تتزامن جهود حجاب الأخيرة مع حراكٍ تركي قطري مكثّف، وزيارة لوزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" مع وفد رفيع إلى العاصمة الدوحة، في إطار اجتماع تحضيري على مستوى وزراء الخارجية، للاجتماع السابع للجنة الاستراتيجية العليا التركية – القطرية. كما تزامنت جهود حجاب، مع تقريب وتوحيد موقف البلدين حول مسألة عدم التطبيع مع نظام مليشيا أسد، والتأكيد في المواقف على عدم وجود إمكانية عودة الأخير إلى الجامعة العربية. حدث ذلك من خلال بيان مشترك لوزيرا تركيا وقطر خلال حضورهما اجتماع للمجموعة الدولية المصغرة حول سوريا في بروكسل 17 الشهر الجاري.
ندوة بحث علمية وليست مؤتمراً؟
في حديث مع عضو الائتلاف الوطني محمد يحيى مكتبي صرّح لأورينت أنّ ما يقوم به رياض حجاب في الوقت الراهن، هو تتمّة لسلسة جهود سابقة، قام بها مع قطر وتركيا، تهدف إلى تحريك المياه الراكدة للملف السوري، وإنعاش وتصحيح سلوك المعارضة السورية، لا سيما أن لا نتائج تذكر حتى الآن قد تحقّقت في مسارات أستانة وسوتشي واللجنة الدستورية.
فيما يخص شهر فبراير/ شباط من العام القادم، أضاف المتحدث أنّ ما سيحدث هو عقد (ندوة علمية) وليس مؤتمراً كما يُروج له عبر وسائل إعلام موالية وشخصيات محسوبة على نظام مليشيا أسد كنمرود سليمان عضو ما يسمى منصة موسكو.
ووفقاً للعميد أسعد الزعبي فإنّ الندوة ستتم برعاية الدولة الراعية لها قطر، -والتي على ما يبدو حصلت على ضوءٍ أخضر غربي لهذه الخطوة وبدورها دعمت رياض حجاب لتنفيذها، وستتكّفل بالتحضيرات الأمنية واللوجستية، لاستضافة المدعوين، بما فيهم ممثلين عن مراكز بحثية سورية، سيقومون بأداء دور تقني وعلمي في تقديم أوراق عمل عن كافة الشؤون السورية، والهدف من ذلك الاستناد على تلك الأوراق والدراسات في تنفيذ الحوار بشكل منهجي وعلمي.
وفيما يتعلّق بأجندة الندوة فحسب مكتبي ستُناقش وتُقيّم كافة تطورات الملف السوري السياسي والعسكري والإنساني والحقوقي والقانوني، إلى جانب مواقف الدول الفاعلة والمؤثرة، وأداء نظام مليشيا أسد، وسلوك المعارضة السورية بشكلٍ مُفصّلٍ ودقيق.
وفي واقع الأمر وفقاً لشخصيات مقرّبة من رياض حجاب، فإنّ الندوة تهدف إلى الوصول ليس فقط لتوصيات ونتائج، بل تطمح لبلورة طروحات متكاملة ومشاريع جديدة وبرامج سيتم العمل عليها وتدويرها ونقاشها مع صناع القرار والأطراف المعنية في الملف السوري، لذا فإنّ جزئية إعادة هيكلة المعارضة ليست هدفاً أساسياً ووحيداً للندوة، بل هي أحد أهدافها، لكن ليس بالشكل المتداول ظاهريًا. كحل أجسام معارضة واستعاضة عنها بأجسام جديدة؟، ذلك لأنّ مشروع إعادة هيكلة المعارضة السورية ليس حكراً على طرفٍ فاعل أو مكان جغرافي معين، بل هو مرتبطٌ بمسارات سورية لها رُعاتها.
بمعنى آخر إنَّ إعادة الهيكلة تحتاج لتوافقات دوليّة منخرطة في مسارات تشترك فيها أطراف محليّة سورية معارضة، وهذه التوافقات لن تحدث في المدى القريب والمتوسّط. بالتالي لا يوجد تكهن واضح في نتائج الندوة العلميّة المقرّرة في العام المقبل، فإن حدثت متغيرات جديدة، سواء بما يتعلّق في انبثاق أجسام سياسية جديدة معارضة، وحتى إعادة هيكلة للمعارضة الحالية، فهي مرهونة ليست فقط بطبيعة نتائج الندوة وقُبولها من قبل بعض الدول بل تحتاج إلى من يتبنّى تلك النتائج ويُحوّلها إلى وقائع وأفعال عند ذلك المطاف يمكن القول: إنّ متغيراً جديداً قد طرأ على المعارضة السورية ربما يكون نحو الأفضل.
حقيقة الحراك بقيادة رياض حجاب
تُولي تركيا وقطر اهتماماً واضحاً لرياض حجاب، لِعلمها أنه شخصية مُجمع عليها من قبل غالبية شرائح المجتمع السوري، لذلك يُعامل دائماً أينما حل في عواصم عربية أو أوروبية كرجل دولة، وهناك تعويل عليه حتى الآن لقيادة مرحلة جديدة في سوريا.
في 12 مارس/ آذار الماضي 2021 ظهر رياض حجاب في لقاءٍ مع قناة الجزيرة، وقال: إنَّ سوريا مُقبلة على تغييرٍ كبيرٍ، وأنّ ما يجري في العاصمة القطرية الدوحة هدفه خلقَ مسارٍ جديد يحمل بصمات عربية. كذلك ذكر أنّ الجهود الراهنة سينتج عنها مقاربات جديدة للحل في سوريا، وتوقّع حينها أن تستمر وتيرة المباحثات خلال العام الحالي.
التصريحات السابقة لرياض حجاب كانت مصحوبة بموجة تفاؤل ناجمة عن لقاءاتٍ ثلاثيّة حدثت على صعيد وزاري لقطر وتركيا وروسيا. ومن خلال البيان الختامي عن ذلك الاجتماع تمّ الاتفاق على استكمال اللقاءات في أنقرة ومن بعدها موسكو، لكن لم يحدث ذلك قط، بسبب مراوغة موسكو التي كانت تهدف من وراء وجودها في الدوحة -لأول مرة-لجس نبض ومحاولة نزع تنازلات تركية قطرية لتخفيف الضائقة الاقتصادية على حليفها في دمشق، إلى جانب فرض شرطها الأساسي في إعادة تعويمه داخل الجامعة العربية.
رغم توقّف هذا المسار إلا أنّ رياض حجاب استمر في إجراء مشاوراته مع قطر وتركيا، وحرص على إرسال رسائل غير مباشرة تحمل طابع ودّي وإيجابي للمملكة العربية السعودية، كما استفاد من جولاته السابقة في عواصم الدول الأوروبية والغربية في محاولته تعزيز الضغوط على نظام مليشيا أسد، والتشديد على بنود العدالة والمحاسبة (ملف الكيماوي)، والأهم محاولته إعادة لفت أنظار تلك الدول لإعادة اهتمامهم في الملف السوري.
مؤخراً خلال الشهرين الماضيين التقى حجاب أكثر من مرة مع وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" وتباحثا في قضايا سياسية وعسكرية خاصة في الملف السوري، كذلك منذ عام ونصف العام أجرى جولات واتصالات مع عدّة عواصم أوروبية وعربية ونال ترحيباً كبيراً، وهو ما فتح الباب لعودته مؤخراً للمشهد السوري. الأمر الذي رفع سقف التوقعات عن بعض المراقبين عن احتمالية حدوث متغيرات جديدة داخل بنية المعارضة السورية سيقودها حجاب في مطلع العام القادم، لكن ليس بالضرورة أن تكون تغييرات جذرية بما فيها انبثاق كيان سياسي جديد، بل البداية ستكون بندوة علمية وصولاً إلى نتائج سيتم دراستها بهدف البناء عليها مستقبلاً.
التعليقات (2)