كاتب تقارير بمرتبة وزير!

كاتب تقارير بمرتبة وزير!
بتاريخ الرابع من شهر كانون الثاني من هذا العام، بثت قناة سورية الفضائية ضمن برنامج خمسون دقيقة، لقاء مع "محمد حسان قطنا" وزير الزراعة والإصلاح الزراعي في ألعوبة نظام بشار الأسد التي تسمى زوراً وبهتاناً حكومة الجمهورية العربية السورية. وقد ساق الوزير الألعوبة كماً هائلاً من الأكاذيب عن الواقع الزراعي السوري بعد ما سماه الانتصار الكبير على المؤامرة الكونية التي تعرضت لها سورية. وبطبيعة الحال فقد أصبح الشعب السوري معارضة وموالاة يعرف حجم الكذب الذي يبثه رجالات النظام فيما يتعلق بالموضوع الاقتصادي، وقد بات الشعب السوري يعرف أيضاً بأن ما يقوله أي وزير في حكومة النظام على وسائل الإعلام ما هو سوى أوامر يتلقاها هذا الوزير من أصغر صف ضابط في القصر الجمهوري.

 ولكن هذا الوزير قد ردد كذبة أن الواقع الزراعي قبل الثورة كان ينعم بالاستقرار والنمو والازدهار، ليوهم العالم بأن الثورة السورية العظيمة التي انطلقت شرارتها في منتصف آذار من عام 2011 هي المسؤولة بشكل مباشرة عن تدهور حالة هذا القطاع، إضافة لما سماه هذا الوزير بالإجراءات أحادية الجانب التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية بما يسمى العقوبات الاقتصادية على نظام بشار الأسد بسبب قمعه الوحشي للشعب السوري، ولك أيها القارئ الكريم أن تغشى من الضحك على كلمة ((أحادية الجانب)) التي يريد منها النظام أن يوحي بأنه لم يتخذ نفس الإجراءات باتجاه حكومة الولايات الأمريكية المتحدة ويعاقبها اقتصادياً كما عاقبته.

وبحقيقة الأمر بأن هذه الأكذوبة حول نهوض القطاع الزراعي قبل الثورة، والتي ساقها وزير الزراعة والإصلاح الزراعي "محمد حسان قطنا" ليست أوامر أمنية فقط، ولكنها من إنجازات هذا الوزير بعينه، أي أنه مسؤول عن ترويجها بشكل مباشر وذلك منذ أن تكللت جهوده المتفانية بكتابة التقارير الأمنية بحق زملائه العاملين بوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لا سيما المدراء منهم، فترقى نتيجة ذلك منصب مدير الإحصاء الزراعي منذ عام 2004 ولغاية عام 2011، حيث بدأ بزيادة وقوننة تزوير الرقم الإحصائي الزراعي، وذلك بعد أن أطاح بنظام الحصول على الرقم الإحصائي الصحيح الذي يعتمد البدء من القاعدة إلى القمة أي من الوحدة الإرشادية في القرية وصولاً للوزارة، هذا النظام الذي عمل عليه مدراء الإحصاء الزراعي سابقين من أمثال الدكتور المرحوم ناهي الشيباني والمهندس عرفان علوش والدكتور شباب ناصر الذي أطاح به هذا الوزير قبل أن يستوزر، ضارباً بعرض الحائط الأموال التي تكبدتها وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي في سبيل حصوله على شهادة الدكتوراه في الإحصاء الزراعي. 

وبالطبع فإن تزوير الرقم الإحصائي الزراعي الذي مارسه محمد حسان قطنا كان يصب في صالح بربوغندا نظام بشار الأسد الذي تسعى لتثبيت بأن هذا الرئيس الشاب الذي خلف والده حافظ الأسد بتوريث غير شرعي، يعمل على النهوض بالاقتصاد الوطني ويحقق نسب نمو اقتصادي لم تعرفه سورية من قبل. 

وكمثال بسيط على التزوير بالرقم الإحصائي الزراعي سأسلط الضوء على ما جاء في المجموعة الإحصائية التي كان محمد حسان قطنا مسؤولا عن إعدادها ونشرها. فقد ذكرت المجموعة الإحصائية بأن مساحة الأراضي المروية بطرق الري الحديث كانت في عام 2006 /235943/ هكتاراً، ووصلت في عام 2011 إلى /313765/ هكتاراً، أي أن نسبة النمو في الأراضي المروية رياً حديثاً بلغت /32.98/ %، مع العلم بأن القاصي والداني يعلم بأن مشروع التحول للري الحديث الذي أطلقته وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي قد باء بالفشل نتيجة الفساد الذي استشرى في لجان التحول للري الحديث، إضافة للبيروقراطية في تحديد الأراضي الصالح للتحول للري الحديث. وتتابع المجموعة الإحصائية كذبها، حين تذكر بأن مساحة الأراضي الزراعي المروية بطرق الري الحديث قد بلغت في عام 2015 / 278282/ هكتار أي أن مساحة تلك الأراضي قد انخفضت مقارنة بعام 2011 ما نسبته /-11.30 /% فقط، مع العلم بأنه منذ عام 2011 ولغاية عام 2015 قامت قوات بشار الأسد الجوية والبرية بتدمير أكثر من 70 -80 % من مشاريع الري الحديث في مختلف المناطق السورية التي ثارت على سلطته.

وقد يقول أحدهم لا زالت دماغه مغسولة بإعلام النظام المجرم: بأن التلاعب بالرقم الإحصائي الزراعي لا يشكل هذا الضرر الكبير، أو قد يقول آخر: بأن وزير الزراعة لم يكذب عندما قال بأن الاقتصاد السوري كان بحالة ازدهار قبل ثورتكم. فسأرد عليه بما يلي:

إن التلاعب في  الرقم الإحصائي الزراعي في بلد يصنف على أنه بلد زراعي، يعتبر كارثة اقتصادية لأن كافة المؤشرات الاقتصادية ستكون مغلوطة لأنها تعتمد على رقم إحصائي مغلوط. أما بالنسبة لأكذوبة أن الاقتصاد السوري قبل الثورة العظيمة كان مزدهراً فسأحيل من يقول ذلك لأمرين، الأول حالة الرعب والهذيان الاقتصادي والإعلامي عندما قادت فرنسا حملة مقاطعة بشار الأسد اقتصادياً بعد جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري، وحيث تثبت هذه الحالة بأن الاقتصاد السوري كان اقتصاداً هشاً لا يحتمل مثل تلك الحملة. والأمر الثاني تقرير الخبير الاقتصادي السوري عارف دليلة الذي نشرته صحيفة الحوار المتمدن في عددها 917 تاريخ 06/08/2004، والذي دفع الدكتور عارف دليلة عشر سنوات من عمره في السجن ثمناً لهذا التقرير، والذي سأقتبس منه بعض الفقرات دون أن أعلق عليها لأنها كافية ووافية لشرح واقع الاقتصاد السوري:

- عندما ندمر أهم مقومات البيئة الحيوية في سورية خلال عشر سنوات، ونستنزف الثروات الباطنية غير المتجددة من نفط وماء، ونهدرها بوحشية، لا يمكن أن يفعل هذا الفعل إلا عدو.

- يتحدثون عن الانتقال إلى اقتصاد السوق، لكن سورية لها منهج خاص مميز في الانتقال إلى اقتصاد السوق، أسميه اقتصاد السوق الأوامري، ليس فقط نظام التخطيط الذي اتبعناه كان نظاماً أوامرياً، بل إنهم ينتقلون إلى اقتصاد السوق بطريقة أوامرية. أي يفصّلون المصالح التي تتشكّل في هذا الانتقال على قياسات أشخاص محددين مسبقاً.

- لذلك ممنوع في سورية إجراء دراسات تكشف الواقع الحقيقي الاقتصادي والاجتماعي، ممنوع إجراء دراسات عن الفقر، ممنوع معرفة البطالة الحقيقية، ممنوع معرفة لماذا يتدفق الناس طلباً للهجرة، ممنوع معرفة كيف يتطور المستوى الغذائي للسكان والمستوى الصحي وكيف يتطور تلبية الحاجات الأساسية من مسكن وملبس وغذاء وصحة وتعليم، وممنوع معرفة كيف يتطور الواقع الاقتصادي والاجتماعي حقيقة على الأرض في سورية.

- ولا أعتقد أن هناك بلداً وصل إلى هذه الدرجة من التسيّب.

- أن سورية دولةً وشعباً، اقتصاداً وإدارةً، علماً وأخلاقاً، قد دفعت غالياً ثمن النهج الفوقي والانتقائي في تشكيل وفرز طبقة الحاكمين من الأعلى التي لا ترتبط بشيء ولا تحتكم في شيء إلا طبقة المحكومين.

وأخيراً لا بد من القول بأن وزير الزراعة محمد حسان قطنا هو نموذج لهؤلاء كتبة التقارير الأمنية الذين وبغفلة من السوريين الأصلاء أصبحوا وزراء ومدراء وقادة منظمات، في بلد ضاع منذ أن سيطر عليه هؤلاء المجرمون القتلة. وفي هذا الصدد أستذكر بيتين من الشعر للشاعر السوري فاضل أصفر حيث يقول:

لأن الخيـل قلَّـت، تحـــلَّت حميرُ الحّيِ بالسّرج الأنيقِ.

إذا ظهرَ الحمارُ بزيِ خيلٍ تكشَّف أمـرهُ عنــد النَّهيـقِ.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات