موسكو تستقبل رئيسي وترسل لافرنتييف إلى الرياض ودمشق..هل حان وقت التنازلات؟

موسكو تستقبل رئيسي وترسل لافرنتييف إلى الرياض ودمشق..هل حان وقت التنازلات؟
لم يكن عادياً النشاط الروسي المحموم خلال الأيام الثلاثة الماضية فيما يتعلق بالملف السوري، حيث استقبلت موسكو مسؤولين في نظامي أسد وإيران، كما أرسلت (موفدها الخاص إلى سوريا الكسندر لافرنتييف)  للاجتماع بمسؤولين كبار في الرياض، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام الأسئلة حول طبيعة هذه التحركات وما يمكن أن يسفر عنها من نتائج.

النشاط بدأ مع زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى موسكو يوم الثلاثاء، وهي زيارة كان يمكن ألا يتوقف عندها المهتمون بالشأن السوري مطولاً لولا توجه لونا الشبل مستشارة بشار أسد بشكل مفاجئ إلى العاصمة الروسية في اليوم نفسه، ما جعل من "سوريا" قاسماً مشتركاً مهماً في التواصل القائم بين إيران وروسيا والسعودية.

لماذا الخوف على الحلف المقدس؟

اللافت هنا أن الشبل التي تخوض أول تجربة تمثيل سياسي رسمياً في هذه الزيارة، رددت بشكل يشبه الهوس التأكيد على "قدسية" العلاقة بين النظام وإيران، وقالت لدى وصولها إلى روسيا إن "إيران وقفت إلى جانبنا ولن نقابل ذلك بالغدر بل بالوفاء".

تصريحات أخرى مشابهة كررتها المستشارة، بعضها كان مدوناً على أوراق كانت تقرأ منها خلال إجابتها على الأسئلة، لكن جميعها كانت تشدد بمناسبة وبدون مناسبة، على عمق العلاقات ومتانتها بين دمشق وطهران، ما جعل الكثير من المراقبين يتوقعون أن هناك حديثاً ما في روسيا تحديداً هذه المرة، عن ضرورة تقديم النظامين تنازلات على هذا الصعيد، وهو ما يراوغ حياله الطرفان بطبيعة الحال.

ما يرجح هذه الهواجس، حسب البعض، حديث مماثل للمستشارة السياسية الأخرى لبشار أسد، بثينة شعبان، التي قالت مؤخراً إن "إيران كانت الدولة الأولى التي ساعدت سوريا وأرسلت إليها مستشاريها، وإن السوريين لن ينسوا مساعدة الإيرانيين".

كما وصفت شعبان علاقة نظامها مع طهران بأنها "أهم بكثير من علاقتها مع دول بعيدة" في إشارة، لا يمكن تجاوزها بسهولة، إلى روسيا بطبيعة الحال، فما الذي يجري وما هي المستجدات ؟

تجاوب إيران.

يرى المحلل السياسي درويش خليفة أن زيارة المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الرياض لم تكن لتتم لولا وجود شيء ما أبدت طهران استعدادها تقديمه للسعودية فيما يتعلق بنشاطاتها في المنطقة وتحديداً في سوريا.

ويقول في تصريح لـ"أورينت": زيارة  لافرنتييف إلى الرياض جاءت بالتزامن مع وجود الرئيس الإيراني في موسكو، ومع توجه مستشارة الأسد لونا الشبل لهناك أيضاً، ويجب أن نتوقف باهتمام عند تأكيد وكالة الأنباء السعودية لدى تغطيتها زيارة لافرنتييف إلى المملكة بأن مباحثاته تركزت على الشأن السوري.

خليفة يعتقد أن اللقاء الذي عقده لافرنتييف مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وبحضور مسؤولين أمنيينِ بارزين، هما رئيس الاستخبارات العامة خالد الحميدان، ومستشار الأمن الوطني مساعد العيبان "لم يكن ليحصل لولا أن موسكو لمست تجاوباً من زائرها الرئيس، يراعي هواجس السعودية إزاء سلوك بلده في الشرق الأوسط.

ويضيف: لكن الأهم بالنسبة لموسكو هو عودة نظام الأسد إلى الحاضنة العربية، وبأي وسيلة، حتى وإن اضطروا لتقديم تنازلات في مواضع محددة ومنها العلاقات الوطيدة بين دمشق وطهران، الملف الذي تحاول روسيا جاهدة إقناع الطرفين بتقديم تنازلات فيه، وهو ما يمكن تأكيده بعد وصول لافرنتييف دمشق ولقائه برئيس النظام وعدد من قياداته، من بينهم علي مملوك.

مطالب السعودية وتنازلات إيران

لكن ما هي المطالب التي تريدها السعودية في سوريا، وما هي بالمقابل التنازلات التي يمكن أن تقدمها إيران ونظام أسد من جهة أخرى، لإقناع المملكة بتخفيف تصلبها إزاء الطرفين، في ضوء التصعيد والتشدد الذي يبديه كل منهما ؟ 

فقد سبق تصريحات مستشارتَي بشار أسد حول التحالف غير القابل بالمساس مع إيران موقف سعودي لا يقل تشدداً تجاه النظام في دمشق، والذي عبرّ عنه مندوبها لدى الأمم المتحدة منتصف كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢١، في الجلسة المخصصة لمناقشة حقوق الإنسان في بعض دول العالم، حين ردد "لا تصدقوهم" محملاً النظام المسؤولية المباشرة والصريحة عن كل ما حل بسوريا، ووصف رئيس هذا النظام بـ"الزعيم الذي يقف على الجماجم والأشلاء والركام ليعلن نصره".

سبق ذلك بأسابيع قليلة فقط حديث وزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان، نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي لقناة CNBC الأمريكية، حين أكد أن لا نية لدى السعودية بالتعامل مع بشار الأسد، وإنَّ هناك حاجة لعملية سياسية حقيقية في سوريا، تؤدي إلى تطبيق القرارات الدولية التي تنص على تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات.

يرجح الكاتب باسل معرواي أن يكون الرئيس الإيراني قد قدم في موسكو ما رأت روسيا أنه يمكن أن يشجع السعودية على التخفيف من حدة موقفها تجاه إعادة دمج نظام أسد في المحيط العربي، وهي الخطوة التي تعتبر بوابة العودة لهذا النظام.

ويقول في حديث لـ"أورينت نت": لا بد من النظر بعناية إلى الترابط بين الملف السوري وبقية الملفات، ومع وجود توقع كبير لحصول اتفاق حول نووي إيران في فيينا، وبالتالي وصول مليارات للنظام الإيراني الذي بأمسّ الحاجة لتثبيت الصراعات في المنطقة وعمل هدنة تسمح له بالالتفات إلى الداخل، لأن العقوبات الأمريكية لم تضر فقط بالمؤسسات  الاقتصادية الإيرانية بل دمرتها تقريباً، وهي بحاجة إلى إعادة هيكلة، ما يتطلب راحة بالخارج مع عدم المساس بمكتسبات إيران ولكن دون العمل على تمدد إضافي أيضاً.

وعليه، يرى معراوي أن إيران تريد أن تضمن عدم تحقيق السعودية مكاسب إضافية في المنطقة على حسابها في حال تفرغها للداخل، بعد الخسائر التي منيت بها طهران في العراق "سياسياً" وفي اليمن "عسكرياً" وكذلك في لبنان الذي بات شبه مشلول.

ويضيف: أما في سوريا، فإن الوضع أكثر هشاشة بالنسبة للحليفين، إيران والأسد، وهما بحاجة للتهدئة وللمال، ولذلك هناك ضغط على أمريكا لـ"أنسنة" قانون قيصر وغض نظر عن المساعدات التي تمنع على الأقل الانفجار حتى داخل حاضنة النظام بسبب الأوضاع المعيشية والاقتصادية، مقابل تخفيف إيران من وجودها العسكري في سوريا إلى الحد الأدنى، أو سحبه والاكتفاء بالوجود المدني، كما تطالب السعودية وكثير من دول المنطقة، على أن يضمن الروس عدم إنتاج العملية السياسية. في حال حصلت، نظاماً معادياً لإيران في سوريا.

إذا كانت التقديرات متباينة ووجهات النظر مختلفة حول ما يمكن أن تكون دوافع وأهداف هذه الزيارات المتزامنة إلى روسيا ولمندوبها لافرنتييف لدمشق والرياض، فإن ما يجمع عليه الكثيرون أمرين: الأول أن هذا النشاط لم يكن ليتم لولا وجود تطور مهم يدفع إلى ذلك، والثاني أن لا قيمة لتصريحات مسؤولي نظام أسد ومواقفه، طالما أنه سيرضخ ويسلم بسهولة لأي اتفاق يمكن أن يصل إليه حلفاؤه مع الآخرين، بما فيهم السعودية.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات