اغتيالات واشتباكات .. أسبوع دامٍ جديد في درعا وريفها والعشائر تهدّد

اغتيالات واشتباكات .. أسبوع دامٍ جديد في درعا وريفها والعشائر تهدّد
رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على فرض النظام التسوية الجديدة في منطقة حوران، والتي أتاحت لأجهزته الأمنية انتشاراً أوسع في جميع المدن والبلدات، إلا أن الوضع الأمني لا يزال مضطرباً.

وتشهد مدينة درعا وأريافها عمليات اغتيال بشكل شبه يومي، يكون ضحاياها في الغالب عناصر وقادة في فصائل المعارضة المسلحة سابقاً، ممن أجروا مصالحات أو انتقلوا إلى صفوف الميليشيات التابعة للنظام.

وبينما يقول النظام إن هذه الحوادث تقف وراءها مجموعة رافضة للمصالحة، يتهم المعارِضون أجهزة النظام الأمنية والميليشيات المرتبطة بإيران بالمسؤولية عن الفلتان الأمني، ويقولون إن الهدف تصفية كل من حمل السلاح بوجه النظام في السابق، كما يقولون إن إطرافاً أخرى بعضها يدّعي الدفاع عن الثورة، تقوم بأعمال تخدم أجندة النظام.

تصعيد متجدِّد

الأيام الأخيرة الماضية شهدت تصاعداً لافتاً في الهجمات، على الرغم من فرض النظام تسليم السلاح الفردي الذي كان يحتفظ به قسم من الأهالي وبعض المجموعات التي وقّعت اتفاقية المصالحة الأولى عام 2018.

آخر حوادث الاغتيال شهدتها مدينة طفس في ريف درعا الغربي يوم الأربعاء، حيث قُتل الشاب "رأفت أنور البدر"، إثر استهدافه بالرصاص المباشر من قبل مجهولين في المدينة.

وحسب "تجمع أحرار حوران"، ينحدر البدر من قرية عمورية غرب درعا، وهو عنصر سابق في فصيل "فجر الإسلام" التابع للمعارضة، وبعد إجرائه التسوية عمل ضمن صفوف الفرقة الرابعة.

ويوم الثلاثاء لقي الشاب "محمد معراتي" مصرعه إثر استهدافه بطلق ناري من قبل مجهولين في مدينة نوى غرب درعا، وهو نازح من مدينة دوما بريف دمشق، ويُتَّهم بعمله في تجارة المخدرات.

ويوم الثلاثاء أيضاً تعرّض أمين فرقة "حزب البعث" في بلدة علما بريف درعا الشرقي "طلعت مسلماني" لمحاولة اغتيال، عقب استهدافه بإطلاق نار مباشر من قبل مجهولين.

عمليات الاغتيال شملت كذلك مدنيين، كان آخرهم الشاب "محمد جمال العوضي"، الذي أصيب بجروح يوم الإثنين، إثر استهدافه بطلق ناري من قبل مسلحين مجهولين، على الطريق الواصل بين بلدة تل شهاب وقرية طبريات غرب درعا. 

وفي اليوم نفسه قُتلت السيدة "سهى السقر" إثر استهدافها بالرصاص المباشر من قبل مسلحين مجهولين بالقرب من كازية النابلسي في مدينة نوى غرب درعا. 

وحسب "تجمع أحرار حوران" فإن السقر، زوجة "ياسر الدعاس" الذي اغتيل برصاص مجهولين بالقرب من شعبة "حزب البعث" في مدينة نوى بتاريخ 8 أيلول/سبتمبر الفائت.

سلسلة حوادث الاغتيال الأخيرة كانت قد بدأت يوم الأحد، مع استهداف عضو لجنة درعا المركزية "إياد بكر"، الذي قضى متأثراً بجراحه الخطيرة التي أصيب بها بتفجير عبوة ناسفة زرعها مجهولون أمام منزله مساء اليوم نفسه في بلدة المزيريب غرب درعا.

من المسؤول؟.. وما الأهداف؟!

تفجُّر الأوضاع الأمنية في المحافظة من جديد، أعاد طرح الأسئلة حول الجهات التي تقف خلفها، والمستفيدة منها، ومن هي الأطراف المستهدَفة بشكل رئيسي بها؟.

ويرى الباحث مصطفى النعيمي أن جميع قاطني المنطقة الجنوبية باتوا رهينة الاغتيالات، متوقعاً أن تتجه الأمور إلى مزيد من التصعيد خلال الفترة القادمة، بسبب عدم قدرة نظام أسد على ضبط المنطقة أمنياً، ورغبته في تفجُّر الأوضاع الأهلية، خاصة مع تزايد التغول الإيراني فيها.

وفي حديثه لـ"أورينت نت" يقول النعيمي: (تنشط الميليشيات الولائية عموماً، وعلى وجه التحديد ميليشيا فيلق القدس وحزب الله، في تنفيذ عمليات الاغتيالات بحق المدنيين والعسكريين العاملين سابقاً في صفوف المعارضة، حيث سبق أن حمّل عضو “اللجنة المركزية” فيصل أبا زيد “اللجنة الأمنية” التابعة للنظام، بقيادة اللواء حسام لوقا، المسؤولية المباشرة عن ذلك).

وأضاف: "إلى جانب ما سبق، عمل النظام على تفكيك المجتمع المعروف بتماسكه وقوة روابطه بمنطقة حوران، من خلال نشر المظاهر التي تساهم في إفساده، وعلى رأسها إغراق المنطقة بالمخدرات، لتكمل الميليشيات المرتبطة بالنظام، ولا سيما الفرقة الرابعة وجهازي المخابرات الجوية والأمن العسكري، المهمة بالاستهداف المباشر للمطلوبين، وفقاً لجداول ترتّب الأسماء المطلوب تصفيتُها حسب الأهمية".

اشتباكات جماعية وتدخُّل عشائري

وإلى جانب حوادث الاغتيال، شهدت مناطق متفرّقة من محافظة درعا مؤخّراً عودة الاشتباكات، التي كان أغلبها بين مجاميع مسلحة تنتمي لمناطق وجهات مختلفة.

فقد اقتحمت قوات تابعة للواء الثامن، المدعوم روسياً، يوم الإثنين، حاجزاً للمخابرات الجوية عند مثلث خربة غزالة، ما استدعى وصول تعزيزات من الجانبين، قبل أن يتم احتواء الموقف.

وكان قد سبق ذلك مقتل أربعة أشخاص مدنيين جراء الاشتباكات المسلّحة التي اندلعت عصر الخميس في أحياء مخيم درعا، بين مجموعة "مؤيد حرفوش" ومجموعة "محمد شلاش".

تكرُّر حوادث الاشتباكات على هذا النحو، بالإضافة إلى تشكيك الفعاليات الشعبية المحلية بالجهات التي تقف وراء بعض الهجمات التي استهدفت نقاطاً عسكرية لجيش النظام خلال الأسابيع الماضية، والأهداف الحقيقية لها، دفع وجهاء وشيوخ عشائر إلى إصدار بيان هدَّدوا فيه بمواجهة حازمة مع كل من يتسبّب بالاضطرابات "خدمة للمشاريع الإيرانية".

وجاء في البيان الذي صدر يوم الثلاثاء، أنه "تحت مبرِّرات وحجج كاذبة، تمادت في الآونة الأخيرة أيادي الغدر والحقد والفوضى والتخريب والابتزاز، لتطال الأبرياء من أبناء درعا وريفها عابثة بالنسيج الاجتماعي، ومهدِّدةً السِّلمَ الأهلي".

وأشار البيان إلى أنّ "تلك الأيادي الملطَّخة بدم المظلومين، والتي حاولت أن تعيد الفوضى خدمة للمخططات الإيرانية وميليشياتها، لتكون حوران منصة لترويج مشاريعها ومخدِّراتها، أمست معروفةً للجميع بأفعالها التي لا تمتُّ للثورة والجهاد بصلة”.

وأكد الوجهاء في بيانهم أنّ "أحياء درعا البلد وطريق السد والمخيمات لن تكون ملاذاً آمناً للقتَلة وتجار المخدرات والغرباء المرتزقة"، وأنّهم "لن يسمحوا لهؤلاء أن ينفّذوا مشروعهم التخريبي ويجعلوا من دماء شهداء الثورة غطاءً لتحقيق غاياتهم الإجرامية"، وأنّ "كل من تورّط بارتكاب جريمة قتل أو خطف أو ابتزاز أو قطع طريق يتحمّل مسؤولية أفعاله".

اللجنة المركزية: عمليات لخدمة النظام

البيان كان واضحاً فيه الاتهام المباشِر لمجموعات تدّعي أنها تدافع عن خيار الثورة، من خلال استهداف الأشخاص الذين وقّعوا على التسوية الأخيرة والتحق كثير منهم بصفوف الميليشيات المرتبطة بالنظام.

وبينما تُتَّهم هذه الشريحة من المقاتلين السابقين في صفوف المعارضة بـ"الخيانة"، يقول أعضاء في لجنة درعا المركزية إن هذا الخيار كان أفضل المُتاح، لأن البديل هو الالتحاق بجيش النظام رسمياً، والتوجّه لقتال الثوار وتنظيم داعش خارج المحافظة، أو التهجير وتفريغ حوران من أبنائها الشباب.

مصدر في اللجنة أمنية قال لـ"اورينت نت": "إن تشكيل مجموعات محلية ترتبط شكلياً بالنظام كان خياراً تكتيكياً، وهذا ما يعلمه النظام بشكل جيد، لذلك يمنع تسليح هذه المجموعات، كما يُمعِن باستهداف قادتها وعناصرها للتخلص منهم، كونه يرى أنهم خطر متوقع في أي لحظة، وعائق قويّ أمام استكمال هيمنته الكاملة على المحافظة".

ولذلك، فإن المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، ينقل تأييد اللجان المركزية لأهالي درعا، للبيان الأخير الصادر عن أعيان حوران، ويرى أن الانفلات الأمني يخدم بالدرجة الأولى مخططات النظام ويمنحه الذرائع للمطالبة بفرض هيمنته الكاملة على المنطقة، كما يصبُّ في السياق الذي تتطلع إليه إيران، وهو إشعال الاقتتال بين العشائر والعوائل لضرب التماسك الشعبي والاجتماعي هناك.

ضعف الوجاهات التقليدية

لكن مصطفى النعيمي لا يعتقد أن لدى الفعاليات المدنية والشعبية القدرةَ على تحقيق هذا الهدف، في ظل التغوّل الإيراني اللامحدود في مؤسسات نظام الأسد، إضافة إلى النهج الانتقامي لدى النظام في إعطاء الصلاحيات الكاملة لكل من يعمل في كنفه، من أجل تنفيذ عمليات الاغتيال، إضافة إلى أن روسيا باتت تلعب خلف الستار من خلال قطع رواتب اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس، من أجل إجباره على الرضوخ الكامل لأجندتها.

ويؤكد النعيمي وجود حالة من الرفض العام بين مقاتلي المعارضة السابقين الذين وقّعوا على التسويات لفكرة القتال خارج درعا، ما أدى لحالة العصيان العسكري التي قابلتها موسكو بإدخال الميليشيات إلى المحافظة، وكذلك تصفية بعض منتسبي اللواء الثامن، إضافة الى ضم العديد من مقاتليه إلى المخابرات الجوية، تحت الضغط والترهيب والتهديد بالتصفية أو الاعتقال.

ويضيف: "كل هذه  العوامل أضعفت بمرور الوقت الفعاليات الاجتماعية التقليدية التي كان لها دور بارز في المجتمع الحوراني، ما يجعل قدرة هذه الفعاليات على مواجهة الأخطار المحدقة بحوران أقل مما هو متوقع.

وعليه، لا تبدو الخيارات المتاحة أمام أهالي حوران كثيرة لمواجهة مخططات النظام ومشاريع حلفائه في نشر الفوضى والاضطرابات، وصولاً إلى تصفية كل من واجه أو لا يزال يعمل على مواجهة هذه المشاريع، الأمر الذي يؤكد وقوف النظام بشكل مباشر أو غير مباشر خلف جميع الحوادث التي تشهدها مدينة درعا وريفها، رغم وجود مجموعات تعمل لأجندتها الخاصة، لكنها تصبُّ هي الأخرى في خدمة النظام، وتهدد بتفجر المشاكل بين الأُسَر والعشائر هناك.

التعليقات (1)

    رامي

    ·منذ سنتين 3 أشهر
    خلي كل واحد عم يفكر يخون الثورة و الشهداء يفهم....الموت ولا المذلة
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات