تشريح الخيانة: همام حوت استحضر الشخصية الكردية.. والمسرحيون تجاهلوها!

تشريح الخيانة: همام حوت استحضر الشخصية الكردية.. والمسرحيون تجاهلوها!
في كتابه الصادر حديثاً "تشريح الخيانة ومقالات أخرى"، يبحث الكاتب المسرحي السوري أحمد إسماعيل إسماعيل بطريقته وأسلوبه الأدبي الشيق، موضوعات حياتية ويومية ثقافية وسياسية واجتماعية انطلاقاً من حدث الثورة السورية المزلزل للكيانات التي ترسّخت وتورمت وتضخمت فوق رؤوسنا، محملة بإرث ضخم من أساليب ومنظومات وممارسات قاتلة للحرية والحياة وللإنسان، ولكل ما يرتبط بالقيم والحضارة بصلة . 

يجمع المؤلف في كتابه الحالي بين مجموعة مقالات كُتبت لتشريح وفهم ما حدث و "على إيقاع هذا الزمن السريع ونُشرت منذ الأشهر الأولى لانطلاقة الثورة  السورية المباركة بشكل متفرق في المواقع الإلكترونية ومجلات وصحف متفرقة، مساهمة متواضعة في تحديد هذا الدافع ومعرفته بمفردات ومفاهيم سياسية وفكرية غير خالصة من أوجاع وآلام ساطت أرواحنا " وعذبتها إلى اللحظة الراهنة. 

التغيير مسألة حتمية كما ذهب إليه المؤلف، وإنه حاصل في التاريخ رفضاً لما هو سائد من ثقافة وممارسات مضادة للبشرية وسعادتها، وإنه اليوم ورغم تجاوز مجتمعاتنا الراهنة لتلك الثقافة، وذلك بفضل جهود وتضحيات المجددين ودعاة التغيير الذين جابهوا أولي الأمر وحراس مصالحهم وفقهاء استبدادهم وأنصارهم الصامتين والمحافظين من دعاة الاستقرار، فإن ذهنية وعقلية القطيع التي تعيد إنتاج الثقافة نفسها، وبما يتوافق مع طبيعة كل مرحلة تاريخية متجسدة هذه المرة في أعراف وعقائد وأشكال من خرافات، لا تختلف إلا في الشكل والتسمية عن سابقاتها في أزمان مضت، خرافات حديثة ومعاصرة (عصرنة التخلف - كاتب السطور)  سياسية وغير سياسية، من مثل قرابين إهدار كرامة الشعوب، وقمع حرية الأفراد ووأد حقوق المرأة وإرادتها، وتكفير المثقفين وحرق أحلامهم ومشاريعهم واستمرار عبودية العمال من خلال دستور عرفي أساسه الخضوع والولاء، لا الكفاءة والاجتهاد .. وما شابه ذلك كله من خرافات وسياسات سيعتبر المتمرد عليها قولاً أو فعلاً، كافراً ومارقاً ومهدور الوطنية . 

الحرية ليست حصان طروادة

 يؤكد المؤلف أن الحرية ليست حصان طروادة، ولا سلعة مستوردة من بلاد الشياطين أو الجن الأزرق، كما إنها ليست شتيمة أو تطاولاً على الأسياد وأولي الأمر، وتوفيرها لا يتعارض مع مناخات الأمن والأمان والاستقرار والسلام الأهلي، بل يرسخها ولا ينفيها، يحميها لا يهددها، ويؤسس لها على أسس أخرى، لا تقوم على عقد اجتماعي وسياسي ضمني أو غير ضمني، ثمنها حرية المواطن وكرامته، لأن ما هو سياسي لا يتعارض مع ما هو أخلاقي واجتماعي وإنساني في نهاية المطاف . 

وفي مقال بعنوان "كسر الإيهام الحياتي" ينتقد المؤلف الثقافة السائدة والسلوكيات غير السوية بقوله: "لا شك في أن سلوكياتنا الخاطئة في المأكل والمشرب والحديث وحتى تلك الأفعال والممارسات التي نقدم عليها برضا، كالتضحية المجانية بالوقت والمال والنفس على مذبح عرف مهترئ أو شعور جمعي غير سوي أو فلسفة حزب شعبوي، ليست سوى نتائج طبيعية لثقافة جعلت من عملية ذوبان الفرد بالمجموع غاية ومقصداً، ومن الوطن دار قداسة، المواطن فيه حاج اليه وخادم ومستأجر لا مالك، ومن الإيديولوجيا ديناً صالحاً لكل زمان ومكان، ومن الحاشية صحابة وحواريين، ومن القائد نبياً وقدّيساً وإلهاً ، إيهام ما كان له أن ينكسر لولا السقوط المدوّي لجدار برلين، وتهاوي دول الدومينو الاشتراكية وسقوط المبادئ الكبرى المجردة التي كانت تسدّ مسدّ مفاعيل الثورة لدى الشعب المغبون" . 

تيتانيك الربيع العربي

وفي عنوان مثير ولافت "تيتانيك الربيع العربي" يقارب المؤلف بين سفينة تيتانيك التي غرقت باصطدامها بجبل جليدي صلد، وثورات الربيع العربي التي اصطدمت بجدار الدولة العربية الاستبدادية التي تستخدم العنف المفرط والقمع الشديد دون رحمة، إذ يقول: "وإذا كنا على يقين أن اصطدام السفينة تايتانيك بجبل الجليد، لم يكن بتدبير من الأقدار العمياء، إذ إن هذا الجبل الجليدي كان قائماً في مكانه قبل أن تنطلق السفينة، فإن سفينة الربيع العربي – المقصود هنا الحالة السورية بالدرجة الأساس - لم يحدث لها ما يحدث بتدبير من الأقدار العمياء ( إنما نظام قمعي استبدادي دكتاتوري رفع شعارات العروبة وتحرير فلسطين نصف قرن كامل وعندما شعر باهتزاز كرسيه عندما انتفض الشعب بوجهه، مارس كل الموبقات السياسية والأمنية من الكيماوي والبراميل المتفجرة والقتل والتعذيب والتشريد وتحويل سورية إلى مستعمرة روسية وإيرانية وبالتالي تمزيق البلد وإعادته إلى ما قبل  100 سنة، والحديث عن هذا النظام يطول - كاتب السطور ).

همام حوت استحضر الشخصية الكردية.. ولكن!

وفي حديث عن المسرح السوري ينتقد المؤلف الغياب الواضح للمكونات والأقليات السورية في النتاج المسرحي للكتاب والمؤلفين المسرحيين السوريين (ممدوح عدوان، سعد الله ونوس، محمد الماغوط وغيرهم)، إذ يشير إلى أن أحداً من الكتاب لم يتناول الكردي أو التركماني أو الكلدو آشوري في نصوصه المسرحية، ما عدا همام حوت في مسرحيته "ليلة سقوط بغداد" بتناوله لشخصية "مستو" الكردي، لكنه قدمه بصورة أقرب إلى السذاجة والتهريج منها إلى الشخصية الكردية ذات الجذر الواقعي، إذ وضع على لسانها عبارات وأقوالاً وأفكاراً لا علاقة لها بالشخصية الكردية الواقعية والحقيقية وهمومها القومية، وكل ذلك بهدف تجسيد مقولة وطنية رومانسية عامة تدعو إلى المحبة والتعاون من أجل مجابهة مؤامرات العدو الخارجي والتغاضي عن الثغرة التي هيأها الاستبداد للعدو الخارجي . 

الخيانة بين زمان وآخر! 

في موضوع "تشريح الخيانة" الذي عنون به المؤلف كتابه القيم هذا، يسهب المؤلف في تفاصيل وحيثيات معنى الخيانة على شكل مختلف عما عهدناه عنها  من قبل من مفاهيم وذهنيات، إذ رأى المؤلف أنه قد يختلف مفهوم الخيانة من زمن لزمن، ومن مكان لمكان، بحسب الظرف ومستوى الوعي وسلم القيم ودرجة تطوّر المجتمع، ففي ظرف اقتصادي خانق عدّ تزييف النقود في بريطانيا خيانة عظمى، وفي ظرف ومكان آخرين يتم اعتبار معارضة السلطة خيانة، وفي جعبة الشعوب والتاريخ أمثلة لا حصر لها من خيانات صغيرة وكبيرة، حقيقية وملفقة، وكلها تحتاج إلى مراجعة وتشريح وتفصيل للكف عن إطلاقها بشكل مجاني على أفعال قد لا تكون سوى خيانة من منظور طرف أحكامه غير سوية لسبب ما غير موضوعي، أو قد تكون ردَّ فعلٍ ظالماً، أو قد تكون لأسباب أخرى كثيرة خفية وظاهرة، تجعلنا نسارع إلى الإدانة والرفض، ولا يستثني الخائن نفسه من استنكار الخيانة رافضاً أن يكون فعله خيانة. 

صفوة القول أن المؤلف ينظر للخيانة ليس كفهوم مطلق مستقر، وإنما مفهوم نسبي متحول بالظروف والأحوال والأسباب والحيثيات والمبررات التي أدت إلى الفعل الذي يسميه الآخرون "خيانة"، وهذه وجهة نظر جديدة تستدعي التأمل فيها والتفكير بها ومناقشتها. 

هامش: الكتاب إصدار دار الزمان  2021   

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات