وثائقي (فلسطين الصغرى): سيرة التآخي السوري الفلسطيني في مخيم اليرموك

وثائقي (فلسطين الصغرى): سيرة التآخي السوري الفلسطيني في مخيم اليرموك
عُرض مؤخراً في دور السينما الفرنسية الفيلم الوثائقي (فلسطين الصغرى _ يوميات حصار اليرموك) للمخرج عبد الله الخطيب.. ولعل من يرغب في الكتابة عن هذا الفيلم سيواجه قدراً كبيراً من الصعوبة في الفصل سينمائياً بين الفلسطيني السوري الضيف، والسوري المضيف،  فثمة حضور حقيقي للثورة يتساوى فيها السوري والفلسطيني في تفاصيل وأشياء ومواقف جعلت الثورة.. مختبراً حقيقياً لإحساس شعبين بالحرية، ولهذا لا يمكن الفصل بينهما، لا من حيث الفعل ولا من حيث الإيمان ولا من حيث الاستهداف من قبل نظام الأسد. 

 حينما يقف مخرج العمل عبد الله الخطيب وراء الكاميرا تبدو الفكرة العامة ثورية محضة، ولكن تفصيلاتها الفنية والاجتماعية والسياسية حاضرة بقوة حتى تحويلها إلى فكرة سينمائية البنية والتكوين بخلفياتها الحياتية والإنسانية والسياسية والنفسية. ويتناول الشكل البصري وأسلوب المعالجة والبناء الحكائي الأشياء التي تبرز في طيات النص الوثائقي. ويحمل الفيلم شكلاً للمقاومة أنتجته مخيلة المتظاهرين السوريين ضد نظام الأسد بهواجس جمالية وثقافية وحياتية. 

هواجس الخطيب السينمائية لم تنفصل فيها كاميرته عن معاينة التبدلات الجارية في مخيم اليرموك جنوب دمشق، أكبر تجمع للشتات الفلسطيني خارج فلسطين، المخيم الذي بُني سنة ١٩٥٧ وكان يقطن فيه قبل اندلاع الثورة السورية ما يقارب ١٦٠ ألف نسمة ومع بداية حصاره عام ٢٠١٣ نزح قسم كبير من أهله، وبقي نحو ٤٥ ألفاً، حتى وصل الرقم ذروته البالغة ١٨ ألفاً مع اشتداد وحشية حصار النظام.

المخيم.. بيت الثورة الخلفي   

لم ينفصل الهمّ الفلسطيني عن الهمّ السوري، حيث كان المخيم في بدايات الثورة إحدى بؤر التجمّع والاستعداد للتظاهر، يدعم الثورة لوجستياً حيث يختبئ المتظاهرون في أزقّته ويعالَجون في بيوت إخوتهم الفلسطينيين من إصابتهم برصاص قوات وشبيحة النظام بعيداً عن خيار اللجوء لمستشفيات ستقودهم حتماً إلى المعتقلات، وقد حاول النظام الموغل في الوحشية والخسّة أن يستغلّ الدم الفلسطيني، حيث وقع ٢٤ شهيداً بفتح حدود الجولان المحتل، تبعها أحداث الصالحة المربع الأمني للجبهة العامة للمقاومة الشعبية_الهيئة العامة، حيث اعتبر سكان المخيم أن قيادات الفصائل تتحمل بقدم المساواة  مع النظام مسئوولية الدم الفلسطيني.

كاميرا الخطيب تلاحق الناس وحركتهم في المخيم، حيث إن المخرج أحد أبطال الفيلم، بالإضافة لكونه يعلّق صوتياً في خلفية الأحداث، ولكن الخطيب الذي يظهر في الفيلم هو خطيب الصحفي. الفيلم يعالج الثورة المأزق والوجع والقهر والأمل، ربما من خلال معالجة شخصية والدة المخرج أم محمود التي صمدت بالمخيم وعملت ممرّضة، بالأدوية والأمل تطيل أعمار الموتى!. يظهر البطل أبو رأفت مدرّس اللغة الإنكليزية في عرس مشجّعاً على الزواج المبكر ويبدو عليه في ظهوره الأول الصحة الجيدة نفسياً وجسدياً. الكادر  الثاني في منتصف الفيلم بالقرب من الأونروا يظهر أبو رأفت مطالباً بفتح الطرقات وإدخال المساعدات وكان يبدو عليه الأسى والضيق. الكادر الثالث يظهر أبو رأفت في آخر الفيلم ويبدو عليه الضعف النفسي والجسدي والقهر والوجع واليأس. 

لماذا نسمّي هذا الفيلم "تيار سينما الناس"؟

لا يقف فقط وراء الكاميرا، المخرج عبد الله الخطيب يراقب البالغين ومسار تطوّرات حيواتهم، بل يهتم بالإنساني بالعموم؛ نجد الكاميرا تنتقل بين وجوه أطفال قتلت أحلامهم حرب نظام طائفي موغل بالوحشية، يتمنى أحد الأطفال "شاورما"، بينما يرتفع سقف حلم طفل يتيم برجوع أمه وأكل الخبز، بينما الطفل الثالث منخفض سقف الأحلام ليبدو السكّر الذي يحلم به، أشبه برشة ملح على جروحنا غير المندملة.

لا ينطلق مخرج الفيلم من أفكار مسبقة، إنما من حساسية خاصة تجاه الواقع والمضمون... ولعل ما يهمه بالدرجة الأولى استجلاء الواقع الذي يفرض لغته على السرد البصري ويحدّد مناخ الفيلم العام، وهنا يستعمل المخرج يوميات من الشعر، هذا موقف الخطيب حيث الصدق والأمانة والقناعة، هي صفات جعلت من فيلمه يشبه الناس ولا يخبرك عن حياة أناس آخرين لا يشبهون الواقع، اليوميات التي شكلت فيما بعد ديواناً شعرياً يحمل اسم "قواعد الحصار الأربعون".

فيلم (فلسطين الصغرى _ يوميات حصار اليرموك)  للمخرج عبد الله الخطيب، تجربة غنية جداً حيث التعلم والاختبار هذان الشرطان المنتجان تيار "سينما الناس"، تجربة سينمائية حافلة بالتفصيلات والهواجس الجمالية والحياتية والفنية، وغاصّة بالوجع والقهر واليأس والأمل ربما، والأهم من كذلك أنه وثيقة بصرية أخرى لإدانة نظام طائفي موغل الوحشية بالحصار والخراب والموت.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات