مجزرة حماة 1982 في نص تراجيدي مستعاد: مات حافظ الأسد ولم تمت حماة

مجزرة حماة 1982 في نص تراجيدي مستعاد: مات حافظ الأسد ولم تمت حماة
كتب الأديب والإعلامي السوري الراحل ياسين عبد اللطيف (1955- 2018) هذا النص عام 2012 في الذكرى الثلاثين لمجزرة حماة، ونشره على صفحته الشخصية على (فيسبوك) وتعيد أورينت نشره لمستواه الأدبي الرفيع، في اختزال ذاكرة المجزرة التي ارتكبها نظام حافظ الأسد في الثاني من شباط/ فبراير عام 1982 وراح ضحيتها ما يقرب من (40) ألف من أبناء المدينة في واحدة من أكبر المجازر وحشية وإجراماً واستباحة في تاريخ النظام الطائفي الدموي. 

 خضّبتْ حماة - بلون الدم – شوارعها المشحونة بالغضب، وحيطان بيوتها العالية، وأبوابها المشرَّعة على ذكرى المذبحة الأليمة. خضَّبتْ نواعيرها الحزينة التي تَغرف بدلائها الكبيرة مياه العاصي العذبة، لتروي عطش المكلومين، وتطفئ لهيب أفئدة الثكالى من حرَّة فقد الأحبة وجور الظالمين؛ والذكرى حاضرة تسكن الخواطر والوجدان وطيات القلوب! وتروي بساتين المشمش الحموي والفستق الحلبي والكروم والحقول الخضر التي تمتد على الشطين. والنهر يمضي عاصياً سنَّة الأنهار مستطرقاً إلى سهل العمق وجسر الشغور ليغفو في أحضان اللاجئين في اللواء السليب!

 تدور النواعير على نفسها بحركة صوفية ولا تتعب وهي تسْنُو بِسَفَرٍ طويل لا ينقطع، فيعلو نشيج الماء والخشب حزناً وأنيناً على الآمنين الذين قتلوا بدون ذنب غدراً وغيلة، وعلى المدينة التي سُوِّيت بالأرض هدماً وحرقاً. وتشدو بتراتيلها  المختلطة مع  رشرشات الماء، وبغنائها الشجيِّ الحزين فصولَ المذبحة والمحرقة؛ تُعيدُ إنتاج المحنة مع كلِّ دورة وأنَّة حزينة، وتُجسِّد المشهد التراجيدي في الليل والنهار.

– ينام الناس في حماة، وسمك العاصي ينام، وهي لا تنام  لتروي ملحمة الدم الحموي وتستعيد ذكرى ”أربعين ألف شهيد، وستين ألف معتقل، ومئة ألف نازح ٍ تناهشتهم المنافي وتفرقوا في أوطان الله  البعيدة، وخمسة عشر ألف فقيد لا يُعرفُ مصيرهم أحد غير النظام! هل قـُتلوا في غزوة مذبحة سجن تدمر التي قادها رفعت الأسد وسرايا الدفاع، أم أُعدموا في حقول الرمي الميدانية، أو في مطار المزة والضمير العسكريين، أو في أقبية الأجهزة الأمنية، أو في سجني المزة وصيدنايا؟ بالإضافة إلى خمسة آلاف مشرّد هُدمتْ بيوتهم وسُرقت ممتلكاتهم وحلالهم“.

– وبلون الدم خطَّت أيادي شباب حماة في مسرح الدم في 2شباط 2012، عبارات الاعتذار من حماة ومن الشهداء الراحلين ”عذراً حماة… سامحينا” على ذنب ما اقترفناهُ  لأنَّا كنَّا صغاراً معلقين بحبال الموت على يد القاتل؛ خائفين نحتمي بأحضان أهلينا الميتين أو الشاردين بعيداً عن الدار والحريق الكبير!

– تأتي ذكرى المجزرة التي أفظعتْ بمدينة حماة وأهلِها الآمنين عام 1982، في ظلِّ حومة المجازر الوحشية التي تطال ”خيَّاتها” من المدن السورية على يد الوريث الرجيم في عام 2012 م – والموت يجري بين اللحم والدم والعروق: في درعا و كلّ بلداتها الأبيَّة، ومدن ريف دمشق الباهرة، ودمشق التي استفاقت وخلعت عنها ثوب الخنوع وزلزلت عرش الظالم، وحمص عاصمة الثورة والدولة الموعودة، وإدلب التي ما كلَّت حناجرها ولا ملّت من عذب النشيد، وجبل الزاوية وتاريخه العتيد، وجسر الشغور المُهجَّرة المنكوبة، وحلب وريفها النيِّر الثائر، ودير الزور ومدن الفرات العظيمة المدهشة؛ والرقة التي لفظت أخيراً- مقولة ”الرقة ما فكَّتْ وسِيْجْ والقولي عمره ما غزا” وخرجت مع الثائرين؛ لتبرَأ من عار عباءات العفون التي تخفق في الفروع الأمنية وترتبط بها بافتتان كوشيجة الأرحام لتتبرك برؤية المعلم وتقديم واجب الولاء والبراء له تبرعاً – جلاس مقهى يا يمَّة… ومقاهي القمار المعروفة، ومضافات سلق السوالف والمقارضة والموليّا والحديث المُختلق عن مجد العشيرة التليد، وفنادق وخمارات مليحات الغاب، وكباريه درٌّة الفرات والغوطة والحجيات ” ودقْ الكَاسه بالكَاسه وبالسهرة تضيع الطاسة قلبي عاشقْ رقاصة… وروح يا مجروح.. خمسميَة محروقه لعيون الشيخ أبوفلان!“ هذه حياتهم، وهذه صورتهم النمطية في أذهان السوريين لارتهانهم المديد للنظام في ظل عرش الأسد، وفي ظل عرش الوريث قبل الثورة!

–  ومجازر بشار الأسد المرِّوعة في حمص العذية؛ في  حي (بابا عمرو)  حيث يلاحق الموت أعداد النفوس، واحداً.. واحداً،  بيتا… بيتاً والقذائف كحمم البراكين تنهال على شارع (الحاكورة) فتخلط اللحم بالعظم بالحجارة والبارود – هي امتدادٌ لمجزرة حماة ومجازر المدن الأخرى التي جرت في الأمس البعيد. وهذه المجازر تنويع على ذات مشهد القتل المنفصل في الزمان، والمتصل بالمكان بذات اليد المجرمة وبوحدة هدف القتل والإبادة الجماعية لشعب الدولة، من أجل مجد العائلة التي اغتصبت السلطة، وأخذت المجتمع والدولة رهينتين طوال أربعة عقود ويزيد. وعبثت بأمنه واستقلال دولته إنكشارية الأسد وأعوانه الأراذل من  الردفاء من كلِّ الملل والنحل – الذين شرَّعوا القتل للمتألّه  في وسائل الإعلام؛ لقمع  الثورة التي رأتْ أنَّ الدولة السورية هانتْ حين صار الأمر في غير أهله؛ أعني الأسد ووريث الصدفة بشار بن حافظ الأسد! فتفانى الُتُّفّهُ في محاولات تأليف القلوب التي زاغتْ عن بشار ونظامه؛ وما زالوا يفعلون ذلك بنفاق يخجل  المرء من سماع لغته وخطابه؛ رأفة بالمنافق الذي يبيع مروءته ودينه بمديح القاتل وذمِّ القتيل!

– قد يخطر ببال البعض أنْ يقول تعقيباً على وصفنا وتحليلنا: إنَّ سورية شهدت في ظل الوريث  مهادنة  ومصالحة مجتمعية ومدنية ظاهرة وملموسة بعض الوقت!

 – هذا السلام الاجتماعي المزعوم يدخل في باب الرأي السياحي الساذج لمن لا يعرف طينة بشار الأسد وسلطة العائلة وجيشها الطائفي؛ وقد كذبته الأيام اللواحق،  لأنَّ الوريث رأى قبل المواجهة العنيفة مع عموم السوريين: أنَّ السجون تمائم القبور فاشتدّ في العقوبة؛ ورمى الناس بأجهزة أمن فاجرة متغولة؛ يفوق عدد فروعها وأنواعها أحياء المدن الكبيرة كالشام مثلاً! أخذت  هذه الأجهزة الأمنية الناس بالظنَّة، وعاقبت على الشبهة المقيم والهارب، وقتلتْ من أطلَّ برأسه معانداً أو مفارقاً النظام، وسجنتْ من عمل بالسرِّ أو تحت الأرض؛ حتى نسيه الأهل والخلاَّن في أقبية سجون حافظ وبشار الأسد ومقراته الأمنية. وهذه الأجهزة العديدة والمديدة مرتبطة ارتباطاً مباشراً بجهاز أمنِ ماهر الأسد إذ لا تدور ولا تحور إلاً بأمره، أو بإشارة منه! وجهازه الأمني المُرعب مرتبط بجهاز أمن بشار الأسد في القصر الجمهوري؛ الذي يشرف عليه بنفسه لحظة بلحظة خوفَ أنْ يأتي عليه يوم كأيام الثورة هذه؛ وتفلتَ من يده السلطة التي آلت إليه بالوراثة والبيعة العسكرية والحزبية وسيورثها من بعده إلى أبنائه الذين تجري في أصلابهم  الدماء الزكية حصرياً!

– خاف الناس حتى أمِنَ بعضهم بعضاً كقطيع الأغنام التي رتعتْ في مراحها الذئاب الضارية؛ ومن الخوف الذي سرى في الأبدان وتغلغل في العظام والشغاف؛ راحتْ تضع رؤوسها في أعطان بطون بعضها البعض وتغمض عيونها وهي تنتظر مصيرها المحتوم بتسليم شديد، وهي تحبس مهبَّ الأنفاس –  تموت أولاً تموت؛ وإنْ نجا شارد أو محظوظ؛ ينجو صدفة لا شطارة ولا جسارة من أحد على النظام الرهيب!

– في الذكرى الثلاثين لمجزرة حماة تتعرض سورية كلّها للمجازر على  يد بشار الأسد وجيشه الفئوي المتعصب، وعصابته المجرمة؛ إذ تقع مع كلِّ رفة عين مجزرة!

– بشار حافظ الأسد  يُشعل الحريق في كلِّ الخريطة وتضاريسها، ويهيلُ عليها تلالاً من الرماد؛ على حضارة الشام، على تاريخها الناصع العريق؛ وعلى ثورتها التي تدافع عن  نفسها بحناجرها والنشيد، وأيديها العارية التي تتوقى رصاص الموت الذي ينهمر عليها كوقع المطر على القمح اليابس قبل الحصاد والرجاد!

 – هدايا من روسيا القيصرية والصين الماويَّة، وإيران ولاية الفقيه المزدكية التي تكنُّ العداء للعرب وتكيلُ لهم صاعاً بصاعٍ منذ احتلال العراق، ومن ميليشيا ”الجيش المدني للرب” من إمارة الشاطر حسن نصر السلفية… وربيبه مقتدى الصغير، ومن الخلايا النائمة من أعوانهم حول المزارات في الشام وداريا والرقة، ومن زبانية بشار الأسد، الذي كتب  مشهد الختام بيده؛ وسيسقط نظامه دون أسف عليه –  والأيام القادمة ستحمل الوعود؛ رغم  تخلي العالم الحر عن السوريين الذي يُقتلون بدون حساب؛ يا وحدنـا….!

· أديب وإعلامي سوري من أبناء مدينة الرقة رحل في 12/10/2018

- لقراءة مقالات أخرى من هذه السلسلة، اضغط على الرابط التالي: 

مقالات سورية مختارة 

التعليقات (1)

    أبو هيثم

    ·منذ سنتين شهر
    أربعون سنة مضت على مجزرة حماه ارتكبها المجرمان حافظ ورفعت، الآلاف الأرواح زهقت بلا ذنب، نساء واطفال وشيوخ عزل، من أبشع المجازر ضد البشرية ، لم يحاسب المجتمع الدولي مرتكبيها ، بل تم احتضان رفعت في بلدان غربية تدعي حماية حقوق الإنسان. مات حافظ وسيموت رفعت، وستبقى مدينة أبي الفداء شامخة في وجه بشار وعصابته. الحساب قادم مهما طال الزمن.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات