بايدن يتحدى الكونغرس: استثناء خط الغاز "العربي" لإرضاء إيران وروسيا!

بايدن يتحدى الكونغرس: استثناء خط الغاز "العربي" لإرضاء إيران وروسيا!
لم تمض سوى أيام قليلة على توجيه مجموعة أعضاء من مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين رسالة إلى الرئيس جو بايدن، تتضمن الاحتجاج على التراخي حيال العقوبات المفروضة على نظام أسد، والمطالبة بالتشدد في تطبيقها، حتى أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، منح ما بات يُعرف بمشروع خط الغاز العربي، استثناء من العقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر.

وسلمت السفيرة الأمريكية لدى لبنان دوروتي شيا، يوم الجمعة، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، كتاباً رسمياً من وزارة الخزانة الأمريكية ينص على استثناء المشروع من العقوبات، ويشجع على تنفيذه.

وقالت شيا: إن الكتاب يجيب عن بعض الهواجس التي كانت لدى السلطات اللبنانية في ما يتعلق باتفاقيات الطاقة الإقليمية التي ساعدت الولايات المتحدة في تسهيلها وتشجيعها بين لبنان والأردن ومصر.

وأضافت: لن يكون هناك أي مخاوف من قانون العقوبات الأمريكية، وهذه الرسالة التي تم تسليمها تمثل زخماً إلى الأمام وحدثاً رئيسياً في الوقت الذي نواصل فيه إحراز تقدم لتحقيق طاقة أكثر استدامة ونظافة للمساعدة في معالجة أزمة الطاقة التي يعانيها الشعب اللبناني.

دلالات التوقيت

قرار لم يفاجئ إلا القليلين ممن لا يزالون يرون أن الإدارة الديمقراطية الحالية مختلفة عن إدارة الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، بينما يؤكد بايدن وفريقه كل يوم أنهم ليسوا سوى امتداداً لأوباما وإدارته، حتى في أدق التفاصيل، على الأقل بما يخص تعاطيها مع ملفات الشرق الأوسط، وتحديداً ملفي سوريا وإيران.

وفي البحث عن دلالات توقيت الإعلان عن هذا الاستثناء، تبرز العديد من الوقائع التي تفرض نفسها كعوامل مؤثرة في النظر إلى هذا القرار على أنه جزء من صفقة أكبر، أو رعبوناً أمريكياً بين يدي صفقة تقترب من الاتفاق عليها مع إيران أو روسيا، الدولتين اللتين تجمعهما مفاوضات منفصلة مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة.

ففي العاصمة النمساوية فيينا، تجتمع وفود دول الخمسة زائد واحد والوفد القادم من طهران، على أمل التوصل إلى اتفاق جديد حول الملف النووي الإيراني. ورغم أن المؤشرات متضاربة، إلا أن توقعات المراقبين ترجح الوصول قريباً إلى صفقة تحيي الاتفاق الذي وقعه أوباما مع ايران عام ٢٠١٥، وكان الملف السوري من جملة الحوافز التي قدمها الرئيس الأمريكي الأسبق لطهران من أجل انتزاع موافقتها في ذلك الحين، حيث كشف أحد مساعدي أوباما بعد ذلك بفترة قصيرة، أن رئيسه طلب ألا يسمع بعد توقيع ذلك الاتفاق أي شيء عن سوريا!

مفاوضات النووي

الربط إذاً بين هذا التنازل الأمريكي الفاضح في ملف العقوبات المفروضة على نظام أسد، وبين المفاوضات النووية مع إيران تبدو معطياته قوية، بالنظر إلى أن واشنطن وطهران سبق وأن تعاملتا مع المسألة السورية كجزء من ملف إيران الشامل في الشرق الأوسط.

ويشجع أصحاب هذا التوجه تصريحات وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، يوم الجمعة، التي أكد فيها "أن الأجواء في مفاوضات فيينا باتت أفضل"، متوقعاً التوصل لاتفاق بشأن نووي إيران قريباً.

بل إن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كان متحمساً جداً، وأعرب عن تفاؤله الكبير بإنجاز هذا الاتفاق خلال أيام.

وقال: أنا متفائل لأن هناك تقدّماً حقيقياً ورغبة كبيرة بين إيران والولايات المتحدة في فهم المخاوف الملموسة.. إنّهم يحرزون تقدماً جيداً في الوقت الحالي. أطرق على الخشب. نعتقد أنّهم سيتوصلون إلى اتفاق".

تقدم ما كان ليحصل بالطبع لولا تقديم كل طرف تنازلات محفزة، وبالنسبة لإيران فإن تخفيف الضغوط على بشار أسد ونظامه يعتبر أمراً شديد الأهمية، حسب المراقبين، الذين يربطون بين هذه الخطوة وبين تكثيف الوفود الاقتصادية الإيرانية زياراتها إلى سوريا مؤخراً.

لكن عمار جلّو، وهو محلل مختص بالشأن الإيراني، يعتقد أن طهران هي من تقدم التنازلات في مفاوضات فينا حالياً، ويضع هذا الاستثناء الأمريكي في إطار مشروع التطبيع العربي مع النظام الذي تقوده بعض الدول.

ويقول في تعليقه على هذا الموضوع لـ"أورينت نت": السؤال هو هل الاستثناء الوارد في الرسالة الأمريكية هو للبنان والأردن أم لسوريا، خاصة أنه لدينا تجربة سابقة مشابهة مع سماح الولايات المتحدة للعراق بتحويل أموال لإيران ثمناً للكهرباء، وهو استثناء للعراق وليس لإيران.

ويضيف جلّو: مع تشابه الحالتين يمكن قراءة الاستثناء كجزء من اللاورقة الأردنية، وعلى سبيل تقديم محفزات للنظام في إطار سياسة "الخطوة مقابل خطوة" مقابل تقديمه تنازلات باتجاه الحل السياسي.

صفقة روسية-أمريكية

وفي فيينا أيضاً تستمر المفاوضات الروسية مع أوروبا والولايات المتحدة، على وقع طبول حرب تدق في شرق القارة العجوز، مع التصعيد العسكري المتواصل من قبل موسكو على الحدود الأوكرانية، والتشدد الغربي المستمر تجاه مطالب روسيا التي تسميها "الضمانات الأمنية."

وعليه، لا يستبعد الكثيرون أن يقدم البيت الأبيض هذا الاستثناء هدية للروس كبادرة تحفيزية، خاصة وأن موسكو تلح وتكاد تستجدي رفع العقوبات عن حليفها نظام أسد، أو على الأقل تخفيفها، من أجل السماح بتدفق أموال المساعدات وإعادة الاعمار التي يسيل لعاب شركات بوتين ورجال أعماله لها.

أمر يؤكد عليه الخبير في الشؤون الروسية محمود الحمزة، الذي يضع هذه الخطوة الأمريكية في إطار توافقات مع روسيا بدأت مع اجتماع الرئيسين بايدن وبوتين في حزيران 2021 وأفضت إلى موافقة موسكو على استمرار تدفق المساعدات الإنسانية إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في سوريا، ولكن من معبر واحد بدل معبرين.

ويضيف لـ"أورينت نت" من الواضح أن هناك صفقة شاملة بين الطرفين حول سوريا كجزء من السعي لتفاهمات بينهما، تشمل التخفيف التدريجي للعقوبات على النظام، وعلى هامش هذه الصفقة تحاول الدول العربية اللعب تحت عنوان إبعاد النظام عن إيران أو شعارات إنسانية تجري المتاجرة بها من أجل تحقيق أهداف سياسية سيتبين أن أكثرها متوهم.

بايدن يتحدى الكونغرس والشيوخ

لكن وبغض النظر عن الاتجاه الخارجي الذي يصب فيه هذا الاستثناء الأمريكي، فإن المخاوف تتزايد من أن يكون مقدمة لسلسلة تنازلات من جانب إدارة بايدن على هذا الصعيد.

أمر لا يستبعده مراقبو السياسيات الأمريكية بالنظر إلى تركيبة هذه الإدارة وطبيعة توجهاتها، لكن بعضهم يتوقع ألا يكون هذا سهلاً، خاصة إذا ما أفضت نتائج انتخابات التجديد النصفي القادمة إلى سيطرة الجمهوريين على غرفتي البرلمان.

ولذلك، يرى الإعلامي والسياسي السوري المقيم في الولايات المتحدة أيمن عبد النور "أن الاستثناء جاء وفق الصلاحيات الممنوحة في قوانين العقوبات ذاتها للرئيس الأمريكي، بسبب وجود حركة مقاومة قوية داخل الكونغرس ومجلس الشيوخ تمنع تمرير هذا الاستثناء من قبلهما".

ويقول في تصريح لـ"أورينت": أعتقد أن مجلس النواب والشيوخ سيعترضان على هذا القرار، وإذا ما أفضت انتخابات التجديد التي ستجري في تشرين الثاني 2022 إلى عودة سيطرة الجمهوريين، كما هو متوقع، على البرلمان، فسيكون بالإمكان مع قليل من الدعم الديمقراطي إلغاء هذه الاستثناءات، الأمر الذي يقلق مصر والأردن ولبنان منذ الآن.

يتوقع المراقبون أن تبرر إدارة بايدن خطوتها الأخيرة هذه والتي مهدت لها طيلة عام، بأهداف إنسانية، بينما يسود إجماع على أن هذه الإدارة تستأنف سياسات سلفها زمن أوباما، في توظيف الملف السوري كملف مياومة في بازار المفاوضات السياسية مع إيران وروسيا.

التعليقات (1)

    زيارات

    ·منذ سنتين 3 أشهر
    طحنون وعبدالله جابت نتائج حلوة مسيرات حوثية
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات