في الاسم المستعار وفلسفة التخفي

في  الاسم المستعار وفلسفة التخفي
ماذا يعني أن يستعير شخص ما اسماً غير اسمه الحقيقي؟ من ذا الذي يعرف – مثلاً – اسم لينين الحقيقي؟ قليل ولا شك يعرفون بأن اسمه فلاديمر إليتش إليانوف .

وقد لا يعرف أحد من العرب بأنّ اسم ستالين هو يوسف فيساريو فتش, أما جورج صاند ( ساند ) فقليلون يعرفون أن هذا الاسم لامرأة اسمها أمانتين أرور لوسيل دوبين .

والحق أن فكرة الاسم المستعار ليست جديدة في التاريخ و لو عدنا إلى التاريخ العربي الجاهلي و الإسلامي لسرد الأسماء المستعارة لما اكتفينا بكتابة مقالة كبيرة. فالشاعر الصعلوك تأبط شراً هو ثابت بن جابر بن سفيان، والحطيئة هو أبو مُلَيْكة جرول بن أوس، وقس على ذلك. 

وأن تختار أنت الاسم بنفسك فهذا يعني صورة من صور وعيك بذاتك، أما إن اختار الآخرون لك الاسم فهذا يعني وعي الآخرين بك. وأنا هنا أتحدث عن غلبة الاسم المستعار الذي اختاره الشخص على الاسم الحقيقي.

فقد اختار فلاديمير إليتش إليانوف اسم من نهر يجري في سيبريا، حيث كان في المعتقل ” اسم النهر لينينا ” .فيما اختار يوسف فيساريوفيتش اسم ستالين وتعني الفولاذ .

من هنا الفرق بين رجل الثورة الرومنسي ورجل الثورة العنيف. (سرق ستالين مرة بنكاً لصالح الثورة). لقد حددت البنية النفسية لكلا الرجلين الاسم المستعار.

يحمل النهر دلالات كثيرة يحمل معنى السيرورة و الجريان الدائم، يحمل معنى تزويد الأرض بالماء, يحتوي على معنى الحياة حيث تعيش فيه كائنات حية, فضلاً عما يوحي به النهر الصغير من روحانية، الخيال هنا خصب.

فيما الحديد الصلب لا يوحي إلا بالقوة والصلابة وعدم الانكسار وقد دللت الأيام على تطابق الاسم مع المسمى. فهذا الدكتاتور القاتل لم يكن إلا أصفاداً من الحديد وقوة منفلتة من عقالها. لقد أعدم ستالين خيرة رفاقه، بينما طلب لينين من تروتسكي الذي اختلف معه أن يعود إلى الثورة للاستفادة من عقله الوقّاد. ولهذا سمى تروتسكي ستالين: ” بالمزحة التاريخية المزعجة ”. لكن لينين قتل أيضاً، وهو الذي أمر بقتل القيصر وأسرته.

والأمثلة كثيرة على اختيار الاسم المستعار تيمناً بالأشياء والأساطير. فالشاعر السوري على أحمد سعيد اسبر اختار أن يسمي نفسه أدونيس إله الخصب السوري بصيغته اليونانية. وعرف الشاعر سليم رشيد الخوري بالشاعر القروي، وقس على ذلك.

 ولقد شاعت في الثورة الفلسطينية الأسماء المستعارة وخاصة لدى تنظيم فتح والتي تبدأ ”بأبو”: أبو عمار، أبو جهاد، أبو إياد، أبو الهول، أبو مازن… الخ.

ولعمري إن اختيار الاسم الذي يبدأ بأبو يحمل أكثر من دلالة. ” فأبو ” تشير إلى الأب، والأبوة على المستوى النفسي تشير إلى الهيمنة والسلطة والمكانة الخاصة، وضرورة الخضوع والاحترام. 

وفي المشرق العربي خصوصاً إن المناداة بأبو فلان تمنح المنادي مكاناً واحتراماً وهيبة. ولهذا فأغلب قيادات فتح التاريخية ذات أسماء مستعارة تبدأ بأبو . لكن الاسم الأصلي هو الآخر معروف وإن غاب عن حقل التداول.

كما ظهرت – ولأسباب أمنية – ظاهرة الاسم الحركي في ذروة الثورة الفلسطينية، بحيث غاب الاسم الحقيقي وبخاصة في الأوساط الشعبية, ولم يكن كثير من الناس يعلمون أصلاً أن أسماءهم حركية.

وكان لنا أصدقاء كثر نعرفهم بأسمائهم المتداولة، لنكتشف في النهاية أسماءهم الحقيقة بعد أن برد حجر الثورة وعاد الكثير منهم إلى الوطن بعد أوسلو . اختيار الاسم الحركي – من خلال معرفتي ببعض الأصدقاء – اختيار خاص بالتجربة الفردية كاختيار اسم أب، اسم صديق، اسم تاريخي، وكان الاسم والكنية معاً حركيين. لقد صار الإنسان سرياً إنه هو باسم آخر. الاسم الآخر يحمل دلالات نضالية والنضال يفرض السرية. ومع انتهاء التجربة السرية عاد الشخص إلى اسمه ولقد تخلى عن تلك الشخصية التي كانها.

أذكر حادثتين: فلقد دعاني (تلفزيون أبو ظبي) لحلقة حوارية، وحدثني المذيع الريان آنذاك عن شخص آخر سيكون معي في الحوار هو عريب الرنتاوي، وسألني إن كنت أعرفه، فأجبته مع الأسف لا أعرفه. وهتف إلى عريب الرنتاوي من غرفته لنلتقي في لوبي الفندق، فإذا هو الصديق عماد الرحايمة الذي كان مديراً في مجلة (الهدف)، ومدير دار (عيبال).

وحين سافرت لفلسطين لم أكن أعرف نايف جراد الذي قيل لي بأنه سيدعوني لمحاضرة في جامعة الاستقلال، وحين ذهبت للجامعة فإذا هو الصديق وابن بلدي الذي كان اسمه في دمشق أحمد كنعان.

إنه الآن هوية متطابقة مع اسمه الحقيقي، والاسم الحركي بشخصيته التي كانت أصابها البلى. أنا لا أعرف بدقة لماذا اختار الصديق نايف جراد أن يكون اسمه الحركي أحمد كنعان، لكن وجود اسمي أحمد وكنعان في الاسم يدلان على وعي الانتماء للأصل العربي الكنعاني.. وهكذا.

والخوف من الاسم الصريح خوف على الذات من الإيذاء، الذات التي تمارس عملاً خطيراً أو تقول قولاً غير مقبول يمس المقدس.

فكاتب كتاب ” قس و نبي ” شخص يُدعى  أبو موسى الحريري، شخص غير معروف ويكتب باسم مستعار لأنه يخاف – مثلاً – من غضب المسلمين والإسلاميين. لأن الكتاب يتحدث عن أثر الراهب بحيرة في ثقافة الرسول.

وقد كنت أقرأ في النهج لشخص اسمه لؤي أدهم وتبين أنه الدكتور عصام الزعيم. لؤي اسم تقية لشخص يعمل في الأمم المتحدة ويكتب في مجلة الأحزاب الشيوعية.

غير أن الظاهرة الأبرز في الاسم المستعار وقد انتشرت انتشاراً واسعاً على حسابات ” الفيس بوك ”.

أربعة أسباب تحمل الناس على الاسم المستعار على الفيس بوك:

أولاً: الخوف من السلطة التي يعتقد الجميع أنها قادرة على اختراق الصفحة ومعرفة ما يدور فيها من حوار. وأغلب الذين آزروا الثورة السورية من الفيسبوكيين و العائشين في سورية كتبوا بأسماء مستعارة.

ثانياً: الخوف من المؤسسة الاجتماعية وبخاصة بالنسبة للإناث، الاسم المستعار تورية تقوم عبرها الآنسة أو السيدة بكتابة ما لا تستطيعه في العلن.

ثالثاً: ممارسة العنف اللفظي. فأغلب الذين يشتمون على العام والخاص كائنات ذات أسماء مستعارة وصور لا تشير إلى أصحابها.

رابعاً: أسماء مخابراتية متنكرة وتأخذ دور المعارضة الراديكالية، فتخلق لدى المتلقي ثقة بها، ثم تبدأ بالنيل من المعارضين بوصفهم أقل ثورية.

فالسادية المستترة وراء اسم لا يشير إلى صاحبه تتحلل من عقال القيم ولهذا تظهر في صور الشتائم الجنسية والألفاظ النابية في كل ما من شأنه إحداث الأذى.

ولهذا ترى أن الشبيح على الأرض يوازيه شبيح على الفيس بوك . حيث يظهر الشبيح الفيسبوكي ذو الاسم المستعار بصورة لأحد أفراد السلطة وخلفية لصورة الثلاثة، وهم يضعون النظارات السوداء على عيونهم ومكتوب تحتها هكذا تنظر الأسود.

ولم يفكر صاحب الصورة كيف لنا أن نرى نظرة عيونٍ مخفية بنظارات سوداء. والحق أني شاهدت عدة برامج حول الأسود وحياتها ولم أشهد حتى الآن أسداً يلبس نظارة سوداء. هذا الذي يريد أن يظل مجهولاً باسم مستعار مختلف عن الاسم المستعار لشخص معلوم. الثاني يتوسل الشهرة من الاسم المستعار فيختار – كما يظن – ما يليق به من أسماء – صفات وأسماء تاريخ وأسماء أشياء. فيما الأول يعتريه شعوراً بالخوف، بدءًا من الخوف المشروع على الحياة وانتهاءً بالخوف من الفضيحة.

وشتان ما بين خائف من أقبية التعذيب بسبب قول فيسبوكي ويعرف من خبرته وخبرة أصدقائه المصير المؤلم لتمرده القولي، وبين الشبيح الخائف من أن يفضح اسمه الصريح انحطاطه الأخلاقي.

أما أسماء أهل الفن المستعارة فالمقصود أن يكون وقعها على الأسماع جميلاً ومؤثراً، فناديا لطفي اسمها الحقيقي بولا محمد شفيق، ونجلاء فتحي اسمها الحقيقي فاطمة الزهراء حسين أحمد، وتحية كاريوكا اسمها الحقيقي بدوية محمد كريم علي السيد.

وهذا يعني بأن للاسم المستعار دلالات عديدة، أسوأ هذه الدلالات دلالة التخفي من أجل الإيذاء.

التعليقات (2)

    HOPE - اقتباس

    ·منذ سنتين شهر
    (شتان ما بين خائف من اقبية التعذيب بسبب قول فيسبوكي وبين الشبيح الخائف من ان يفضح اسمه الصريح انحطاطه الاخلاقي) هذا القول ينطبق تماما على من تمطى خلف بندقية جزار وقتل المدنيين العزل تحت ذريعة الحفاظ على امن البلد من (المؤامره الكونيه).. الشبيح بدون سلاحه والغطاء اللاشرعي الذي يفرضه قانون المافيا حقه فرنك مصدي.. مشان هيك يتخفى الشبيح الفيسبوكي خلف اسم مستعار لانه لا يملك الجراه بالوقوف مجردا امام الناس .. الباطل ضعيف و بحاجه دائما للاختفاء !!

    امجد الطرابلسي

    ·منذ سنتين شهر
    حبذا لو شرحتم لكاتب مقال الحشاشين الجدد عن تاريخ الحشاشين وهل اطلقوه على انفسهم ام اطلقه عليهم خصومهم ام اعداؤهم ؟ وكفانا عبثا بالتاريخ .
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات