الانتهاكات ضد المرأة السورية: اتجار بالنساء وجرائم ضد الإنسانية

الانتهاكات ضد المرأة السورية: اتجار بالنساء وجرائم ضد الإنسانية
تتصاعد وتيرة الانتهاكات ضد الأشخاص، بتصاعد وتفشي النزاعات والأزمات المختلفة، لتشكل خطرا مؤكدا على الأمن والسلم الدوليين، لما في ذلك من انتهاكات ومخالفات للحريات والحقوق الإنسانية المقررة في القانون الداخلي للدول والقانون الدولي العام بمختلف تقسيماته، ولعل أبرز تلك الانتهاكات يتمثل في جريمة "الاتجار بالأشخاص"، الجريمة ذات العرف التاريخي الطويل الذي حكم كثيرا من العصور، هذه الجريمة التي تتميز اليوم بارتدائها لبوسا موافقا للثورة الرقمية والنهضة الحضارية، لتتماشى مع واقع العصر، إلا أن ذلك لا يعني انتفاء صفة الجريمة عنها، وأبرز وأضعف الفئات المستهدفة بجريمة الاتجار، هم النساء، ليكون مصطلح الاتجار بالنساء مساحة تتوافر فيها كل أركان الجريمة بصورة مطلقة غير نسبية، على عكس الفئات الأخرى.

الاتجار بالنساء.. المفهوم ودلالاته

 الاتجار من حيث المبدأ: عملية اقتصادية تصوب نحو الربح المادي أو المعنوي، المأمول اكتسابه من خلال العملية المرادة تبادلا أو بيعا وشراء، والاتجار لفظة عامة غير مجردة من السلبيات والإيجابيات، فهي منضبطة بحدود القوانين والأعراف الإيجابية والتشريعات، كي لا تتحول إلى مصدر من مصادر الإخلال بالعدالة والإنصاف. أما لو أضفنا إليها لفظة النساء (الاتجار بالنساء) فسنلاحظ أن "المُباع" أو "المبدل" أو الركن الثالث في العقد، أشخاص من فئة النساء، بالتالي يكون الاتجار بالنساء: عملية تتفوق في سلبيتها وانتهاك الحق الإنساني، بغض النظر عن قضية "المتاجرة" بالنساء التي قد تكون أقل خطرا من الاتجار، فالمتاجرة لها مدلول استغلالي تسويقي مثلا، ويوصل أيضا في النهاية إلى جعل فئة النساء مستهدفات بذات المدلول الأول الذي يفضي إلى تبادل تجاري بين شخصين أو جماعتين أو دولتين، تكون المرأة محور البيع والشراء أو التبادل أو الاستغلال النسبي، على أساس المنفعة المادية، أو العمالة القسرية المخالفة لأدنى الضوابط، أو الاحتجاز، أو الاستغلال الجنسي (البغاء أو الاغتصاب)، أو العمل على انتهاك الحقوق المختلفة للنساء في بيع الأعضاء واستئجار الأرحام والتسويق الاقتصادي، وذلك بما يخالف معايير حقوق الإنسان العالمية، فلا شك أن الاتجار بالنساء جريمة موصوفة قديمة حديثة تختلف في طبيعتها من عصر إلى عصر، وهي جريمة دولية بذاتها، فشرعت الأمم المتحدة وأصدرت عام 2000 اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وعززتها لاحقا ببروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وهذا يشير إلى مسؤوليات وواجبات مترتبة على جميع الدول والأشخاص بخصوص الاتجار بالأشخاص، ولكن لا يمكن الجزم بسيادة هذا المفهوم والمصطلح والقول بتطبيقه على أرض الواقع، ففي الغالب يمكن للدول والأفراد الضالعين بانتهاكات، الفرار والالتفاف على الشرعية الدولية، واستغلال ذلك في أوقات الأزمات الكبرى والحروب والأوبئة وغيرها، فتنشط الجريمة المعنية بشكل سريع، لتبقى مسألة تجاذبات.

وهذا يمكن ملاحظته في مختلف دول النزاع والحروب في المجتمعات المضطربة كشعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع ملاحظة نوعية الانتهاك الذي يختلف من بلد إلى آخر، طبقا لوضع البلد الراهن وحالته السياسية ومدى التزامه أو قدرته على التزام قوانينه الداخلية والقوانين الدولية، بما يحقق مصلحته الداخلية دون تعارض مع مصالح القانون الدولي والأسرة الدولية.

المرأة السورية.. ضحية الإرهاب الطائفي في سوريا

بالمرور على تجارب ينشط فيها الاتجار بالنساء في بلد كسوريا، بشكل مكثف بحكم الحرب الدائرة والصراع المستمر وكثرة القوى المسيطرة، نجد صراحة انتهاكات بالجملة ضد فئة النساء وأبرزها قضايا الاتجار، فإلى جانب الاتجار بالنساء الأجنبيات في قضايا العمالة والبغاء التي قد تكون سمة رئيسية في سوريا قبل وأثناء عهد الثورة السورية، إلا أن الشق الأكثر رعبا ذاك المتعلق بسنوات الثورة والقمع الممنهج الذي اتبعه النظام السوري وحلفاؤه ضد الشعب السوري، فالحديث عن الانتهاكات الواقعة في سوريا بصورة نسبية كاملة، حديث عن أفعال وجرائم النظام السوري والميليشيات الطائفية الرديفة له، الجرائم المختلفة التي تطال النساء بنسبية كبيرة وبطرق مختلفة، أوضحها ما يبدأ بالاعتقال السياسي لكون أحد أقربائها أو أفراد أسرتها مطلوبين، وما يندرج تحت بند الاتجار بالنساء من عمليات العنف الجنسي والاغتصاب للمعتقلات المغلف بعبارات طائفية فاجرة من قبل جلادي السلطة الحاكمة.  ثم التغييب والإخفاء القسري التي تحرم المرأة من أسرتها او أطفالها دون أي سند أو مسوغ قانوني..

إن المرأة السورية في الأساس هي ضحية ضعيفة من ضحايا النظام الذي يفترض أنه يمثل المرجعية الوطنية لها، والذي تخلى عن كل مسؤولياته تجاهها وتحول إلى عصابة من منتهكي القانون وممتهني كرامة الإنسان، بما يمارس في حقها من أفعال الاغتصاب للتشفي والانتقام، والابتزاز المالي لأسر المعتقلات مقابل الإفراج عنهن، أو الاستغلال في قضايا تتعلق بالضغط على الأسر لتسليم أبنائهم للنظام مقابل الإفراج عن المعتقلات، إلى جانب أنواع أخرى غير نشطة كما الحالية، في حين أن النساء السوريات في مخيمات الداخل والخارج، يتعرضن بشكل ممنهج للضغط من أجل ممارسة البغاء تحت وطأة التهديد، والاستغلال الاقتصادي من خلال العمل بأجور متدنية أو لساعات طويلة دون مقابل مادي معقول، كالذي يطبق عليهم في مجتمعات النزوح الداخلي واللجوء الخارجي، مثل البيانات التي تصدرها البلديات اللبنانية والتي تحث فيها على ارتكاب مخالفات تصل في معظم الأحيان إلى درجة الاتجار بالنساء.  هذان الجانبان من الانتهاك بحق المرأة والاتجار بالنساء، يستحوذ النظام السوري وحلفاؤه على أكثر من 80% من نسبة الانتهاكات التي يرتكبها الأطراف الفاعلون على الأرض السورية، فهي إلى جانب ذلك، تمثل دخلا إضافيا لفاتورة الحرب الموجهة ضد النساء وعموم الشعب السوري، في قضايا الابتزاز المالي بورقة المعتقلين ومن ضمنهم فئة النساء والأطفال، في إخفاق جديد للشرعية الدولية في الحد من الانتهاكات بحق المرأة، ومن بينها الاتجار بالنساء، كما إن تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 8/آذار 2020 يشير بشكل واضح إلى استثمار مرعب بالمرأة السورية بما يمكن عده صراحةً اتجاراً بالنساء على صعيد القتل أو التغييب القسري او الانتهاكات الجنسية، في دائرة انتهاك منظم، كما تبين أعداد الإحصائية المنشورة ، إذ تحمل كل هذه الجرائم طابعا مزدوجا من الجريمة، اتجارا منظما وجرائم ضد الإنسانية، بل وتطهيراً عرقياً بالعودة إلى تقسيمات المجتمع السوري المذهبية.

الأبعاد غير الظاهرة للجرائم ضد المرأة السورية!

تقدر الشبكات الحقوقية أعداد النساء اللواتي قُتلن في سوريا بما يزيد عن 28 ألف امرأة وفتاة وطفلة، وما يزيد عن 10 آلاف أخريات رهن الاعتقال أو التغييب القسري، ويتحمل نظام أسد وحلفاؤه أكثرية هذه الجرائم المنظمة والمدبرة، لكن بكل تأكيد يمكننا القول: إن هذه الإحصائيات غير دقيقة بما فيه الكفاية، لسببين اثنين: الصمت الدولي المروع تجاه ما يجري في سوريا وعدم التدخل لإيقاف الجرائم أو محاسبة المجرمين، وصعوبة الوصول السلس والمرن إلى سجون وأقبية النظام السوري للتحقق، فلا شك أن هذه الأرقام ستتضاعف حال تدخل المجتمع الدولي في عملية عادلة لإنصاف الضحايا وأسرهم، فإحصائيات المنظمات الحقوقية تشير إلى الحالات التي أمكن توثيقها، لا إلى الحالات المخفية لأسباب تتعلق بسرية الجريمة داخل أركان النظام، أو عدم رغبة الضحايا في الإدلاء بشهادتهن خوفا وتحرّزا.

إن جريمة الاتجار بالنساء.. لا تزال مختلطة بجرائم أخرى وانتهاكات واضحة، ولا يصعب الفصل بينهم، بقدر ما يسهل حصر الانتهاكات وتوضيحها بما تشكله من عنف مدبر ومنظم، بغض النظر عن الوسيلة، إلا أن الغايات التي يرنو إليها المنتهكون توصلنا بكل تأكيد إلى إعطاء طابع جريمة الاتجار بالنساء على معظم الجرائم والانتهاكات المرتكبة بحق المرأة السورية، المرأة السورية التي تعاني إلى جانب أبيها وأخيها وابنها، وتدفع فاتورة الانتقام والعدوان الطائفي الذي يُرتكب بحق الأكثرية المسلمة في سوريا، نفسها المرأة التي تشوِّه سمعتَها وكرامتَها مراكزُ الأبحاث الموبوءة بالطائفيين والأقلّويين، الذين لا يفوّتون فرصة للطعن في كرامة وشرف السوريات الصابرات الشجاعات، بما يسمّونه زنا المساكنة والجندر وحقوق المرأة، الذي لا يعود على آلاف السوريات بأي نفع وحق مشروع للمعتقلات والمختفيات قسرا.

ملحق:

مراجع وإحالات: 

1- (الفلبين تتعهد بمساعدة ناجيات من الاتجار بالبشر بعد عودتهن من سوريا): موقع تي أر تي عربي.. 19/أبريل/2021  

2- (أجنبيات وعراقيات في مقدمة ضحايا الاتجار بالبشر في سوريا): موقع دوتشه فيله الألماني.. 30/1/2010  

3- راجع في الملحق.. نص بيان بلدية رأس يعليك الصادر بتاريخ 10/11/2021.. والذي يمثل في أحد بنوده انتهاكا جماعيا لللاجئات والعاملات السوريات قائما على شقين من الجريمة: التمييز والاتجار بالنساء.. 

4- (في اليوم الدولي للمرأة.. المرأة السورية لا تزال تعاني أسوأ أنماط الانتهاكات): الشبكة السورية لحقوق الإنسان... 8/3/2020  

التعليقات (1)

    منذ قدوم الفاطس اصبحت المخابرات تحتقر النساء

    ·منذ سنتين 4 أشهر
    في المجتمع الصهيوني المراءة هى موقع نجاسة ولايتم اعلامها باي شيء ومن الصفات الموجودة بالصهيونية انهم يمنعون النساء بالدخول كالماسونية والجبل المقدس الخ. وهذا شيء يعترفون به لانها كيانات تتعامل مع دعم الدول الاوربية وامريكا وروسيا الجميع يسمح لهم باغتصاب نفسي ديني اجتماعي وللعلم في كل اوربا النساء يعيشون كانهم في بيت دعارة اجتماعي ، لايمكنهم ان يرفضوا الخوري ورءيس عملهم والسياسي والمخابرات. وهذا باضبط مافعلت عاءلة الفاطس والاهبل بسوريا
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات