فيلم (حرب خاصة): ماري كالفن الصحفية التي قتلها الأسد وخلدتها السينما

فيلم (حرب خاصة): ماري كالفن الصحفية التي قتلها الأسد وخلدتها السينما
فيلم (حرب خاصة) عن المراسلة الحربية الأمريكية ماري كالفن، المراسلة التي قتلها نظام الأسد في مدينة حمص في شباط من عام 2012 مع المصور الفرنسي ريمي أوشليك أثناء وجودها في حي باب عمرو الحمصي المشتعل بالاحتجاجات وأحلام الثورة.. يبقى – رغم مرور ثلاث سنوات على إنتاجه - من الأفلام المهمة عن القضية السورية وإن انطلق من حرب كالفن الخاصة على الصعيد الذاتي والنفسي.

 تظهر هذه القصة الحقيقية والوعرة، المخاطر والتضحيات العميقة التي يجب على الصحفيين تقديمها لإعطاء صوتهم لأولئك الذين مُزقت حياتهم ودُمرت أحلامهم، في البلدان التي أنهكتها الديكتاتورية وأنظمة البطش والاستبداد، قصة قوية لامرأة معقدة وغير كاملة لن يوقفها أي شيء في سبيل نصرة قضية الحرية التي آمنت بها.

فيلم (حرب خاصة) مقتبس بالأساس عن مقال يحمل عنوان: "حرب ماري كالفن الخاصة"، نشر في (فانتي فير)، وهو يشكل المدخل والنتيجة الأولى لفيلم روائي طويل لماثيوه هانيمان. هذا الفيلم هو نظرة لا هوادة فيها للغوص في الحقائق القاسية التي تواجه مراسلي الحرب، إذ يطلق هانيمان طلقات سينمائية سديدة في حرب سينمائية هي خاصة بالنسبة له أيضاً، حين يصمم على تصويره المفجع لسيرة امرأة شديدة التعقيد وقوية العزيمة ممتلئة بالعناد والإصرار.

كانت ماري كالفن واحدة من أشهر الصحفيين، تعمل في صحيفة (صاندي تايمز)، وقد زارت أخطر مناطق الحرب في العالم لنقل صوت من لا أذن تسمع أصواتهم، فقدت كالفين عينها اليسرى في انفجار  أصابها خلال تغطيتها للحرب المشتعلة هناك، ما تطلب منها ارتداء رقعة عينها السوداء الشهيرة لبقية حياتها، الشيء الذي أفقدها زوجها واستقرار حياتها بعد ذلك الانفجار. ليس هناك شك أنها دفعت ثمناً باهظاً بخضوعها المتكرر لأهوال الحروب، المرأة التي نشأت وتربت وترعرعت في أرقى الدول وأشدها تقدماً وحداثةً تتحول لمريضة نفسية، روائح البارود وأشلاء جثث القتلى تشتعل حرباً في رأسها، يتبعه اللجوء للتدخين الشديد والكحول والجنس العابر ومواد مخدرة أخرى، هنا حرب تنال أيضاً من الذين يقودهم ضميرهم الحي كي يوصلوا أصوات ضحايا الحروب المهملين، حرب لا تسلم منها كالفين شخصياً.. فتلجأ لمراجعة العيادات النفسية وتناول الأدوية وتدخل المستشفى عدة المرات، هذا الذي يؤدي بالضرورة إلى ما بعد الصدمة وضرورة العلاج منه ومحاربة الشياطين التي تظهر وتتراقص على جثث القتلى في بلدان تمزقها الحروب.

بالنسبة لي، كان تصويراً صادقاً ومنفذاً بصلابة لماثيو هاينمان. ومع ذلك تنبع نجومية الفيلم من الأداء المذهل للممثلة: Rsoamund pike. أستطيع أن أعتبر (بايك) أحد أكثر الممثلين، الذين يجب تقديرهم فنياً ودراميا. أداؤها أكثر من مدهش، حملت الفيلم على كتفيها، والمستغرب عدم فوزها بجائزة عن دورها القيادي المذهل.

الآن، حتى لو سرقت Rosamund pike، العرض هنا، هذا لا يعني خفوت نجومية الآخرين. (جيمي دورنان) هو مصور رائع يلعب دور المصورPaul conory  الذي عمل بشكل وثيق مع ماري كالفين. Stanleytucci يضيف شيئاً جديداً، يلعب دور المهتم رومانسياً وعاطفياً بحياة ماري كالفين. لكن (توم هولاندر) هو من يرتبط بأداء مثالي مع (بايك)، يلعب (هولاندر) دور رئيس ماري بالعمل، الذي يحارب بخوف حقيقي على سلامة ماري ويبقى مهتماً بالحاجة إلى بيع الصحف.

 بشكل عام تنهي أو ينهي القدر المفجع حياة ماري كالفين في حمص  عبر بصمات إجرامية واضحة للنظام السوري. في أنفاق وأبنية مدمرة تجري أحداث تغطيتها لثورة شعبية ضد نظام يعتبر أسوأ ما واجهت كالفين من أنظمة، وأسوأ ما غطت في حياتها الصحفية الحافلة، من سريلانكا مرورا بأفغانستان والعراق وليبيا وانتهاء بسوريا حيث فقدت حياتها. كالفين في آخر ظهور متلفز سبق أن اعتبرت هذا الصراع هو الأسوأ قائلةً: "إنه النزاع الأسوأ، لأنها ثورة سلمية سحقها النظام بالقوة العسكرية" وقد دفعت حياتها ثمناً لذلك.  

فيلم (الحرب الخاصة) عن حياة المراسلة الحربية الأمريكية ماري كالفين تكريماً باذخاً سينمائياً لامرأة وصحفية جريحة من الداخل لكنها شجاعة وجسورة، إنه قطعة سينمائية مذهلة مؤثرة جداً. قد يكون من الصعب مشاهدتها بواقعية مثلما تبدو عليه الأمور في سوريا التي مزقها نظام طائفي قروسطي متوحش، أحال أحلام الحرية والتغيير إلى موت ودمار وسلسلة لا يمكن تخيلها من الانتهاكات والجرائم.

 هكذا ماتت ماري كالفين وخلد التاريخ قصتها، فهل يا ترى ينصف التاريخ أصوات من ليس لهم صوت في سوريا المغدورة؟

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات