رحيل المخرج جلال الشرقاوي: أخرج (مدرسة المشاغبين) واستبدل فيروز بعفاف راضي

رحيل المخرج جلال الشرقاوي: أخرج (مدرسة المشاغبين) واستبدل فيروز بعفاف راضي
عن عمر يناهز الـ 88 عاماً، توفي المخرج المسرحي المصري جلال الشرقاوي أحد أشهر مخرجي الكوميديا في تاريخ المسرح المصري في النصف الثاني من القرن العشرين الذي شهد أبرز أعمال الشرقاوي.. 

وأعلنت ابنته الممثلة المعتزلة عبير الشرقاوي، صباح اليوم الجمعة وفاة والدها مرفقة نعيها على صفحتها على الفيسبوك بالآيات القرآنية، والأدعية المأثورة، بعدما تم نقله للمستشفى، حيث بقي في العناية المركزة على مدى الأسابيع القليلة الماضية، وعانى من مشاكل في الجهاز التنفسي والرئتين إثر إصابته بفيروس كورونا.

 

أستاذ العلوم 

ولد جلال الشرقاوي في 14 يونيو 1934، حصل على بكالوريوس العلوم من جامعة القاهرة عام 1954، ودبلوم خاص تربية وعلم النفس من جامعة عين شمس 1955 وبكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1958 ودبلوم إخراج من المعهد العالي للدراسات السينمائية من فرنسا عام 1962.

بدأ جلال الشرقاوي حياته مدرساً للعلوم حين كان طالبا في المعهد العالي للفنون المسرحية في الخمسينيات، قبل أن ينصرف إلى تدريس التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية بعد تخرجه بتقدير امتياز بدءا من 1962، كما عين مديرا لمسرح توفيق الحكيم 1967، ورئيسا لقسم التمثيل والإخراج 1975 ثم عميدا للمعهد العالي للفنون المسرحية بين عامي 1975 و1979.

مدرسة المشاغبين تثير جدلا تربويا!

أخرج أول أعماله المسرحية في مطلع ستينيات القرن العشرين بعنوان (قنبلة الموسم) عام 1961 ثم تبعها بمسرحيات (عفاريت مصر الجديدة – المتشردة- بلدي يا بلدي -  الجيل اللي جاي) قبل أن يخرج عام  1963 نص توفيق الحكيم (عودة الروح) مع كل من: (نعيمة وصفي - نجيب عبده - نور الدمرداش - سعيد صالح - سعيد أبو بكر - صلاح قابيل - عصمت عباس - سهير رضا - سناء مظهر) ثم ختم جلال الشرقاوي عقد الستينيات بمسرحية (أولاد العفاريت الزرق) عام 1965 ليتفرغ بعدها لسنوات للعمل السينمائي قبل أن يعود في مطلع السبعينيات للمسرح فيخرج عددا من المسرحيات للقطاع الخاص لعل أشهرها (مدرسة المشاغبين) عام 1973 التي كتبها علي سالم ولعب بطولتها نخبة من الممثلين الشباب آنذاك الذين سيصبحون نجوم الكوميديا في الفن المصري (عادل إمام – سعيد صالح – يونس شلبي – أحمد زكي – هادي الجيار- حسن مصطفى) ومع أن هذه المسرحية استمر عرضها لسنوات طويلة وشكلت ظاهرة في المسرح المصري التجاري، قبل أن تنتشر عربيا بعد تصويرها تلفزيونيا وتوالي عرضها خلال نصف قرن في معظم التلفزيونات العربية..

إلا أن هذه المسرحية أثارت حين صدورها جدلا تربويا محتدماً، واتهمت بإفساد الجيل.. واعتبرت علامة من علامات انحطاط المسرح المصري، رغم النجاح الفني الذي حققته، والذي كان قائما على ارتجال الإفيهات الكوميدية والخروج عن النص.. وهو ما دفع الفنان عبد المنعم مدبولي إلى الانسحاب منها بعد تقديم عروض عدة.. فأوكل دوره إلى الممثل حسن مصطفى. 

العمل المسرحي التالي لجلال الشرقاوي كان (كباريه) عام 1974 من بطولة (سعيد صالح – نيللي – سناء جميل – عبد المنعم إبراهيم) التي اتخذت طابعا مسرحيا استعراضيا خفيفا.. إلا أن المسرحية التالية (قصة الحي الغربي) عام 1975 التي كتبها بهجت قمر، وجمع فيها نخبة نجوم الكوميديا على الساحة المصرية آنذاك (سعيد صالح – سهير البابلي- عادل إمام – يونس شلبي – سيد زيان – حسن مصطفى) إلى جانب نجوم الدراما الكبار (حسن يوسف- صلاح السعدني – أحمد زكي) لكن بسبب حدة النقد السياسي للحكومة في هذا العمل.. تم منعها، فلم يتم تصويرها للتلفزيون.. وبقيت ذكرى في سجل ذكريات صناعها ومن تمكنوا من مشاهدة عروضها.

استمر جلال الشرقاوي مخرجا مسرحيا قويا ساهم في مسيرة كبار نجوم المسرح في مصر كمحمد صبحي في (الجوكر) 1979، و(طبيب رغم أنفه) 1982، و(الببغان) 1984 وسهير البابلي في (ع الرصيف) 1987 و(عطية الإرهابية) عام 1992 التي اعتزلت بعدها سهير البابلي الفن.

مسرحية (الشخص) مع الأخوين رحباني

 في عام 1982 اختار الأخوان رحباني جلال الشرقاوي لإخراج النسخة المصرية من مسرحية (الشخص) التي قدماها مع السيدة فيروز عام 1968 واعتبرت واحدة من أهم أعمالهما المسرحية المبكرة... 

لعبت المطربة عفاف راضي دور السيدة فيروز في الأصل الرحباني، وكانت تجربة مسرحية (الشخص) من التجارب الهامة بالنسبة لجلال الشرقاوي، لأن العمل قدم بإشراف ومشاركة الأخوين رحباني بعد انفصالهما فنياً عن فيروز .  

وقد عهد الأخوان رحباني بنص المسرحية إلى الشاعر البارز أمل دنقل لتمصيرها وتحويلها من اللهجة اللبنانية إلى المصرية.. كما قدم الأخوان رحباني ثلاث أغنيات لعفاف راضي تحاكي الأجواء المصرية، فاستبدلا أغنية (بكرا أنت وجاية) بأغنية (الصاري عالي عالي والقلوع من فضة) وأغنية الدبكة اللبنانية (جبلية النسمة جبلية) بتوزيع لأغنية سيد درويش (ياوابور الساعة 12) وأغنية (فايق يا هوى) بأغنية (غرب الجزيرة) وقد حققت المسرحية نجاحا كبيرا لدى عرضها في مصر في 15 ديسمبر عام 1982 بمشاركة فرقة رضا للفنون الشعبية.. 

كما صورت للتلفزيون في نسخة كاملة.. ربما لم تعجب اللبنانيين والسوريين الذين وجدوا في تمصير المسرحية إفسادا لخصوصية أجوائها كما افتقدوا حضور السيدة فيروز.. كما أزعجتهم مبالغات المونولجيست سيد ملاح في أداء دور الشاويش الذي أداه بجدية واقتدار في النسخة اللبنانية الأصل وليم حسواني.. لكنها بقيت تجربة مهمة على صعيد المسرح الغنائي في سجل مخرجها جلال الشرقاوي ونجمتها عفاف راضي. 

تجربة سينمائية تثير غضب عبد الناصر

بدأ جلال الشرقاوي مسيرته في الإخراج السينمائي عام 1965 بفيلم (أرملة وثلاث بنات) من بطولة أمينة رزق وزيزي البدراوي ونوال أبو الفتوح.. إلا أن فيلمه التالي (العيب) المقتبس عن قصة للأديب البارز يوسف إدريس عام 1967 كاد ينهي مشواره السينمائي، وقد  كشف الشرقاوي في تصريح لقناة نايل لايف أن هذا الفيلم أثار غضب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعدما كشف فيه عن الفساد والرشوة بالجهاز الإداري للدولة في معالجة جريئة وغير مسبوقة أدت إلى تقييد عرضه.. 

وعلى العموم لم تطل تجربة جلال الشرقاوي في مجال السينما، إذ سرعان ما توقفت بعدما أخرج فيلم (الناس اللي جوا) عام 1969 ثم فيلم (أعظم طفل في العالم) عام 1972 عن نص لعلي سالم، مؤلف مسرحية (مدرسة المشاغبين)... ليتفرغ بعد ذلك كليا للمسرح فيخرج خلال مسيرته الفنية أكثر من (45) عملا مسرحيا.. كان آخرها محاولته إخراج مسرحية بعنوان (هولاكو) عن نص للشاعر فاروق جويدة، جرى التحضير لها على مدى 4 أعوام، وكان من المفترض أن تخرج إلى النور العام المنصرم 2021 بمشاركة الفنانة المعتزلة عفاف شعيب وأشرف عبد الغفور.. لكنها تعثرت. 

مخرج ومنتج وممثل 

ألف جلال الشرقاوي كتبا عدة أبرزها (مدخل إلى دراسة الجمهور في المسرح المصري)، ثم (السينما في الوطن العربي) و(حياتي في المسرح) التي دوّن فيها مشوار حياته وعطاءه.. كما حصل جلال الشرقاوي خلال مشواره على عدة ميداليات وشهادات تقدير منها ميدالية من المركز الكاثوليكي المصري)، وميدالية "المسرح التجريبي" و جائزة الدولة التقديرية في الفنون من مصر عام 1994.

شكّل جلال الشرقاوي نموذجا للجيل الثاني من مؤسسي المسرح المصري الحديث.. وعنوانا من عناوين العمل الفني المتعدد الوجوه، فقد كان مخرجا ومنتجاً وصاحب مشروع فني، كما مارس الكتابة الدرامية، وظهر ممثلا منذ سبعينيات القرن العشرين في العديد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والإذاعية... لكن ما قدمه في المسرح كمخرج ورغم نجاحه الجماهيري، بقي أمينا لأجواء المسرح المصري التجاري وأمراض نجومه في الارتجال واجترار الأفيهات الكوميدية والارتهان لشباك التذاكر. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات