بدرسون الذي أحاط مجلس الأمن الدولي بتاريخ 20 كانون أول / ديسمبر 2021، أوضح في إحاطته حقيقة ما يراه في الوضع السوري الحالي.
أفادت الإحاطة أن العنف ضد المدنيين السوريين لا يزال مستمراً، وأن الوضع الاقتصادي في مناطق النظام يسير نحو الانهيار، كذلك بيّنت الإحاطة أن تنفيذ القرار 2254 لا يزال بعيداً.
لكن السيد بدرسون لم يضع في إحاطته مقترحات عملية، تضيء بنية القرار الدولي المشار إليه، وتضيء الأسباب الحقيقية لعدم تنفيذ هذا القرار، فهو عملياً يتجنّب الاقتراب من خطوط التماس بين المنخرطين بالصراع السوري، حفاظاً منه كما يعتقد على بقاء الوساطة الدولية التي يقوم بها، وأن إغلاق دور الوساطة يعني وضع قضية الصراع في سوريا رهناً لموازين قوى متغيرة، لن تخدم في المدى المنظور الحل السياسي المبني على ذلك القرار.
ولفهم إمكانية دور الوساطة الدولية في حلّ الصراع السوري بموجب القرار 2254، ينبغي وضع هذه الوساطة تحت الشمس دون مواربة، أو مراهنة، أي عدم بناء إستراتيجية ترقبٍ غامضة، تعتمد عليها المعارضة الرسمية السورية، لما قد تُسفر عنه مفاوضات جنيف، هذه المفاوضات التي يجهد الروس باستمرار على تفريغها من جوهرها، عبر طريق تفاوض موازٍ هو طريق أستانا.
الجولات الست السابقة من مفاوضات اللجنة الدستورية لم تدفع بعربة التفاوض إلى أيّ تقدم في عمل هذه اللجنة، وهذا يعود لجملة أسباب وردت بصورة استعراض في إحاطة بدرسون أمام مجلس الأمن، فقد أقرّت الإحاطة أن سوريا مجزأة مع وجود خمسة جيوش أجنبية على الأرض، ولكن الذي لم تقله الإحاطة، هو أن القرار الدولي لا يمكن أن يكون قاعدة حلٍ سياسي للصراع السوري، بدون وجود إلزام في جوهر هذا القرار، هذا الإلزام ضرورة حاسمة، وبدونه لن يتمّ التقدم إلى مربع الحلّ المطلوب.
إن بحث بدرسون عن مقاربة حلٍ يظنّ أنه ممكنٌ عبر ما أطلق عليه مفهوم "خطوة بخطوة"، إنما هو بحث يخدم بقاء النظام الاستبدادي، الذي فتك بالبشر والحجر والثمر، وهو يؤجل عن قصدية تنفيذ القرار 2254، وينسف عملياً محاور هذا القرار القائمة أساساً على انتقال سياسي في البلاد، عبر تشكيل هيئة حاكمة تشمل طرفي الصراع، بعد التوصل إلى وثيقة دستورية جديدة.
إن زيارة بدرسون لعدد من الدول العربية، كانت غايتها البحث عن أي دعمٍ لجهود الوساطة التي يقوم بها، وتحديداً إيجاد دعمٍ عربي وإقليمي لخطته المقترحة (خطوة بخطوة) متناسياً أن دفع عملية مفاوضات اللجنة الدستورية تحتاج أساساً إلى تفاهمات دولية بين الأمريكيين والروس، هذه التفاهمات لا يبدو أنها ممكنة في ظل اشتباكات سياسية بين الطرفين في أكثر من ساحة دولية.
إحاطة بدرسون ينبغي أن تكون أضاءت أمام مؤسسات المعارضة السورية طريق مراجعة سياسية جادة لمسار جهودها في التصدي لحلّ القضية السورية، هذا المسار لا يزال مسدود الأفق وفق صيرورته الحالية، وكذلك فإن هذه الإضاءة تعني البحث الجاد عن طريق أخرى، يتمّ من خلالها دفع المجتمع الدولي، لإعادة حساباته حيال الحل السياسي للصراع في سوريا.
إن اتكاء المعارضة الرسمية بشتى مؤسساتها على عكازة الحل السياسي وفق صورته القائمة، هو اتكاء يشي بعجز سياسي لتغيير دفة الصراع مع نظام الأسد وحلفه، وهو عملياً، ولا نريد أن نقول قصدياً، إنما يخدم في المحصلة سياسة النظام وحلفه الروسي الإيراني في تفريغ القرارات الدولية الخاصة بالصراع السوري من جوهرها القائم على تغييرٍ في بناء النظام السياسي السوري.
المعارضة الرسمية هي كل القوى التي تشمل "مؤسسة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وتشمل هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي"، هذه المعارضة إنما ينبغي عليها التفكير والعمل بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي خاص بالصراع السوري، مهمته منع الروس أو غيرهم من التلاعب بالحل السياسي، هذا المؤتمر، يجب أن تدعو إليه الأمم المتحدة، ويكون تنفيذ القرارات الدولية من أهم نقاط جدول أعماله، ويحتاج ذلك إلى جهود منسّقة من قوى المعارضة التي يجب عليها أن تكون ضمن إطار عمل سياسي وطني تحالفي واحد.
وقبل الدعوة إلى عقد هذا المؤتمر، تحتاج المعارضة السورية إلى تحصين نفسها بحاضنتها الشعبية الشاملة، حيث يتوجب عليها أن تساهم في تشكيل لجنة تحضيرية وطنية مستقلة من شخصيات وتعبيرات اجتماعية، مهمتها الإعداد لعقد مؤتمر وطني سوري شامل، تحضره كل قوى وتمثيلات المكونات السورية، ومنظمات المجتمع المدني، ويلعب هذا المؤتمر دور مرجعية وطنية، مهمتها، منع التفريط بتضحيات الشعب السوري، وقيادة العمل الوطني بعيداً عن نفوذ الأجندات الإقليمية والدولية.
إن بقاء الحل السياسي في سوريا بيد القوى المنخرطة بالصراع السوري، إنما يجعل هذا الحل بعيداً عن طموحات السوريين في بناء دولتهم المدنية الديمقراطية التعددية، التي ثاروا من أجل بنائها، وقدموا في سبيل ذلك تضحيات هائلة يعرفها القاصي والداني.
وإن عدم السير في بناء المرجعية الوطنية الواحدة لقوى التغيير الوطني والثوري، هو عملياً الركون إلى المراوحة في مربع اللاحلّ، المبني على الاتكاء على جهود دولية، لم تنضج في خلق مربعات تفاهمها بعد.
إن عدم سعي قوى الثورة والمعارضة بشتى هيئاتها، لتغيير وضعها من الاتكاء على جهود الوساطة الدولية، واستبدالها بحشد وطني فاعل، يتم من خلاله الضغط على القوى المنخرطة بالصراع السوري، إنما يخدم دون قصدية استمرار المأساة السورية، وبقاء نظام الاستبداد في سدّة حكم البلاد.
فهل تعيد المعارضة الرسمية السورية بناء استراتيجيتها، على قاعدة تعديل مسار كفاحها من أجل انتقال سياسي ترعاه الأمم المتحدة، أم إنها ستبقى في انتظار "غودو" بدرسون الذي لن يأتي أبداً.
التعليقات (3)