زمن المذيعات الكالحات: وما زال السوري كنزاً لا يفنى!

زمن المذيعات الكالحات: وما زال السوري كنزاً لا يفنى!
منذ لحظات أنهيت مداخلة تلفزيونية قصيرة جداً، على إحدى القنوات التلفزيونية السورية المتحرّرة من قبضة الاستبداد الأسدي، وكانت المذيعة المحاورة في المداخلة شابّة سورية صغيرة تعمل بصفة مذيعة في القناة، وصدقاً خلال المداخلة لم يتبادر في ذهني سوى تلك المذيعة السورية الشابة، كيف تطوّرت مهاراتها وكيف صقلت موهبتها، في فترة زمنية ليست بطويلة، وذهب تفكيري لسلسلة من المقالات القصيرة كنت قد كتبتها منذ فترة، وتتكلم عن كنوز سورية، وقد بدأت تلك السلسلة بأهم كنز تمتلكه سورية، ألا وهو الإنسان السوري المبدع، لأن الإنسان هو أغلى وأثمن ثروة تمتلكها الأوطان والتي من خلالها تنافس بقية البلاد في النمو والتطور والنهضة بكافة المجالات.

والآن وبعد عشر سنوات من الدمار والحرب المسعورة التي تُشن على إنساننا السوري، يبقى السؤال مشروعاً ، هل ما زلت أعتبر أن الإنسان السوري ما زال كنزاً تفتخر به سورية؟، أم إن هذا الكنز قد ضاع وفي طريقه للاندثار والاضمحلال نتيجة ظروف اللجوء والتشتت في مختلف أصقاع العالم مثله مثل كثير من الكنوز السورية التي دمرتها الحرب؟.

وبطبيعة الحال سيردّ عليَّ أحدهم ويقول لي مستغرباً حول سؤالي: ألا ترى إبداعات السوريين التي تعجّ بها الصفحات الإعلامية غير السورية قبل السورية؟، ألم ترَ هذا الشاب المسمّى "عمر الشغري" أو تلك السيدة الشابة التي اسمها "وعد الخطيب" كيف كانا في مجلس الأمن، خير من تكلم عن الثورة السورية وعن إجرام النظام، وكيف تفوّقا بأسلوب حديثهما على الكثير من الدبلوماسيين الذين تعلّموا في أعرق المعاهد والجامعات التي صقلت لهم مواهبهم وعلمتهم أسس وخفايا التحدث الدبلوماسي لمخاطبة الآخرين وإجبارهم على التعاطف مع القضايا التي يطرحونها؟. 

وأردّ على المُتسائل: نعم رأيت، وبكل تأكيد أفتخر وأعتزّ بعمر ووعد، كما أفتخر وأعتز بالمهندسين والأطباء والعمال السوريين الذين حققوا إنجازاتٍ كلٌّ في مجاله، ولكن تبقى كل تلك الإنجازات والإبداعات عبارة عن إنجازات فردية، تتعلق بالشخص المبدع نفسه، بموهبته وبقدراته على تنمية تلك الموهبة وعلى قدرته على تطوير شخصيته، وأنا لا أتكلم عن حالات فردية، ولكن أتكلم عن مجتمع متكامل، عن عمل مؤسساتي منظم يقوم بالكشف وتنمية الإنسان السوري وإعادة بنائه وفق ما تحتاجه سورية القادمة الخالية من الاستبداد. 

بالتأكيد فإن تخوّفي على بناء الإنسان السوري مؤسساتياً له ما يبرره بعد أن شاهدنا الفوضى والعبثية في تصدّر المشهد السوري من طرف الثورة والمعارضة، وفي كافة المجالات (سياسي – اجتماعي – اقتصادي.. الخ)، وكيف ارتقى بعض الأشخاص لأماكن ومناصب رغم افتقارهم إلى أدنى المؤهّلات التي تسمح لهم بترقّي تلك المواقع. ولكن وكما هي العادة فإن لكل نفق مظلم لا بد من نافذة ضوء تنير حالة الإحباط التي تتسبّب بها التصرفات غير المسؤولة.

 وهذه النافذة التي أنارت النفق المظلم هي ما أراه - كشخص عادي غير متخصص بالإعلام -  من تطور في الإعلام المرئي المحسوب على ثورتنا، وأقصد بذلك القنوات التلفزيونية المتحررة من الاستبداد الأسدي مثل قناة "أورينت"، وقناة "سوريا" وقناة "اليوم"، وقناة "حلب اليوم"، وذلك بغض النظر عن المواقف السياسية لتلك القنوات سواء اتفقت معها أو لم أتفق، فأنا هنا لا أتكلم سياسياً بل أتكلم بحالة تقنية بحتة. 

ومن الطبيعي أن يلفت نظري هذا التقدم المهني الذي تقدّمه تلك القنوات، ولا سيما أنني من جيل قد نشأ على لون إعلامي واحد، ولسبب بسيط أنني من أبناء دمشق التي وبسبب موقعها الجغرافي فإنه لا يمكن لسكانها أن تلتقط هوائيات شاشاتهم سوى محطة النظام، على عكس باقي المحافظات الأخرى كمدينة حمص التي كان سكانها يشاهدون المحطات اللبنانية وسكان الساحل الذين يشاهدون أكثر من محطة تلفزيونية، ودرعا والسويداء والمناطق الشرقية والشمالية.

 ولذلك فإنني مع أبناء مدينتي وخلال مراهقتنا كنا حبيسي سماجة مهران يوسف، ووقاحة الياس حبيب، وسفالة علاء الدين الأيوبي، وكان صبايا مدينتي يتّخذن من مذيعات تلفزيون النظام مثلاً يُقتدى به في مجال الملابس وتصفيف الشعر والمكياج، فقد كانت "أمل مكارم" و"لينا الأسعد" و"هيام أبو سمرا" و"وفاء الأسعد" وهي زوجة ضابط في أحد أفرع الأمن، و"ندى الصالح" التي كان يلقّبها زملاؤها بالنقيب... على سبيل المثال لا الحصر.. نجمات الشاشة الصغيرة التابعة للنظام يفتقرن إلى أدنى مقوّمات الإعلام الحديث من ناحية الشهادة العلمية المتخصّصة والثقافة العالية اللازمة للمذيعات أو المذيعين لإدارة الحوار مع الضيف.

 وبالطبع كلنا يعرف سبب هذا التدنّي بمستوى من سُمّوا زوراً إعلاميين وإعلاميات في أعرق هيئة إذاعة وتلفزيون في منطقتنا العربية، فبعد روّاد حفروا أسماءهم في ذاكرة التلفزيون السوري من أمثال المذيعات "غادة مريم بيك" و"هيام طباع" و"هيفاء عربي كاتبي" وغيرهن من الرواد الأوائل للتلفزيون السوري، احتلّ التلفزيون السوري مذيعات زمن البعث بقرار جمهوري، يهدف للسيطرة على النافذة الإعلامية الوحيدة المتاحة للمواطن السوري بشكل عام والدمشقي بشكل خاص. وبقي الحال على ما هو بالنسبة لنظرة الإعجاب لمذيعات البعث على أنهن صفوة المجتمع، حتى سُمح بإدخال اللواقط الفضائية في عام 2000، ليتفاجأ السوريون بوجود إعلام مغاير تماماً عن  الإعلام الذي فُرِض عليهم لمدة تزيد على ثلاثين عاماً، إعلام متطور يعتمد الكفاءة والمهنية والتأهيل العلمي والثقافة العالية والذكاء الحاد في اختيار من سيظهر على الشاشة الصغيرة كمقدم أو مقدمة تلفزيونية.

وبالعودة لقنوات الثورة السورية، ولرغبة امتلكتني بعد المداخلة التي تكلمت عنها في تقصي الحقائق حول الكادر الفني من تقنيين وكتّاب ومخرجين وبكل تأكيد مذيعين ومذيعات في تلك القنوات، ورغبتي في معرفة كيفية اختيارهم وصقل مواهبهم، قمت بالتواصل مع بعض الإداريين في تلك القنوات وسألتهم سؤالاً واحداً فقط هو كيف تم إيجاد هؤلاء المذيعين والمذيعات؟ وكيف تمت عمليات صقل مهاراتهم، وتطوير شخصياتهم وقدراتهم؟، فأكد من اتصلت به أن كافة عمليات التدريب والتطوير في قنواتهم هي بأيادٍ سورية بحتة، وأن الموضوع لم يأتِ بين ليلة وضحاها بل احتاج لعمل مُجهِد لتطوير كادر كل قناة على الرغم من قلة الإمكانيات - إذا ما قارنّاها بإمكانيات الدول – حتى إن أحد أعضاء مجلس إدارة إحدى القنوات التلفزيونية، أكد أن جميع أفراد الكادر الإعلامي والتقني في قناته، ليسوا سوريين فحسب، بل جميعهم ينتمون لمنطقة كان يعتبرها نظام الأسد منطقة نائية، والقصد هنا منطقة الجزيرة السورية.

وبهذا الكلام تتم الإجابة عن السؤال المطروح في المقدمة ( هل ما زلت أعتبر الإنسان السوري كنزاً؟)، فالإجابة بكل تأكيد نعم، فالإنسان السوري ما زال كنزاً مِن ذهَب أفتخر به، ومن المعروف أن الذهب معدِن لا يصدأ، ولا يهترئ، ولا تنقص قيمته مع مرور الزمن، فكل ما يصيب الذهب عبارة عن قليل من الغبار قد تتراكم عليه، وبذلك فهو لا يحتاج سوى لعمل مؤسساتي منظم ومخلص ووطني وصاحب إرادة حرة،  ليقوم بنفض هذا الغبار ليخرج لنا إنسان سوري كما عهدناه قبل أن يحاول نظام الأسد تشويهه، وبذلك فإننا نحتاج فقط لعمل ذلك - بالطبع بعد التخلص من استبداد الأسد- أن نسقط عن كاهل شعبنا هؤلاء المرتزقة الذين تسلقوا على أكتافه وعلى ثورته العظيمة، هؤلاء المرتهنون لأجنداتهم الخاصة ولشهواتهم في حب السلطة والجاه، التي ورثوها من زمن البعث المجرم، هذا هو الطريق الأسلم لإعادة بناء إنساننا السوري كما كان، وبالتالي بناء سوريا كما نشتهي أن تكون وكما حلم بها شباب سوريا الذين أطلقوا شرارة أشرف ثورة عرفها التاريخ.

- سكرتير المكتب السياسي في حزب اليسار الديمقراطي السوري

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات