غزل متبادل بين بشار الأسد وإسرائيل

غزل متبادل بين بشار الأسد وإسرائيل
لماذا لا يتوقّف بشار الأسد عن مغازلة إسرائيل؟ هكذا كتبت صحيفة يديعوت أحرونوت في 18 حزيران يونيو الماضي، متسائلة عن أسباب مغازلة بشار الأسد المستمرة لإسرائيل على الأقل في آخر سنة ونصف، بينما كتب موقع "واللا" 7 تموز/ يوليو أن بشار بدأ في التضييق على حركة إيران وميليشياتها في سوريا بما يخدم مصالح نظامه، تحديداً فيما يتعلق بترويج مزاعم الاستقرار وإعادة الإعمار ويمثّل من جهة أخرى مغازلة لإسرائيل أيضاً، باعتبار ذلك مطلباً رئيسياً لها، علماً أنها لا ترفض الوجود الإيراني بحد ذاته، وإنما المنحى أو البعد الإستراتيجي فيه.

الصحيفة العبرية استندت أساساً إلى ما نقلته قناة الجزيرة في بداية الشهر نفسه عن مصدر رسمي بوزارة خارجية النظام، لجهة وجود اتصالات بين بشار الأسد والإسرائيليين، وأن الأمر مرتبط بحوارات النظام لتطبيع العلاقات مع السعودية ودول الخليج، كما نقلت عن المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية فريدريك هوف أنه سمع مباشرة من الأسد "28 شباط/ فبراير 2011" أي بعد اندلاع الثورات في العالم العربي – بشار كان متأكداً من وصولها إلى سوريا كون نظامه يشبه تماماً المنظومة السلطوية المستبدة والفاسدة والمهترئة التي أسقطتها الثورات في تونس ومصر وليبيا - أنه مستعد لقطع علاقاته العسكرية مع إيران وحزب الله مقابل سلام كامل مع إسرائيل يتضمن استعادة الأراضي السورية المحتلة منذ حزيران/ يونيو 1967.

كلام موقع "واللا" يصبّ في نفس الاتجاه وربما فهم الأسد أن لا استقرار لنظامه ولا جدوى من الترويج لمزاعم الاستقرار ودعوات إعادة الإعمار وعودة النازحين واللاجئين مع وجود إيران وميليشياتها، إلا أن هذا يمثّل من جهة أخرى مغازلة واضحة منه لإسرائيل تعبّر عن استعداده لتنفيذ أحد مطالبها الرئيسية في سوريا.

تقرير "يديعوت أحرونوت" كان قد أشار إلى نقطة أخرى مهمّة، مفادها أن حديث النظام ومصادره عن اتصالات مع إسرائيل يهدف أساساً إلى رفع معنويات جمهوره المنهارة في مناطق سيطرته وإعطائهم الأمل بإمكانية تحسين أوضاعهم المعيشية والحياتية البائسة عبر علاقةٍ ما مع الدولة العبرية، والتأكيد أن الأسد لا يتحدث كما في السابق عن اتفاق سلام يضمن استعادة الأراضي السورية المحتلة، بل عن تفاهم عدم قتال – هدنة - بعيد المدى؛ وربما تسويات تتعلق بتقليص الوجود الإيراني وغيرها؛ بتعبير آخر قالت الصحيفة يبدو أن النظام السوري يريد أن يعطي انطباعاً بوجود مثل هذه الاتصالات حتى لو لم تكن موجودة بالفعل".

الحديث عن الاتصالات أو حتى محاولة إعطاء انطباع بوجودها، ناتج عن رغبة بإطلاق حراك ما مع إسرائيل يتضمن قناعات واحدة قديمة وأخرى جديدة. الأولى تترجم مقولة أن الطريق إلى واشنطن تمرّ بتل أبيب. أما الثانية والجديدة فتفيد أن الطريق إلى الرياض وأبو ظبي وعواصم عربية أخرى تمر أيضاً بتل أبيب، مع مزاعم أيضاً بإمكانية الابتعاد عن إيران لدعم مساعي الإمارات ودول خليجية أخرى لتبرير انفتاحها على نظام الأسد، علماً أن أبو ظبي تتحدث دائماً عن منظومة إقليمية جديدة ومختلفة تتموضع إسرائيل في مركزها صحبة الثورات المضادة، بما في ذلك إعادة تحديث الأنظمة المستبدة الفاسدة التي أسقطتها الثورات الأصيلة قبل عشرة أعوام.

لافت طبعاً أن الأسد لا يتحدث عن استعادة الأراضي السورية المحتلة، وإنما الاكتفاء بهدنة أو تفاهم عدم قتال بعيد المدى مقابل منح إسرائيل شرعيةً ما لنظامه، وبالتالي فتح أبواب واشنطن والغرب وربما الشرق بمعنى شرعنته في العالم العربي أيضاً.

إلى ذلك شهدنا خلال الأسابيع الماضية ما يشبه الغزل أو التشجيع الإسرائيلي المقابل لبشار الأسد ولو بشكل غير رسمي،حيث كتب المعلق العسكري رون بن يشاي-يديعوت احرونوت - ممتدحاً موافقة بشار الأسد على الغارات والهجمات الإسرائيلية المتزايدة ضد الأهداف الإيرانية بسوريا خلال العام الماضي-ارتفعت بنسبة 30 بالمئة- وعن موافقته على فكرة إخراج إيران، أو على الأقل تحجيم وجودها بعدما بات عبئاً على النظام نفسه، دون أن يتحرك عملياً للقيام بذلك ولكن دون أن يعرقل أيضاً الهجمات الإسرائيلية المدعومة بوضوح من راعيته روسيا.

 في نفس السياق نشرت هيئة البث الإسرائيلية العامة "كان" تقريراً عن زيارة يهود أمريكيين من أصل سوري إلى دمشق في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، بدعوة رسمية من نظام الأسد مع الكشف عن زيارة سابقة إلى حلب في تشرين الأول أكتوبر، وعن عمل أبناء لهؤلاء مع شركات كبرى في مشاريع اقتصادية بسوريا وبحماية كاملة من النظام وأجهزته الأمنية.

مع بداية العام الجديد وفى نفس السياق كتب السفير السابق إسحق ليبنانون في صحيفة إسرائيل اليوم مؤيداً بقاء نظام الأسد باعتباره مفيداً للدولة العبرية، وهو نفس ما نقلته يديعوت أحرونوت عن مصدر رفيع في سياق دعمه للتطبيع بين الدول العربية والأسد.  

مع ذلك تؤكد الوقائع على الأرض أن القيادة الرسمية في تل أبيب لا تأخذ نوايا ومساعي الأسد على محمل الجد-حتى مع دعمها بقاءه- كونه فاقداً للسيادة والإرادة وخاضعاً تماماً للاحتلال الروسي ربّ البيت الفعلي في سوريا، كما يقال دائماً في الإعلام العبري.

ولا أحد يتحدث بالتالي عن وجود أي احتمال أو إمكانية للتسوية معه - عكس الحال على المسار الفلسطيني - بعد رحيل رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو وتولّي حكومة بينت - ليبد بدلاً منه. وهنا تبدو لافتة جداً حقيقة أن رئيس الحكومة البديل ووزير الخارجية يئير ليبيد كان قد قاد شخصياً تحركاً واسعاً وكبيراً في الكنيست عام 2018 لحض الأسرة الدولية على الاعتراف بضمّ إسرائيل لهضبة الجولان المحتلة.

في إسرائيل يعرفون كذلك أن الأسد قد لا يكون قادراً - حتى لو أراد فعلاً - على توفير البضاعة المتمثلة بإخراج القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها من سوريا، بعدما فقد السيطرة تماماً، خاصة أنه يَدين ببقاء نظامه لهم بريّاً على الأقل، إضافة إلى الاحتلال الروسي الذي تم الاستنجاد به "جويّاً" إثر عجز إيران وأذرعها عن القيام بالمهمة.

إلى ذلك ثمة حقيقة لا تَخفى على أحد، مفادها أن الأسد مأزوم ومعزول-رغم بعض الاختراقات هنا وهناك- ولا أحد يأخذه على محمل الجد أو يعتقد أنه يملك من أسباب القوة ما يجبر الآخرين على عقد تسويات معه. ومن هنا يعتقدون في تل أبيب أن قصة إخراج القوات الإيرانية مرتبطة حتماً بتوافق أو صفقة أمريكية روسية دولية تشمل تحديد مصير الأسد نفسه.

في إسرائيل يتحدثون أيضاً وفي سياق الغطرسة والنفاق والتعالي الأخلاقي عن عدم منح شرعية لنظام بشار الأسد بعد جرائم الحرب الموصوفة التي ارتكبها وحلفاؤه بحق السوريين، وعدم المساهمة بأي حال من الأحوال بتبييض صفحة الأسد وداعميه لمواصلة ترويج مزاعم وأكاذيب التفوق الأخلاقي عليهم جميعاً.

في الأخير لا يجب تجاهل مساعي إسرائيل المستمرة للحفاظ على مصالحها، لكن دون قدرة كبيرة على التأثير الجِدّي والجوهري على معالم أو مضمون الصفقة الدولية في سوريا بحالة حدوثها، كما إن أزماتها ومشاكلها كثيرة وهي ليست قوة خارقة كما تعتقد منظومة الاستبداد العربية بما فيها بشار الأسد الذي يستنجد بها ضد الشعب وسوريا التاريخية العظيمة، علماً أنه سقط فعلاً عندما تجاوز السوريون حاجز الخوف وكسروا جدار الصمت، وخطّ أطفال درعا بأناملهم الرقيقة "يسقط الديكتاتور"، وما عدا ذلك تفاصيل وتجلّيات وزمن، حتى لو طال نسبياً. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات