "دانتي" عن مجتمع الطوابير!
حين كتب دانتي كوميدياهُ الإلهية بين عامي 1308 و1321 شعر حينها بأن ثمة ما يفارقه لإكمال فضوله المتعرّق داخل فصل الجحيم، أهم فصول ملحمته الشعرية، ولعل مخيلته المجنونة لم تسعفه وقتذاك بإضافة الأنشودة الخامسة والثلاثين لإتمام وصف "الجحيم".

 ولعل سوريا الآن بنسختها المتفسِّخة الكئيبة هي ما كانت تبخل به مخيلةُ دانتي الفسيحةُ عليه، فها هو بشار يكرّم عمال الشركة السورية للكهرباء، والكهرباء تغيب عن مناطق حكمه لأكثر من عشرين ساعة في اليوم، وذاك اتحاد كرة القدم السوري يعلن عن مزاد لشراء حقوق بث ما يسمّيه بدوري كرة القدم الممتاز، ولا يجد أحداً ليتقدم من مزاده المفزع، ثم يتبرع الممثل أيمن زيدان بحصةٍ صباحية من التضامن الشتائي المجّاني مع تصريحات زميله الممثل عباس النوري المنتقدة في بعضها بعضاً من ممارسات النظام قبل أن يظهر النوري متطهّراً مما قاله في مقابلة لاحقة حملت اسم مقابلة "التوبة"، ولم ينسَ "مسرف" سوريا المركزي أن يحتفل في شيراتون دمشق بمناسبة إنجابه خدمة الدفع الإلكتروني، والتي أدهشت العالم بالفعل، كيف لا؟! ومناطقُ النظام اسمُها الحقيقي "بلاد الطوابير" في معجم البلدان لمؤلفه ياقوت الحموي؟! حيث الافتقاد المؤكد للحد الأدنى من شروط العيش الآدمي. 

ألا تصلح مشاهد الكوميديا تلك بمفارقاتها المقرفة أن تستوطن في جحيم الأخ "دانتي" وتطيل المكوث فيه، وأن تنشدها جوقةٌ مدربة بحكمة تقودها ميادة الحناوي بمفردها.    

مقدمات "العرنوس" الجديد

600 ألف أسرة سورية طلّقها نظام بشار دفعةً واحدة عبر تطبيق "وين" الأكثر رواجاً وشهرة لدى السوريين في متجر "جوجل بلي" وحرمها من نعيم انتظار سلعه المسمومة بدعمه، وأبرزها الخبز، والمحروقات. 

تبع ذلك حملة انتقاد واسعة لحكومة بشار الحالية، ولمّعت أبواق السلطة في الوسائل الإعلامية وداخل مجلس الشعب بسرعة وإسراف شديدين فكرة انتهاء صلاحية هذه الحكومة، وضرورة استبدالها بأخرى، أي استبدال العرنوس الحالي بعرنوس جديد قد لا يحمل الاسم نفسه، لكن بشرط أن تكون له الصفات نفسها، وكأن الحكومات في سوريا بعد استيلاء آل الأسد على السلطة فيها تمتلك قراراً مستقلاً يمكن محاسبتها عليه، أناسٌ كثر من جمهور الطوابير انطلت عليهم هذه الحيلة السياسية، وتناغمت بلا مشقّة أصواتُهم المنتقدة أداء حكومة العرنوس المنفصلة عن الواقع، وكأن العرنوس بالفعل هو رئيس حكومة لا موظفٌ عند بيت الأسد ينفّذ ما يُؤمَر به بلا أيّ اجتهادات، ويتقاضى آخر الشهر راتباً ومكافأةَ طبيعة عمل لا نستطيع التكهّن بقيمتها.

مجدداً يغزو النظامُ المفلس سياسياً ومالياً جيوب الناس، فالمطرودون من نعيم الدعم الحكومي، هم غنائم الغزوة الأخيرة كما درجت العادة على فهم الشق الاقتصادي من الفعل "غزا". ينظر إليهم النظام نظرةَ جباية، فهم من وجهة نظره قادرون على شراء الخدمات الأساسية بالسعر غير المدعوم، لكن هذا يتطلب فعلياً دخلاً شهرياً لا يقل عن 300 دولار، ومعظمهم دخله يقع أسفل منتصف هذا الرقم. 

بالمقابل يبدو مشكوكاً بصحته تحسّن دورة الحصول على السلع المدعومة للأسر الواقعة تحت رحمة البطاقة الذكية للنظام وخدماتها المدهشة، فالمسألة برمتها نهبٌ ومزيدٌ من الجباية تمارسها حتمية الإفلاس والانهيار المرتقَب لهذا النظام السرطاني، وتتحملها نظرياً لا فعلياً حكومة العرنوس، وعلى مجتمع الطوابير مقارعتها على الفيس بوك بلا شفقة ولا رحمة، ثم مطالبة بشار بحكومة أخرى، وهكذا يستمر مسلسل الغباء إلى ما بعد رمضان الحالي، حكومة موظفين تنفيذيين سابقة وحالية ومرتقبة مدانة على الدوام، ورأس نظام بريء كلياً مما يحدث في مناطق طوابيره، فلا يُحاسَب، ولا يمسّه النقد الاجتماعي بشيء.

"مجتمع الطوابير" الجلادُ والضحية معاً

تتزاحم دول عدّة لتوسيع نفوذها، أو لتعزيز نفوذ حلفائها داخل الجغرافيا السورية المريضة بنظامها السياسي القائم، وبحسابات التدخل الروسي والإيراني والإسرائيلي والأمريكي والتركي، ما يجعل من البلاد كياناً سياسياً مهزوزاً، وتابعاً لمراكز قوًى ونفوذ إقليمي ودولي. 

اجتماعياً، يدفع السوريون ضريبة ذلك، وإنْ على نحوٍ متباين، فالنازحون في مخيمات الدول المجاورة، والباقون في مناطق السلطة السورية هم الأكثر تضرراً، بحيث يحملون كل أوزار بقاء هذا النظام السياسي، وحسابات الدول المشرفة مباشرةً على متابعة آخر مستجدات المرض السوري المزمن.

في "مجتمع الطوابير" تزداد قدرة التكيّف لديهم كلما اتسعت ظروفهم المعيشية سوءاً، في علاقة طردية مُربِكة، لا يقبلها العقل البشري الطبيعي، فإن استطاعوا السفر، سافروا، وإلا تحولوا إلى "رعيان" ومؤخراً إلى "حطّابين" لطرد برد الشتاء بعيداً عنهم، يعيشون يومهم بتقشف مبهر، يفضّلون التكيّف الظرفيّ على الحراك السياسي، أو بدقة أكثر، لا يحتل الحراك السياسي لديهم أيَّ حيّز من تفكيرهم، أو نواياهم المؤجَّلة، لدرجة أن النظام ملَّ من إذلالهم، وهم لم يملّوا من التأقلم والتكيّف مع ذلّهم الذي يسبقهم دوماً بخطوة. 

فما نفع الهجوم على مقرّ شركة تكامل في مصياف؟! أو إلقاء قنبلة يدوية على مقر الشركة في مدينة شهبا التابعة للسويداء؟! ما الجدوى من ذلك؟! ولماذا يتواطأ مجتمع الطوابير على ذاته بتلك الصورة المجحفة وذات الكلفة الباهظة؟! أن يختار التكيّف عنواناً ملازماً ليومياته المقيتة، ثم يغرق لاحقاً في تفاصيل غائطه، وكأنه جلادُ نفسه، وضحيةُ نفسه في آن، وفي هذا نموذجٌ مجتمعي لم يسبقنا إليه قومٌ قطّ، لدرجة أن جحيم "دانتي" سيبدو نعيماً إن قارنّاه بجحيم الحياة هنا داخل سوريا، فكم من "دانتي" نحتاجُ بصورة تقريبية ليكتب عنّا كل تلك المرثيات المؤجلة، والتي لم تكتب بعد؟. 

         

التعليقات (3)

    ....

    ·منذ سنتين شهرين
    كاتب المقال هيئتو سمعان عن او قارىء Divine Comedy او الكوميديا الإلهية يلي عمرا مئات السنين تازة من على الانترنت ههه.. وتاني شي بدي قولو انو ما فهمنا شو الغاية من المقال، يعني انت عم تنتقد النظام وللا الطوابير و للا الشعب يلي عم يوقف عالطوابير وللا وللا ؟؟؟!! وضح موقفك اكتر تاني مرة .. وعكل حال هالحكي ما بقدم ولا بأخر ، المفيد كلمتين : نظام اسد اكبر مجرم بالتاريخ و يجب القضاء عليه نهائياً ، لكن مو بالكلمات المنمقة ...

    ....

    ·منذ سنتين شهرين
    كاتب المقال هيئتو سمعان عن أو قارىء Divine Comedy أو الكوميديا الإلهية يلي عمرا مئات السنين تازة من عالانترنت ههه... تاني شي ، انو ما فهمنا شو الغاية من المقال، يعني انت عم تنتقد النظام المجرم وللا الطوابير بحد ذاتا وللا الشعب يلي عم يوقف عالطوابير وللا وللا ..؟؟؟؟؟!!!! وضح موقفك المرة الجايية... عكل حال هالكلام المنمق يلي ما بقدم ولا بأخر ما بفيد بشي، المفيد كلمتين: نظام اسد اكبر مجرم عرفو التاريخ ويجب القضاء عليه نهائياً ...لكن مو بالكلمات المنمقة ...

    ..... منذ 8 ساعة بالمقلوب

    ·منذ سنتين شهرين
    آخر كلمتين بتعليق 8 ساعة يعكس تماما الحالة التي وصل لها حال الناس فبغض النظر عن مكنون ودلالات العبارات في المقال فإن الناس فقدت خاصية استشعار جمالية الكتابة الأدبية في المقالة وأصبح من الضروري لها كي تفهم بل ربما كي تقرأ أن تكون جمل وتراكيب النص سهلة بسيطة وحتى ضعيفة الإنشاء . رحم الله الذائقة الأدبية فكيف لها أن تعيش في بلد (وليس وطن) كلشيء فيه في مرحلة النزع . ولا يطلع لي شي واحد يعلق على تعليقي
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات