(لذة الرؤيا) لمحمد طه عثمان: أدب الثورة السورية في مرآة النقد المُمتنع

(لذة الرؤيا) لمحمد طه عثمان: أدب الثورة السورية في مرآة النقد المُمتنع
 مازالت الكتابات النقدية عن الأدب الذي أنتجته الثورة السورية أو الأدب الذي ولد خلال عقد كامل من عمر هذه الثورة وما حملته من متغيرات هائلة شكلت حداً فاصلا بين زمنين، ما زالت خجولة ومترددة، يعوزها الكثير من الاهتمام والإيمان بضرورة مراجعة ما أنتج، بغض النظر عن أهميته. وهذا أمر قد يكون مفهوماً في ظل تراجع الصحافة الأدبية التي كانت على الدوام هي الحاضنة لمثل هذه الكتابات النقدية، ناهيك عن الشكوى المزمنة من تراجع النقد عموماً، وصعوبة امتلاك العديد من العاملين في مجال الكتابة الصحفية لأدوات النقد الأدبي ومهاراته.

متغيرات الأدب ومتغيرات الثورات والحروب

ولعل كتاب الشاعر والناقد محمد طه عثمان : (لذة الرؤيا: المكونات السردية بين التوظيف والإيحاء) ورغم أنه صادر منذ سنوات إلا أنه يثير العديد من الأسئلة المتصلة في هذا السياق.. وخصوصا أنه يشير في السطور الأولى من توطئته  إلى أنه: "مازال الخطاب النقدي يحاول أن يستوعب المتغيرات السريعة التي يحفل بها عالم الأدب"، دون أن يتطرق إلى متغيرات الحياة العربية على الصعيد الاجتماعي والسياسي التي ترتبط وتؤثر تلك المتغيرات بها دون شك، مثلما كانت الحربان العالمية الأولى والثانية على سبيل المثال مسرحاً للعديد من المتغيرات التي طالت مختلف الآداب والفنون في أوروبا على سبيل المثال.. لكن العثمان في الوقت نفسه يقول  إنه أراد في هذه الدراسة: "أن نقدم تجلياً جديداً يبرز أهمية أي عمل روائي ندرسه بعد أن ندخل إلى مكوناته الداخلية وليس الخارجية وحسب، فنقوم بامتصاصها وتفجير طاقاتها، لنعرف كيف قدر هذا النص على تحويل أي رؤيا بسيطة إن كانت مجتمعية أو شعبية أو تاريخية إلى رؤيا خلاقة"  كما يشير إلى أن اهتمامه انصبّ "على هذا المنحى المتنوع في البحث عن الموحي والمؤثر في توجيه الدفة السردية للرواية العربية عند جيل الرواد ثم الجيل المعاصر، فحاولنا المشاكلة بهذه الدراسة بين كتاب من مختلف الأجيال والأمصار، والتحدث عن جوانب مازالت غير واضحة للقارئ العربي، من حيث قلة الدراسات التي عالجت إيحاء هذه المؤثرات بالذات". 

روابط مفقودة

لا يقتصر الكتاب على تناول روايات لها علاقة بواقع الحياة في ظل الثورة السورية أو "المحرقة والحرب السورية" كما يسميها، بل يتناول روايات أخرى قديمة مثل رواية (عرس الزين) للروائي السوداني الراحل الطيب صالح الصادرة عام (1969) و(مدينة الرياح) للروائي الموريتاني موسى ولد ابنو الصادرة عام (1996)، وأخرى حديثة نسبياً مثل (شوق الدراويش)  للسوداني حمور زيادة (2014) و(كاماراد) للجزائري الصدّيق حاج أحمد (2015)، أما في الحالة السورية فيتناول روايتي (حقول الذرة) لسومر شحادة (2016) و(الموت عمل شاق) لخالد خليفة وهي صادرة أيضاً عام (2016). 

وبينما يركز محمد طه عثمان على الأثر الجمالي لتوظيف الطقوس والعادات والأساطير الشعبية في روايات: (عرس الزين / كامادار / مدينة الرياح) وعلى أثر التوظيف التاريخي في بنية العمل الروائي في رواية (شوق الدراويش) فإنه يذهب إلى تأمل مؤثرات الحياة الراهنة في هيكلية نمو العمل الروائي في الروايتين السوريتين: (حقول الذرة / الموت عمل شاق). ومن الواضح أنه لا رابط في المجال الموضوعي العام على الأقل بين الروايتين السوريتين وواقع الحرب هنا، وبين توظيف الطقوس والعادات والأساطير الشعبية والبعد التاريخي في الروايات العربية الأخرى.. ولا يكفي العنوان التوضيحي الذي وضعه مؤلف الكتاب: "المكونات السردية بين التوظيف والإيحاء" لخلق روابط بين الروايات موضوع الدراسة في هذا الكتاب... إذ لا توجد مكونات سردية في أية رواية مهما كان موضوعها، ليس لها توظيف أو إيحاء. فكل المكونات السردية تهدف لإيصال رسالة والإيحاء بفكرة هي أبعد من رواية أحداث النص وبناء أو وصف شخصياته، وإلا لما كان هناك رواية بالأساس.. بل سنكون أمام حكاية مسلّية بسيطة تقول لك رسالتها على شكل حكمة أو موعظة في نهاية الحكاية. 

وإذا كنت أؤمن أنه يمكن جمع التوظيف التاريخي مع توظيف الطقوس والأساطير الشعبية في نسق نقدي واحد، باعتبار أن كليهما مؤثرات الزمن الماضي وسياقه الممتد، وإن تباينت طبيعة تحليل كل منهما، إلا أنه يصعب برأيي حشر روايات الواقع السوري في سياق كتاب واحد، لأن سياق الواقع يعتمد الراهن المشتعل، لا الماضي المنجز أو المستقر.. وهذا ما يعطي انطباعاً أن الكتاب لا يقوم على رؤية نقدية مؤسِسة (بكسر السين) لاختيار نماذج الروايات التي يدرسها، رغم كل الجهد الذي بذله المؤلف لتبريرها وبلورتها في عنوان التوطئة.. بل هو أقرب ما يكون لتجميع مقالات نقدية، أراد مؤلفها أن يصوغ هدفا نظرياً لجمعها في كتاب واحد. 

محاولة لافتة للنظر

لكن هذا العيب لا يلغي أهمية الدراسات التي يضمها الكتاب في النهاية.. فما يكتبه عن الروايتين السوريتين يبقى حافلا بملاحظات تحليلية مهمة، وإن كانت تسير على هدى استعادة أحداث الرواية بشكل رؤيوي.. أي ربط الأحداث بدلالتها، وتشكيل الرؤية العامة للرواية من خلال سرد وتأويل أحداثها. لكن هذه المحاولة التي نتجت – على ما أظن -  عن سعي محمد طه العثمان للهرب مما يقول عنه في التوطئة: "فدراسة المكونات الخارجية من مثل السرد والزمان والمكان وتحليل الشخصيات وأفعالها، جعل الدراسات الروائية تقع في النمطية والتكرار"، لم تنتج بالمقابل نسقاً نقديا متكاملا بل بقيت محاولة تطغى عليها حكائية سرد الأحداث، مع إطلاق أحكام عامة لا تخلو من تناقض وإبهام من قبيل:

" في الحالة السورية كانت المآلات غير متوقعة، وهذا ما سنلاحظه في دراستنا في هذا الجزء، حين يحاول أن يمتص الحدث السردي سلبيات الواقع كلها، ويقولها بطريقة تُنبه القرّاء إلى ضرورة تفادي هذه المشكلات من خلال تبني قضايا اجتماعية أو مصيرية، حتى تتحول المقولة إلى توحد مع المأساة وتبنٍ لها ثم الانصهار فيها ". ص (17). أو حديثه عن التصاق الكتاب ببيئتهم وتشبيههم بنجيب محفوظ وحنّا مينه، وهو من أساسيات رصد وقائع ومجريات أي حرب أو ثورة بالغة الأثر في حياة أبنائها وتأثيرها على مصائرهم كالثورة السورية أو غيرها. 

ولهذا يمكن القول… إن دراسة المؤلف في القسمين التاليين هي أعمق وأهم مما قدمه عن الروايتين السوريتين.. لأن الهدف الذي يسعى إليه أكثر وضوحاً على صعيد الرؤية والأداء النقدي معاً.. لكن يبقى أن هذا الكتاب يلفت النظر إلى إشكالية النقد الممتنع عن ممارسة دوره حيال الراهن الأدبي، وإلى أهمية التعمق في أدب الثورة أو الحرب السورية، والعمل على دراسته نقدياً بشكل مخلص ومركّز، وقادر على فهم العلاقة بين الواقع الذي نحياه كشهود على هذه المرحلة والأدب الذي يكتب عنها.   

التعليقات (1)

    عماد الدين زنكي

    ·منذ سنتين 3 أشهر
    بالتوفيق لكما، تاريخ الثورة لا يموت بوجود أصحاب الأقلام البيضاء المجاهدة.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات