الأمم المتحدة.. دور مختطف وتصريحات في الهواء

الأمم المتحدة.. دور مختطف وتصريحات في الهواء
عجزُ منظمة الأمم المتحدة عن تنفيذ كثير من قراراتها، يدلّ على أن النظام الداخلي الذي يحكم عملها صار في وضع يتطلّب التغيير، فهذا النظام مضى على وضعه أكثر من سبعين عاماً، وكان تعبيراً عن المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، حيث منحت القوى الكبرى آنذاك نفسها حق النقض (الفيتو) حيال قرارات مجلس الأمن الدولي.

لكن الظروف الدولية تغيّرت، وهذا يجب أن ينعكس في بنية هيئة الأمم المتحدة، أي في آليات اتخاذ القرارات المتعلقة بالأمن والسلام الدوليين، فهذه القرارات، لا تزال مختطَفة من قبل دول مجلس الأمن الخمس، وهو أمر يزيد من تعقيد الصراعات العسكرية، ولا يلجمها.

 في هذا الوضع المُزري أتى حديث الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حيث قال بتاريخ 21/ 1 / 2022 بما يخصّ القضية السورية: "سنمضي قُدماً في التنفيذ المتكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر في 2015، الذي يدعو إلى وقف استهداف المدنيين"، مشدّداً على أهمية عقد لجنة دستورية ذات مصداقية بقيادة سورية، والإفراج عن المحتجَزين، ومواصلة الجهود للوصول إلى جميع المحتاجين بالمساعدات الإنسانية.

حديث غوتيريش يأتي على أرضية فشل الأمم المتحدة بتنفيذ قرارها الخاص بالصراع السوري، حيث أشرفت المنظمة الدولية عبر مبعوث الأمين العام السيد "غير بيدرسون" على مفاوضات اللجنة الدستورية في جنيف عبر ست جولات، يمكن القول فيها، أنها لم تُحدث أي تقدمٍ في مسألة التوافق على صياغة المبادئ الدستورية، التي تحدّد شكل الدولة، وأجهزة الحكم فيها، وطبيعة نظامها السياسي، في مسوَّدة مشروع الدستور السوري الجديد، الذي يجري التفاوض حوله من قبل اللجنة الدستورية التي أشرفت الأمم المتحدة على تشكيلها والمؤلفة من ثلاثة أثلاث متساوية بالعدد لكلٍ من "قوى الثورة والمعارضة، والمجتمع المدني، ونظام الأسد".

لم يقل غوتيريش إن المسؤول عن تعطيل التفاوض في أعمال اللجنة الدستورية هو النظام السوري، كما إن مبعوثه الخاص للملف السوري لم يُحِط مجلس الأمن بصورة صريحة ومسؤولة عن حقيقة مجريات التفاوض، وتملّص النظام الأسدي من الاستحقاقات المترتّبة عليه بموجب القرار 2254.

هذه الحالة تكشف عن أمور عديدة، أول هذه الأمور، أن مجلس الأمن الدولي لم يكن في أي لحظة ضامناً للسِّلم الدولي، بسبب امتلاك الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لحق نقض أي قرار يتعارض مع مصلحة أي دولة من هذه الدول، هذه الحالة تنفي عنه صفة الضمان الحقيقي للسلم العالمي، حين تتعارض مصالح هذه الدولة دائمة العضوية أو تلك مع جوهر قرار يُراد منه وقف صراعٍ عسكري ما.

حديث غوتيريش ينهض على قاعدة القرار 2254، هذا القرار تمّ اتخاذه بإجماع الدول الخمس عشرة الأعضاء في مجلس الأمن، سواء الدائمة منها أو غير الدائمة، وهو قرار ملتبِس يقول بقيادة سورية للمفاوضات، دون وضع آليات تفاوض مُلزِمة لتنفيذه.

الالتباس هنا يتعلق بكيفية وزمن تنفيذ هذا القرار، وهو ما يعمل عليه الروس حلفاء الأسد، إذ رفضوا وضع جدول زمني للتفاوض، وآلية محددة مُنتِجة لمشروع الدستور، وبالتالي تمّ تعطيل فعالية هذا القرار الدولي دون إعلان ذلك، فالتعطيل هنا، يتصل ببنية نص القرار، الذي يسمح لنظام الأسد بالتسويف والمماطلة وكسب الوقت لإفراغه من جوهره، وعدم الاستجابة لانتقال سياسي حقيقي، يفتح الباب باتجاه حلّ سياسي، يُنهي حرب النظام الأسدي على الشعب السوري.

غوتيريش مُدرِك لهذا الفراغ المريع، الذي تجري فيه مفاوضات اللجنة الدستورية، هذه المفاوضات تجري بهذه الصورة نتيجة خللٍ عميق وكبير في ميزان القوى بين طرفي الصراع المسلّح (قوى الثورة والمعارضة من جهة ونظام الأسد من جهة ثانية)، هذا الميزان يميل في صورته الحالية لمصلحة تعطيل القرار الدولي من قبل نظام الأسد.

إن تغيير ميزان القوى القائم حالياً يتطلب من قوى الثورة والمعارضة مراجعة جادّة لإدارة الصراع مع النظام الأسدي، باعتماد مقدمات جديدة مختلفة عما هو قائم حتى الآن، هذه المقدمات تتعلق بإعادة إنتاج أسلوب مقاومة الاحتلالين الروسي والإيراني عبر عمليات مقاومة، تعتمد على مفهوم حرب العصابات الثورية، وليس على أسلوب حرب الجيوش الكلاسيكية، مع إبقاء أطر التفاوض مفتوحة لتنفيذ محتوى القرار الدولي.

تغيير ميزان القوى يتطلب تجاوز صيغة العمل السياسي، التي انتهجتها قوى المعارضة الرسمية، وتحديداً مؤسسة الائتلاف، هذه الصيغة غير مُنتِجة لحسم الصراع سياسياً أو عسكرياً، لأنها ترتكز على مفهوم الاتكاء على دور المجتمع الدولي بفرض الحل، وهذا ما يجعل من قدرة الائتلاف قدرة غير مؤثرة بمحتوى الصراع مع النظام الأسدي، وكذلك يجعل من هيئة المفاوضات السورية التابعة للمعارضة، هيئة بدون أوراق ضغط حقيقية تمتلكها من خلال قوى فعّالة على الأرض.

وباعتبار أن تغيير ميزان القوى لا يزال بعيد التحقق، ولتجاوز هذه الحالة، ولوقف نزيف الدم في سوريا، ينبغي أن تفكّر المنظمة الدولية بطريق أخرى لتنفيذ جوهر القرار 2254، هذه الطريقة تتعلق بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي حول سوريا، تحضره الدول المعنية بالصراع السوري والمتضرّرة منه، وهي دول منطقة الشرق الأوسط والقوى الدولية الحاضرة فيه.

المؤتمر الدولي الخاص بسوريا، يجب أن تنطلق الدعوة إلى عقده عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا يسمح بتجاوز اختطاف القرار الدولي من قبل الروس والصينيين، فعقد مؤتمر كهذا سيضع الروس والإيرانيين في موقف ضعيف أمام غالبية الدول المعنية بحل الصراع السوري.

هذا المؤتمر، ينبغي العمل عليه، مع الاستمرار بالتفاوض، والاستمرار بتهيئة الشروط الموضوعية والذاتية، الخاصة بإعادة إنتاج أسلوب دحر النظام الاستبدادي، وتفكيك كل جذوره في البلاد.

فهل تذهب المنظمة الدولية إلى خيار عقد مؤتمر دولي خاص بحل الصراع السوري؟ وهل يمكن تفكيك أطر قوى الثورة والمعارضة بصيغتها الحالية الضعيفة وغير المنتجة، وصولاً إلى أطرٍ قادرة على تمثيل كل قوى وأطياف ومكونات الشعب السوري، وذلك من خلال عقد مؤتمر وطني سوري شامل يمثّل كل المكونات الوطنية السورية؟

إن استمرار الوضع على ما هو عليه من قبل قوى الثورة والمعارضة، هو مساهمة غير قصدية في إطالة زمن حرب النظام الأسدي على الشعب السوري، وهو مساهمة في ترسيخ أوضاع الأمر الواقع، والذي يتعارض ويتناقض مع بقاء سوريا واحدة موحَّدة.   

التعليقات (1)

    Samir Twair

    ·منذ سنتين شهرين
    تحليل ممتاز.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات