الجنون في حلب بين مجزرة نهر قويق وتقسيمات نهر الجنون

الجنون في حلب بين مجزرة نهر قويق وتقسيمات نهر الجنون
يتوافق هذا السَّبت الواقع في التَّاسع والعشرين من كانون الثَّاني 2022.م مع الذّكرى التَّاسعة لمجزرة نهر قويق، الَّتي ارتكبها نظام بشَّار الأسد المجرم في حلب بتاريخ 29 كانون الثَّاني 2013.م بعد انطلاق الثَّورة السُّوريَّة بسنتين تقريباً؛ لذلك سنتحدَّث في هذا المقال عن جنون نهر قويق الَّذي أحبَّه شرفاء حلب، وسنحكي عن علاقته بالكوميديا والتَّراجيديا؛ لنجد أنفسنا أمام المضحك المبكي حيناً وأمام المبكي أحياناً كثيرة أخرى، وسنجد شبهاً ما بين نهر قويق في حلب ونهر الجنون الَّذي تحدَّث عنه توفيق الحكيم في مسرحيَّته الشَّهيرة، الَّتي تحمل هذا الاسم.

من الصَّعب إضحاك شرفاء حلب لأنَّهم جزء مهمٌّ من شرفاء العالم الَّذين تحدَّث عنهم موليير (Moliere 1622-1673.م)؛ فقال في معرض حديثه عن الكوميديا: (إضحاك الشُّرفاء مهمَّة ليست سهلة)؛ فالشَّريف لا يضحك إذا رأى جيرانه يبكون، والمؤدَّب يلتزم الصَّمت في ظلِّ التَّراجيديا السُّوريَّة، وهذا أقلُّ المطلوب منه، ومن الطَّبيعيِّ ألَّا يفرح الشَّريف أو لا يجاهر بفرحه مع المجرم بشَّار الأسد  ضدَّ أهله وجيرانه؛ من الطَّبيعي ألَّا يرقص بذكرى انتصارات المجرم بشَّار الأسد الوهميَّة الزَّائفة على شرفاء حلب؛ وأيُّ أبْلَهٍ هذا الَّذي يرقص على إيقاع عواصف الثَّلج على خيام أطفال جيرانه الشُّرفاء، الَّذين أجبرهم المجرم بشَّار وميليشياته الطَّائفيَّة على النُّزوح من حلب الشَّرقيَّة وحلب الغربيَّة؟! أيُّ معتوه ينتشي باحتفالات خلَّبيَّة بثَّها، وأعاد بثَّها من حلب تلفزيون المجرم بشَّار الأسد؟! من أيِّ طينة جُبِل هذا التَّافه؟! في الحقيقة لا يهمُّنا هذا المجرم ولا تهمُّنا طينة المستنقع الَّتي جُبل منها، ولكنَّنا نقولها للإنصاف والتَّاريخ: طينة هذا التَّافه تشبه إلى حدٍّ بعيد طينة المجرم بشَّار الأسد القذرة، بشَّار الَّذي وقف أجداده مع كلِّ غازٍ هاجم أهالي حلب الشُّرفاء؛ لذلك لا يمكننا أن نتخلَّص من رِبقة التَّاريخ في هذا المقال.

في حديثنا عن ذكرى مجزرة نهر قويق لا يمكننا أن نتجاهل تأثير الثِّقل التَّاريخيِّ ودوره في انقسام أهل حلب، وتمايز مواقفهم من مجزرة نهر قويق وتوزُّعهم إلى ضفَّتين؛ ضفَّة الأحرار والمظلومين والشُّرفاء، وضفَّة الرَّاقصين والرَّاقصات والمهرِّجين والمهرِّجات ممَّن وقفوا مع المجرم بشَّار الأسد، وفرحوا بانتصاراته الوهميَّة، مثلما وقف أجدادهم مع أجداد بشَّار الأسد مع كلِّ غازٍ دخل حلب من قبل؛ وقف أجداد بشَّار المجرم وأجداد المهرِّجين والرَّاقصين مع نارم سين (2254-2218 قبل الميلاد) ضدَّ جيرانهم في مملكة إيبلا في إدلب، وفتحوا أبواب المدينة للإسكندر المقدونيِّ والرُّومان والسَّلوقيِّين، والحمدانيِّين والبيزنطيِّين والزِّنكيِّين والفاطميِّين، وقفوا مع هولاكو 1260.م وتيمور لنك 1400.م، ولا شكَّ أنَّ أجداد الرَّاقصين مع المجرم بشَّار الأسد في انتصاراته رقصوا مع المغول والصَّليبيِّين والفرنسِّيين وأجداد بشَّار؛ وبإيجاز شديد يمكن القول: تليق العبوديَّة بهذه الطَّائفة من المهرِّجين والرَّاقصين، الَّذين لا مبدأ ولا موقف لهم، لقد حفظ هؤلاء مقولة أجدادهم: (اللِّي بيتزوَّج أمَّك ناديلو عمَّك)، وحافِظ على سعادتك ورقصتك، حتَّى وإن كان على الضِّفَّة الثَّانية لنهر قويق الَّذي ألقى فيه جنود المجرم بشَّار الأسد مجموعة كبيرة من الثَّائرين على حكمه وإجرامه؛ ألقاهم جنود بشَّار الأسد في نهر قويق بعدما كبَّلوا أيديهم على ضفَّة النَّهر، وأطلقوا رصاصة في رأس كلِّ واحد منهم، قبل إلقائهم في النَّهر؛ ليموت الثَّائر أكثر من موت واحد؛ موت الغرق في نهر قويق الَّذي أحبَّه، وموت الإعدام بالرَّصاص، وموت رقصة المهرِّجين على قبور الشُّهداء.

تأثَّر الثَّائرون بكلام الشُّعراء عن نهر قويق؛ فأحبُّوه، وأحبُّوا حلب، وتصَّدروا المشهد في طلب الحرِّيَّة لأهلها؛ فرقص المهرِّجون بفرحة النَّصر الوهميِّ على قبورهم، لقد تذكَّر الثَّائرون في مظاهراتهم قول البحتريِّ في وصف نهر قويق:

يا برقُ أسْفِرَ عن قويق فطرَّتي... حلبٌ فأعلى القصرِ من بطياسِ

أرضٌ إذا استوحشتُ ثم أتيتها... حشدتْ عليَّ فأكثرتْ إيناسي

ويبدو لي الصَّنوبريُّ غير بعيد عن استشراف مستقبل هذا النَّهر، حين راح يرثيه، ويقول:

قويقُ إذا شمَّ ريحَ الشِّتاء....  أظهرَ تيهاً وكِبْراً عجيباً

وناسبَ دجلة والنِّيل وال ....فراتَ بهاءً وحُسناً وطيباً

إذا أقبل الصَّيف أبصرتَه....  ذليلاً حقيراً حزيناً كئيباً

وإن كانت البيئة تؤثِّر في طباع أهلها؛ فلا شكَّ أنَّ مهرِّجي حلب قد أخذوا شيئاً من حقارة نهر قويق وذلِّه في الصّيِف، في الوقت الَّذي أخذ الأحرار وبعض الصَّامتين من قويق حزنًا على الشُّهداء وكآبة على مستقبل سوريا في ظلِّ عائلة الأسد المجرمة.

ومع ذلك يبدو لي أنَّ أبا العلاء المعرِّيِّ؛ شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشُّعراء يأبى إلَّا أن يغوص فيما وراء ظواهر الأشياء حين راح يقول في قويق:

 حلبٌ للورّادِ جنَّةُ عدنٍ.... وهْيَ للغادرينَ نارُ سعيرِ

والعظيمُ العظيم يكبر في عيـ ــنَيه قدرُ الصَّغير الصَّغيرِ

فقويقٌ في أنُفسِ القومِ بحرٌ.... وحصاةٌ منه نظيرُ ثبيرِ

نعم، ولا شكَّ أنَّ قطرة من ماء قويق المصبوغ بدماء الشُّهداء لدى الشُّرفاء أعظم من بحور العالم كلِّها؛ قويق المخضَّب بدماء الأحرار نهر لا يقسم حلب وحدَها إلى ضفَّتين، بل يقسم العالم كلَّه إلى عالم الأحرار وعالم الجبناء والمهرِّجين والمصفِّقين، قويق المصبوغ بدماء الشُّهداء على درب الحرِّيَّة الطَّويل نهر مجنون، يشبه نهر الجنون في مسرحيَّة توفيق الحكيم؛ ليبدو لنا أنَّ الغصن النَّاعم الَّذي شرب من ماء العبوديَّة في بطاقات بشَّار الأسد الذَّكيَّة صار مهرِّجاً يهذي ويرى أنَّ بشَّار الأسد وليَّ نعمته، والثَّورة عليه تمرُّد على حِكَمِ الأجداد ومواعظهم في استرضاء زوج الأمِّ ومناداته يا عمَّ! وقد نسي هذا المهرِّج المخنَّث قول الجواهريُّ:

سلام على نبعة الصَّامدين..... تعاصت على معول الكاسرِ

وليس على غُصُنٍ ناعمٍ ......  رشيقٍ يميلُ مع الهاصرِ

أمَّا الأحرار والشُّرفاء على الضِّفَّة الأخرى، وإن كانوا لا يفرحون، ولا يضحكون في هذه المواقف؛ فإنَّهم لا يضحكون الآن؛ لأنَّ إضحاك الشُّرفاء مهمَّة صعبة جدًّا ولا سيَّما في هذه الأوقات، ولكنَّهم-ودون أدنى شكّ-سيفرحون بالنَّصر والتَّحرير القادم؛ لأنَّهم-أوَّلًا-مؤمنون بحرّيَّتهم لا ببطاقات العبوديَّة لدى المجرم بشَّار الأسد، ولأنَّ كوميديا مهرِّجي حلب وتراجيديا السُّوريِّين المؤلمة عملت عملها الكافي في تطهير نفوس الشُّرفاء من كلِّ دنس وخطيئة، وبقي أن نشير إلى أنَّ كلَّ ما كُتب في هذا المقال يستثني الصَّامتين في سوريا عموماً وحلب تحديداً؛ لأنَّنا ندرك إجرام عائلة الأسد، ونأمل أن تلامس كلمات هذا المقال وجدان الصَّامتين أو وجدان بعضهم على أقلِّ تقدير.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات