لماذا تراجع التعاطف مع مآسي السوريين؟!

لماذا تراجع التعاطف مع مآسي السوريين؟!
منذ الثلاثاء الماضي، حين سقط الطفل المغربي ذو السنوات الخمس ريان في جبّه وعَلِق في محنته، لم يتوقف تعاطف عشرات ملايين العرب إزاء تلك الحادثة التي هزّت الوجدان الجمعي، سواءٌ في حالة الترقب والدعاء أثناء محاولات إنقاذه، أم في حالة الحزن التي خيّمت على وسائل التواصل الاجتماعي عقب الإعلان عن وفاته.

السوريون بطبيعة الحال شاركوا في حملة التفاعل على مواقع التواصل، حتى أطفال المخيمات المنكوبة شاركوا رغم ما حلَّ ولا زال يحلُّ بهم من مآسٍ تتجدد ولا تنقطع، غير أن سؤالاً كبيراً فتحته محنة الطفل ريان في منشورات وتغريدات السوريين على مواقع التواصل: لماذا لم يعُد العالمُ يتعاطف مع مآسينا؟ لماذا ضجّ المتعاطفون العرب مع "ريان" وتجاهلوا - إلا القليل منهم - نكَبات أطفال سوريا اليومية؟   

السؤال يبدو مشروعاً جداً، مع توسُّع المأساة السورية واستمرارها منذ أحد عشر عاماً دون أي أفق لحل قريب، غير أن حالة المظلومية لا ينبغي – من وجهة نظر شخصية – أن تدفعنا للاحتجاج والشكوى وترديد عبارة "السوريون لا بواكيَ لهم" فقط.. ولا سيما أن مأساة سوريا حظيت في سنواتها الأولى بتعاطف وتضامن عربي منقطع النظير، حتى الشعوب التي كانت ترى في بشار الأسد وما يسمّى "حلف المقاومة" أحدَ رموز القضايا العربية، غيّرت دماءُ السوريين موقفَهم سريعاً، وبات نظام دمشق في نظرهم مجردَ قاتلٍ سفاحٍ تاجَرَ بقضايا العرب ليواريَ سَوأة الإجرام والقمع.   

علينا إذاً ألا نكتفي باستنكار تراجع التعاطف، بل محاولة البحث في عجالة عن أسبابه القريبة والبعيدة.

1- تحوّل القضية من "ثورة" إلى "حرب":

لم ينجح نظام بشار الأسد وداعموه في إدارة ملف قمع السوريين مثلما نجحوا في تحويل القضية السورية إعلامياً وسياسياً، من ثورة شعبية يشنّ فيها نظام دموي حرباً لا إنسانية ولا أخلاقية ضد مواطنين عُزّل، إلى صراع مفتوح و"حرب أهلية" طاحنة. وبالتالي نحن أمام الرأي العام العربي والعالمي مجرد طرفين يتصارعان، بتكافؤ أو بعدم تكافؤ ليس مهماً، المهم أننا طرفان متصارعان يسقط من كلينا قتلى وجرحى ومصابون وخسائر لا تعد ولا تحصى، وبالتالي انتقل التعاطف الشعبي بشكل عام من إدانة بشار الأسد والانحياز لمطالب الشعب، إلى إدانة "الحرب" بحد ذاتها بغض النظر عن الجلاد والضحية.

2- تراجع المواقف الرسمية والإعلام العالمي:

البند الأول يقودنا بالضرورة إلى هذا الثاني، فالمسألة قبل أن تكون تعاطفاً شعبياً هي بالأساس محكومة بمواقف حكومات ودول وسياسات. التعامل مع الملف السوري لدى الدول الفاعلة فيه انتقل من خلع الشرعية عن بشار وإدانة نظامه والحديث عن ضرورة رحيله بسبب القمع والمجازر، إلى ملفات ثانوية بحتة: الحرب على الإرهاب، تغيير الدستور، إيصال المساعدات.. الخ. 

وبالتالي لم تعُد المأساة السورية عنواناً أول على شاشات القنوات العربية والعالمية وعلى طاولات السياسيين، وهذا بالضرورة سينعكس على فضاء "السوشال ميديا" وعلى عموم مواقف المتعاطفين، فإذا كانت عبارة "الشعوب على أديان ملوكها" وجهةَ نظرٍ عالمياً، فهي عربياً صادقة مئة بالمئة، والدليل أنه وقت الانحياز الرسمي العربي للثورة السورية كنا نشاهد عشرات الملايين من المحيط إلى الخليج ينقلون ما يجري في سوريا لحظة بلحظة، وهذا ما تغير تماماً عندما تغيّر المِزاج الرسمي العربي والدولي "كثيراً" إزاء الملف السوري.     

3- طول مدة المأساة واستمراء الكوارث السورية:

مرور نحو 11 عاماً على المأساة السورية انعكس بشكل واضح على مستوى التفاعل معها، حتى إن أخبار المجازر والانتهاكات والتعذيب لم تعُد تسبّب تلك الصدمة التي شكّلتها في البداية. وإذا كنا نحن السوريين قد استمرأنا بطريقة أو بأخرى كل ذلك، فمن باب أولى أن تخفّ جذوةُ التعاطف لدى الآخرين.

 

4- سيكولوجيا التعاطف:

بناء على البند السابق، إن آلاف الانتهاكات في سوريا لم تعُد تشكّل لدى المتابع العربي أو الأجنبي ذاك التفاعل الإنساني الفطري، لأن الإعلام ساعد نوعاً ما على تحويل الضحايا والمعتقلين والمصابين والمتضررين إلى مجرد أرقام ونسب مئوية فقط، ومع ملايين الضحايا والمهجّرين ضاعت ملايين القصص التي تنفطر لها القلوب.

سيكولوجيا التعاطف الإنساني تركّز على القصة الفردية وتتفاعل معها أكثر من الجماعية.

 

5- تعدّد أقطاب الصراع:

 بدأ الأمر عام 2011 بشعب منتفِض أعزل ينادي بحقوقه كأي شعب في العالم، غير أن فشل العملية السياسية، وتعنّت النظام ومضيّه في الحل العسكري، والتدخل الدولي السلبي، حوّل سوريا إلى ساحة معركة متداخلة القوى والأطراف.

أعرف سوريين كُثُراً لم يكونوا يعرفون قبل نحو خمس سنوات خارطة السيطرة في بلادهم.. تعددت الفصائل والجيوش التابعة للنظام أو التابعة للمعارضة أو تلك التي لا تتبع الطرفين، وتعدّدت معها فصول الانتهاكات الممنهجة حيناً والعارضة حيناً آخر. 

المتابع العربي ببساطة شديدة ضاع بين "أقطاب صراع" صارت بحاجة إلى مُعجم يرتّب أسماءها، وخرائط توضح نقاط تمركزها، وقاعدة بيانات معقّدة تحتوي ما يحصل يومياً على الأرض.

 

6-تشظّي السوشال ميديا السورية وضعفها:

أمام الواقع السالف الذكر في البند السابق، وبعيداً عن خطابات وسائل الإعلام التابعة لأي طرف كان، أصبحت السوشال الميديا السورية متشظّية إلى درجة رهيبة يصعب معها القيام بحملات منظّمة ذات صدى واسع تؤمّن التفاعل العربي أو العالمي.

باستثناء بعض القصص التي لاقت تفاعلاً عربياً وعالمياً كبيراً مثل الطفل إيلان ومشاهد القصف الكيماوي، لم تأخذ كثير من القضايا أبعادها التي تستحق، وبقيت تقريباً في إطار التفاعل المحلي أو المناطقي أحياناً. ومع تعدد وسائل التواصل والميديا وتحول العالم إلى "قرية صغيرة"، عادت سوريا قروناً إلى الوراء في كل شيء ولا سيما في المجال الذي نتحدث عنه.      

أصبحت كل محافظة وكل منطقة وكل قرية أحياناً، عالماً مستقلاً بذاته منغلقاً على نفسه لعدة عوامل أبرزها ما تحدثنا عنه سابقاً من تعدد أطراف السيطرة والنفوذ. فلم يعد مستغرَباً أن قصة كبيرة تُشعِل الرأي العام في شرق سوريا مثلاً ولا يسمع بها أبناء الشمال أو الجنوب!، أو العكس. أمام ذلك: كيف لنا أن نلوم رواد مواقع التواصل في دول ثانية على عدم التعاطف اللازم معنا؟؟

إضافة إلى ذلك، بقي عالم السوشال ميديا السورية ضعيفاً ومتأخراً مقارنة بنظيره في مصر أو المغرب العربي أو الخليج مثلاً، وهذا بحد ذاته ملف بحاجة إلى دراسات تشرح أسبابه.

 

7- الإعلام سلطة رابعة.. لكن!:

ربما استطاع الإعلام التقليدي أو الجديد أن يؤثر فعلاً في قضايا كبرى، حيث أخذت "السوشال ميديا" حرفياً دور "السلطة الرابعة" في تشكيل رأي عام موحّد والضغط نحو مراكز الحل والعقد، فهل تحقّق ذلك في سوريا؟

قطعاً لا.. منذ انطلاقة الثورة السورية، وثّق الناشطون أو "الصحفيون الميدانيون" آلاف بل عشرات الآلاف من الصور ومقاطع الفيديو حول مُجمل الأحداث والانتهاكات وقصص الضحايا والمتضررين، بل إن الإعلام العربي والعالمي كان له حضور على الأرض في سنوات الثورة الأولى.. فهل أحدث ذلك أثراً مهماً؟ أيضاً الجواب: لا.. حتى إن نظام الأسد وجّه جهداً خاصاً من آلته الحربية لاستهداف الإعلاميين والناشطين والصحفيين بمن فيهم الغربيون، ويجب ألا ننسى هنا عدد ضحايا الصحافة والإعلام في سوريا خلال الأعوام الماضية.

حتى صور "قيصر" التي صفعت الوجدان الإنساني وكان يُفترَض أن تُحدث فيه زلزالاً عظيماً، لم تكن بهذا الأثر الكبير، صحيح أنها أدت إلى فرض قانون أمريكي ضد نظام الأسد وفُرضت بموجب القانون عقوبات كبيرة، لكن "القانون" أصبح اليوم لدى السوريين مجرد "كذبة"، بعد مرور نحو عامين على إقراره دون أي تأثير وأي حلول وأي جدوى. 

8-تعدّد نكبات العرب:

مما زاد في طين السوريين بلّة، أن نكبتهم تزامنت مع أكثر مراحل المنطقة العربية والشرق أوسطية سوءاً، ومن أساسيات المنطق أن الحريق في بيتي سيمنعني أو يقيّدني على الأقل عن التعاطف مع حريق شبّ في بيت جاري، بغض النظر عن تفاوت حجم الحريق في المكانين.

الشعوب العربية أصلاً غارقة في دوامات وأزمات ومشاكل، بعضها سياسي وبعضهم عسكري وبعضها اقتصادي، صحيح أن المأساة السورية لا تشبهها مأساة ولا تُدانيها نكبة، غير أن اجتماع هذا البند مع السبعة السابقة قد يعطينا لمحة عامة عن سبب تراجع التعاطف مع آلامنا.      

ما تقدّم ربما يجيب باختصار عن السؤال الذي طرحناه أول المقالة، ويشرح أيضاً لماذا تعاطف عشرات الملايين مع قصة ريان المغربي، بينما هناك ملايين السوريين حصلت في بلادهم قصة مشابهة قبل أقل من عام ولم يسمعوا بها.. نعم.. قصة مطابقة حرفياً: في آذار الماضي سقط الطفل "حسن الزعلان"، البالغ من العمر 10 سنوات، في بئر أثناء عملية حفر في بلدة "كفرروحين" شمال إدلب، وبقي عالقاً في البئر أكثر 55 ساعة، ورغم محاولات فرق الدفاع المدني في الحفر والوصول إليه في الوقت المناسب، توفّي الطفل وكانت منيتُه أسرعَ من الأيادي التي انتشلت جثمانه الغضّ.

التعليقات (10)

    احمد المحمد

    ·منذ سنتين شهرين
    يا اخي الجماعة فاتحين سفارات والتنسيق الأمني لم يتوقف منذ الأيام الأولى وهو مستمر مع مصر وغيرها و بشرى الأسد وأولادها وبقية الشبيحة في الإمارات وطالعين نازلين من اول الثورة... طبعا هذا لا يعني عدم إعادة النظر و المقال مهم.

    الائتلاف ثم الائتلاف ثم الائتلاف

    ·منذ سنتين شهرين
    لا اتفق مع الكاتب في كل النقط فانا لا اعرف اي حرب بين طرفين تقوم الان في سوريا .. اذا كان قصدك عصابات الجيش السوري (المزعزم) و (الجيش الوطني) فهما قطعا لم يصبحا طرفين يتقاتلان .. الاول اصبح بقايا عصابه ولاخر اصبح مرتزق يتنقل من دوله لاخرى حسب راي و توجيه الداعم. في قصف مدينة الباب راينا الرد الهزيل لرد ( الجيش الوطني ) قبل ايام. اما المعركه الاعلاميه و تغير راي العالم تجاه قضية السوريين فالائتلاف بكل بساطه يتحمل 100% المسؤوليه وهي احدى نتائج سياساته الفاشله..

    سليمان الداعي الى مايرضي. "رب الكون"

    ·منذ سنتين شهرين
    الشعب السوري انطلق من اساس الفساد ولا يشعر ،مثل كثير من الشعوب العربية المغرور بهم (جهلهم للارشادات والرسائل السموية وغبوتهم ،الكبرياء ،والطغيان على بعضهم بعض على طاعة الشيطن عدو الله في الارض ونسيان المعالة : صديق عدوي =عدوي،ويسالون الله الذي عدوه بطاعة عدوه بالطبع لايستجاب لهم ماسالوه وهوالظلال المبين ) من عادالله فلامعانة له لا من قريب ولامن بعيد والعياد بالله. اما الطفل المغر ب الشقيق "براءته" استجاب الله لها وامر في الكون ان يفعلوا بالمثل ،السلام على من اتبع الهدى. سليمان

    جلحامش بن اوروك

    ·منذ سنتين شهرين
    الشعب الذي همه بعد كل هذه السنين همه الوحيد الذهاب للخارج والتناسل هناك بكثرة وجمع المال .شباب بالملايين في تركيا همه عمل المشاكل . تركوا الجيش الحر وذهبوا لمن يدفغ اكثر. نحن العرب نولد عبيدا . احساس الكرامة ميت . حكمنا مماليك ونمجد بهم .لماذا تحترمنا الشعوب. السوريون يقاتلون بشار بالتناسل الكثيف وتزويج القاصرات وعمل الكناف ز

    سليمان صاحب الدعوة

    ·منذ سنتين شهرين
    الله ليس مسمار نعلق عليه ما لا طاقة لنا به وقدرة عليه ولا نحمله جهلنا و القضية ليست بالدعاء فقط و...الخ فلا مدعي الإسلام ولا الديمقراطية ولا العدالة... قد نصروا هذا الشعب حين تريد أن تخلي مسؤليتك تضع كل شيء بيد الله هناك زرع مشروع سياسة لليأس بشكل ممنهج و تخلي وخيانة للقيم الإنسانية تجاه ثورة شعب كان يمكن أن تكون نموذج..

    سليمان صاحب الدعوة

    ·منذ سنتين شهرين
    يعني الملايين من الشعب السوري و عشرات الالاف من الأطفال الأبرياء و اللذين صرخو مالنا غيرك يا الله هم اتباع الشيطان... ؟؟ لا حول ولا قوة الا بالله في هذه العقلية

    سليمان مدعي الدعوة

    ·منذ سنتين شهرين
    الله ليس مسمار نعلق عليه ما لا طاقة لنا به وقدرة عليه ولا نحمله جهلنا و القضية ليست بالدعاء فقط و...الخ فلا مدعي الإسلام ولا الديمقراطية ولا العدالة... قد نصروا هذا الشعب حين تريد أن تخلي مسؤليتك تضع كل شيء بيد الله و الشيطان والواقع ان هناك مشروع لاحباط الناس و سياسة لليأس بشكل ممنهج و هناك تخلي وخيانة للقيم الإنسانية تجاه ثورة شعب كان يمكن أن تكون نموذج..

    الفساد عند سليمان

    ·منذ سنتين شهرين
    انواع ويبدو ان لديه نوع محدد للفساد يستجاب للمعارضين له و نوع فساد اخر لا يستجاب له ????????????

    رضوان ابو عيسى

    ·منذ سنتين شهرين
    اظن ان السبب في هذا التغيير هو أن الإنسان يستسلم مع الزمن على المصيبة حتى عندما تقع عليه نفسه فكيف عندما تكون لناس بعيدين عنه آلاف الكليومترات! هي الطبيعة البشرية التي تديرها العواطف والأحاسيس التي لها قوانينها ولا يديره المنطق والحقائق!

    sundus

    ·منذ سنتين شهر
    بعد استلامكم لدفة الثوره السوريه المباركه وعرفكم العالم من خلال ارهابكم وقتلكم ونحركم وحرقكم للابرياء وعرفكم العالم على حقيقتكم كقطاع طرق وعصابات ارهابيه في الجيش الكر المسمى الجيش الوطني من اخونجيه وبعثيين سابقين ودواعش مطايا للجيش التركي, تركوكم, لان ارهاب بشار اسد واجرامه اشرف وارحم منكم ومن اجرامكم يا شذاذ الافاق.
10

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات