ودون سابق إنذار وعلى مضض وبحضور محدود للإعلام، أجرى الجيش الوطني ظهر الخميس الماضي عملية تبادل أسرى، شملت خمسة عناصر من ميليشيا أسد مقابل تحرير خمسة مدنيين.
ورغم العدد القليل والتعتيم الذي فرضه الجيش الوطني على العملية، استبشر أهالي الشمال المحرر خيراً بالصفقة، على أمل أن تكون طوق نجاة يعيد عدداً من شبان الثورة أو مؤيديها من المدنيين إلى حضون إمهاتهن.
بيد أن إشارات استفهام عدة لاحقت العملية، لتكشف الستار عمّا قد يصل لدرجة الخيانة المتعمَّدة لمعتقلي الثورة والفصائل أولاً، ثم الحاضنة الشعبية للثورة أجمع بالدرجة الثانية.
بداية التساؤلات ارتسمت حينما تعمّد عناصر الجيش الوطني في معبر أبو الزندين التضييق على عمل الإعلاميين وإجبار بعضهم على حذف صور وفيديوهات للعملية، فيما قدّمت بعض المؤسسات الإعلامية الحاضرة صيغاً متشابهة لخبر العملية توحي أن الأشخاص الخمسة المفرَج عنهم من قِبل النظام هم أسرى من عناصر الجيش الوطني، مع تجنُّب ذكر تفاصيل توضح كيفية تعرضهم للأسر، وفيما إذا كانوا حقاً عسكريين أم مدنيين.
مصادر أورينت تعرّي الحقائق
غير أن مراسلي أورينت في الشمال السوري كشفوا جانباً من المستور عن تلك العملية المثيرة للشك والريبة، وأكدوا أن الخمسة الذين أطلق سراحهم من قبل ميليشيا أسد هم مدنيون لا تربط معظمهم صلة بالثورة، والأدهى هو أنهم جميعاً حديثو العهد بالاعتقال واعتقلوا بمناطق النظام وأقدمهم بالكاد أكمل الشهر الخامس بسجون أسد، ما يعني أن اعتقالهم جاء فقط للمبادلة عليهم ولرفع الحرج عن الجيش الوطني أمام الملأ كيلا يقال إنه أطلق سراح عناصر أسد دون مقابل.
ووفقاً لمصادر أورينت فإن المعتقل عبد اللطيف حاج شعبان ينحدر من قرية كفر عمة بريف الأتارب غرب حلب، وقد اعتُقل قبل نحو شهرين ونصف من حي صلاح الدين وسط حلب، وسُجن بداية في فرع أمن الدولة بالمدينة لمدة حوالي شهر، ثم نُقل إلى سجن عدرا، وبقي لمدة شهر ونصف قبل أن يُعاد إلى فرع الأمن السياسي بحلب لمدة أربعة أيام ليطلق سراحه بالعملية.
المعتقل إبراهيم محمد الطيب هو الآخر أحد سكان مدينة حلب ويعمل سائق شاحنة، وقد اعتقلته ميليشيا أسد دون سبب قبل أقل من خمسة أشهر على حاجز خان شيخون بريف إدلب.
وبحسب مراسلينا، اعتُقل ثالثهم المدعو إبراهيم علي عسكر في مدينة حلب لمدة ثلاثة أشهر، فيما اعتُقل محمد الكردي المنحدر من حلب في مدينة دمشق لمدة أربعة أشهر.
أما إبراهيم محمد الحسين، أقدمهم عهداً بالإعتقال، فقد احتجز قبل خمسة أشهر من قبل فرع الأمن السياسي في مدينة حلب بتهمة إسعاف عناصر من فصائل الجيش الحر، ثم نُقل إلى سجن عدرا وبعدها إلى فرع الأمن السياسي بحلب لمدة عدة أيام، ولم تستطع مصادر أورينت التأكد من ارتباطه بالثورة.
أورينت مع إخراج جميع المعتقلين
وتتقاطع معلومات أورينت مع ما عبّر عنه عدد من الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي من انتقادات إزاء الصفقة، ويؤكدها كذلك تسجيل مصوّر مقتضب "لتلفزيون سوريا" مع اثنين من المعتقلين أكدا خلاله أنهما مدنيان وحديثا العهد بالاحتجاز، ولا يعني ذلك أن أورينت تعارض إخراج المدنيين أو المعتقلين حديثاً، ولكن الأولى بكل تأكيد خروج أبناء الثورة ممن أمضوا سنوات طوال بسجون أسد.
وبكل تأكيد لا يخفى ما حصلت عليه أورينت من تفاصيل على قادة الجيش الوطني الذين أشرفوا على إتمام العملية، وبالنظر إلى الصفقات السابقة الأكثر شفافية التي جرت بين الطرفين، لم يقع الجيش الوطني في حرج مشابه بل كانت العمليات تتم بعد دراسة وتدبير، بل ونجحت في إطلاق سراح مدنيين أمضى بعضهم نحو عشر سنوات في سجون ميليشيا أسد، كحال السيدة نسرين وانلي وولديها اللذين دخلا السجن طفلين، وخرجا بريعان الشباب.
ومع هذه القرائن والبراهين يكون المشرفون على الصفقة من قبل الجيش الوطني أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أنهم تحوّلوا ألعوبة بيد نظام أسد يفرض عليهم ما يشاء من شروط، أو أنهم تواطؤوا عن عمد لإنجاز عملية التبادل التي تمت بواسطة الأمم المتحدة والصليب الأحمر، عقب إعلان روسيا عن جولة جديدة من مباحثات أستانا.
وأمام هذه المعطيات، تنتظر أمهات عشرات آلاف المعتقلين من أبناء الثورة إجابة شافية من قيادات الجيش الوطني عن المعايير التي تم اتباعها لإتمام الصفقة المثيرة للريبة، ولا سيما أن إعلام أسد احتفى بعناصره المحررين وتعمّد نشر صورهم وهم يرفعون أصابع النصر المزعوم، وهم بكامل صحتهم وملامح الإصرار على الإجرام لا تزال ترتسم على وجوههم.
التعليقات (5)