المعلمون في الشمال المحرر..ظالمون أم مظلومون ؟ (٢/٢)

المعلمون في الشمال المحرر..ظالمون أم مظلومون ؟ (٢/٢)
أعلنت مديرية التربية في منطقة "غصن الزيتون" التي يديرها مجلس مدينة عفرين المحلي يوم الجمعة، زيادة في رواتب العاملين في القطاع التربوي.

وتراوحت الزيادة بين مئة وخمسمئة ليرة تركية، حيث كان نصيب المدرسين هو الأعلى، الأمر الذي اعتبر أنه في إطار الاستجابة لمطالب هذه الفئة التي تنفذ احتجاجات في مناطق سيطرة المعارضة منذ أشهر.

 رئيس مجلس عفرين المحلي محمد شيخ رشيد أكد في تصريح لـ"أورينت نت" أن هذه الزيادة رسمية بالفعل، وتأتي في إطار رفع الحد الأدنى للأجور في تركيا بسبب انخفاض الليرة، مشيراً أنها ستشمل الجميع وليس العاملين في حقل التعليم فقط.

شيخ رشيد نفى أن تكون هذه الزيادة استجابة لاحتجاجات المعلمين المطالبة بزيادة الرواتب، وقال: كان هناك اجتماع قبل فترة مع الولايات التركية في هاتاي وكلس وعنتاب وأورفا، وتم نقاش زيادة الرواتب بالمناطق المحررة، وتم رفع المقترحات إلى أنقرة، وعلى إثرها كان ثمة وعد بالزيادة بعد رأس السنة.

من جانبه وصف محمد الدبك، عضو الهيئة التأسيسية لنقابة المعلمين في الشمال المحرر، هذه الزيادة بأنها "هزيلة" ولا تتناسب مع الواقع، حيث الانخفاض الكبير والمتواصل في سعر الليرة التركية والارتفاع المستمر في الأسعار.

وفي تعليقه على هذا الإعلان قال الدبك لـ"أورينت": إذا كان هذا الخبر صحيحاً فنحن نرفض هذه الزيادة الهزيلة التي لا تتجاوز العشرين دولاراً، ونطالب بتعديل رواتب المعلمين بحيث لا تقل عن مئتي دولار في الشهر، مع وضع نظام للزيادة الدورية.

وكان مسؤولون في بعض المجالس المحلية التي تشرف على المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني خدمياً وإدارياً، قد أعلنت في وقت سابق عن وجود توجه لزيادة رواتب العاملين في القطاع التعليمي في هذه المناطق.

لكن محمد حاج حمدان رئيس المجلس المحلي لمدينة إعزاز قال في تصريح لـ"أورينت نت" إنه ليس لديه أي فكرة عن هذه الزيادة التي أعلن عنها مجلس مدينة عفرين، وإن كان قد أكد وجود دراسة بين مجالس الشمال والجانب التركي من أجل إقرار هذه الزيادة في أقرب وقت.

المجالس وبقية الأطراف..خلاف أم صراع ؟

وفي العشرين من تشرين الأول الماضي، أصدرت عدد من المجالس المحلية في ريف حلب الشرقي تهديدات بفصل المعلمين المشاركين في الإضراب الذي أطلقه مدرسو المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني، من أجل المطالبة بزيادة رواتبهم وإصلاح العملية التعليمية في هذه المناطق.

ويقسم الكثيرون المجالس المحلية في مناطق (درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام) إلى ثلاثة أقسام: أولها المجالس المحافظة التي تتمسك بالارتباط مع الحكومة المؤقتة ومجلس محافظة حلب الحرة، وبالانتخابات المباشرة، لكن عددها محدود جداً.

وثانيها المجالس المعتدلة وهي التي تحاول قدر الإمكان المحافظة على هذه العلاقة، مع استمرار التنسيق المباشر والمستقل مع الجانب التركي، لأن القائمين عليها يعتبرون أنه ليس لدى الحكومة المؤقتة ما تقدمه.

أما القسم الثالث فيشمل المجالس التي يعتقد القائمون عليها أنهم غير مضطرين لتقديم أي تنازلات أو التعامل بمرونة مع مؤسسات الثورة طالما أنهم مرتبطون بشكل مباشر مع الأتراك.

وتشرف ولايات (هاتاي وعنتاب وكليس وأورفا) التركية على عمل المجالس المحلية في مناطق الجيش الوطني، ويتوزع الأشراف حسب القرب الجغرافي. إذ تتبع إعزاز على سبيل المثال لولاية كليس، بينما يعود الأشراف على مدينة عفرين لولاية هاتاي، ورأس العين وتل أبيض لولاية أورفا، بينما تشرف ولاية عنتاب على الباب وجرابلس وغيرها.

وعليه يعتبر الكثيرون أن التهديدات الرسمية التي صدرت عن المجالس المحلية في جرابلس والباب وبزاعة،بفصل المعلمين المحتجين، تكشف عن عدم إيلاء هذه المجالس أي اعتبار للرأي العام في المناطق التي تديرها، بينما يرى آخرون أنها انطلقت في هذه التهديدات من الحرص على مصلحة الطلاب والعملية التعليمية، التي باتت مهددة بسبب استمرار الإضرابات.

لكن معظم القائمين على هذه المجالس يرفضون الإجابات عن الأسئلة التي طرحتها عليهم أورينت فيما يخص مجمل العلاقة مع المؤسسات الثورية الأخرى بشكل عام، والعملية التعليمية بشكل خاص، بينما رحب محمد حاج حمدان، رئيس المجلس المحلي في مدينة إعزاز بهذه الأسئلة، وخاصة تلك المتعلقة باحتجاجات المعلمين ومطالبهم، خاصة وأن مدينة إعزاز تشهد جزءاً مهماً من هذا الحراك.

المشكلة في المعلمين أيضاً !

يعترف حاج حمدان في البداية بأن الحالة العامة للتعليم في المناطق المحررة "سيئة"، لكنه يعتبر أن جزءاً مهماً من المسؤولية عن هذا الواقع يتعلق بالمعلمين أولاً.

ويوضح: أغلب المدرسين المختصين بقوا في مناطق سيطرة النظام، ما خلف ثغرة كبيرة ،ونجح حملة شهادات المرحلة المتوسطة والثانوية بسد جزء منها، وهؤلاء رغم اكتسابهم الخبرة بمرور الوقت إلا أن هذه الخبرة لم تصل لحد الكفاية.

"المشكلة التي نعاني منها على هذا الصعيد هي في غياب المتخصصين، وتحديداً بالنسبة للمواد العلمية، وتصور أن مادة العلوم الطبيعية لدينا فقط أربعة معلمين متخصصين بها في المناطق المحررة" يقول حاج حمدان.

ويضيف: لذلك المدرسون في مناطقنا مستواهم العلمي منخفض غالباً، وكذلك الأداء الذين يقدمونه ضعيف، ولم يتم التمكن حتى الآن من تعويض ذلك من خلال تخريج عدد كاف من الجامعيين في الاختصاصات العلمية، كالفيزياء والكيمياء والعلوم الطبيعية والرياضيات، بسبب الإقبال الضعيف على هذه الأقسام والفروع في جامعات المناطق المحررة، لكن معاهد إعداد المعلمين باتت مؤخراً مبشرة في نتائجها التي يمكن أن تحدث الفارق قريباً، كما يقول.

البنية التحتية مشكلة ولكن..

أما فيما يتعلق بالبنية التحتية، فيرى حاج حمدان "أن الأمور على هذا الصعيد جيدة بشكل عام"، وأنه "رغم وجود مشاكل هنا أو هناك إلا أن الوضع جيد ولا يمكن أن نقول إن هناك معاناة".

ويعتبر المعلمون المحتجون في مناطق سيطرة الجيش الوطني أن أحد أسباب تدهور العملية التعليمية في هذه المناطق هو قلة عدد المدارس، حيث  يزيد عدد الطلاب على الـ330 ألفاً، ويطالبون بإطلاق مشاريع لبناء مدارس جديدة، خاصة وأن عدد الطلاب في الصف الواحد قد يبلغ في أحيان كثيرة 60 طالباً.

يؤكد حاج حمدان وجود حاجة لبناء المزيد من المدارس من أجل استيعاب الزيادة السكانية التي شهدتها المناطق المحررة في الشمال بسبب الهجرة والنزوح، لكنه لا يعتبر أن هذا الأمر أولوية من أجل حل مشكلات قطاع التعليم فيها حالياً، ويقول: هذه المشكلة تم احتواؤها من خلال توفير كرافانات ألحقت بالمدارس التي تشهد اكتظاظاً ،ما ساهم بحلها.

الحلول جماعية

يرى رئيس المجلس المحلي لمدينة إعزاز التي كانت ميداناً من ميادين الوقفات الاحتجاجية التي نفذها المعلمون في ريف حلب الشمالي أن الحلول لن تأتي عبر الاحتجاجات، ويطرح بدلاً عن ذلك طريقتين، يقول إنهما أفضل ما يمكن اللجوء إليه من أجل انتشال الواقع التعليمي في الشمال المحرر من معاناته.

الأولى: تتعلق بالمنظمات العاملة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، والتي يجب أن توجه تركيزها على التعليم بدل "مشاريع لا طائل منها أو ليست أولوية الآن بالنسبة للمجتمع السوري"، إذ لا يمكن أن تجد بعد الطعام والشراب ما هو أكثر إلحاحاً من التعليم بالنسبة لهذا المجتمع اليوم.

وفي هذه النقطة يضيف أيضاً: هناك منظمات ميزانياتها تتجاوز المليون دولار في العام، وبعضها مليون ونصف المليون، وتعمل في مجال الدعم النفسي والنسويات والإرشاد الاجتماعي، لكن هل هذه المشاريع أكثر أهمية من التعليم في حالتنا ؟

وعليه، ينصح حاج حمدان أن تقدم المنظمات التي لديها المال دعماً مادياً مباشراً لقطاع التعليم في المناطق المحررة، وأن تقوم المنظمات الإغاثية بتخصص جزء معين من أعمالها لدعم المعلمين، عبر سلة إغاثية في الشهر على سبيل المثال، الأمر الذي سيخفف من العبء المالي الذي يعاني منه المدرس.

النقطة الثانية: تتعلق، كما يقول، بضرورة تحرير التعليم الخاص ورفع القيود المفروضة عليه في كثير من المناطق الخاضعة للجيش الوطني. وهنا يتساءل: ما هي المصلحة في منع المعاهد والمدارس الخاصة في مناطق مثل عفرين وجرابلس والباب وغيرها  من العمل ؟!

ويضيف حاج حمدان: هناك تلاميذ بحاجة للتقوية، وهناك أسر قادرة على تحمل التكاليف المادية، وهناك معلمون بحاجة إلى العمل الإضافي، وإذا سمحنا بهذا الأمر فنحن نساعد الطالب ونساعد المعلم في الوقت نفسه، ونجعله يستغني عن العمل خارج الاختصاص بعد الدوام.

المنظمات: الأمر معقد ! 

لكن مسؤولين عن عدد من المنظمات الناشطة في حقل التعليم أو غيره من القطاعات، يرون أن هذه النظرية التي يطرحها رئيس مجلس مدينة إعزاز "غير واقعية"، ليس لعدم وجود رغبة بتوفير دعم أكبر لقطاع التعليم في المناطق المحررة، بل لأن هذا القطاع مغطى بشكل مقبول مقارنة بغيره، وخاصة في مسألة الرواتب، ما يجعل من التدخل أمراً في غاية التعقيد.

وفي هذا الصدد يقول محمد جليلاتي، مسؤول البرامج في مؤسسة مداد، إحدى أهم المؤسسات الناشطة في دعم التعليم بالمناطق الخارجة عن سيطرة النظام: لا يمكن أن تطلب منا كمنظمات تخصيص قسماً من مواردنا لزيادة راتب أي فئة، بغض النظر عن طبيعة هذه الفئة، لأنه طالما هناك راتب يتوفر لها، فإن المنطق والواجب يحتم علينا البحث عن فئات أخرى لا تحصل على أي راتب من أجل مساعدتها، هذا في الحديث عن مسألة الدخل حيث المعيار الذي يدفعنا للتدخل هو "هل هناك راتب أم لا ".

ويتابع: حقيقة فإن الدخل الشهري الذي يحصل عليه المعلمون في مناطق سيطرة الجيش الوطني لم يعد كافياً، لكن يجب الإشارة إلى وجود منظمات عديدة تنشط في هذه المناطق لدعم المعلمين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، عن طريق أنشطة رديفة، أو التكفل بعدد معين من المدارس، إلا أن هذا لا يشكل حلاً بالشكل الذي يطمح له المدرسون ويسعون لتحقيقه من خلال احتجاجاتهم.

ويعقد جليلاتي مقارنة بين مناطق سيطرة الجيش الوطني والمناطق التي تديرها حكومة الإنقاذ، خاصة في ريف حلب الغربي، حيث الكثير من المعلمين لا يوجد جهة رسمية أو خاصة تقدم لهم رواتب ثابتة، ولذلك فإن المنظمات ترى أنهم أولى بدعمها وببرامجها.

وبهذا الصدد يتحدث عن برنامج أطلقته مؤسسة "مداد" في بعض قرى هذه المنطقة من أجل تحقيق التشاركية وتخفيف الأعباء، ويقوم البرنامج على أن تتكفل المؤسسة بالمبلغ نفسه الذي يتبرع به سكان أي قرية أو بلدة كرواتب للمدرسين فيها..فمثلاً المحلة التي تجمع خمسة آلاف تتكفل "مداد" بخمسة آلاف من جانبها، وهكذا أمكن تحقيق حلولاً جزئية وبسيطة لمشكلة كانت تسبب الأرق للأهالي.

الحكومة المؤقتة..عجز أم تعجيز ؟

يعلم الجميع أن وزارة التربية في الحكومة السورية المؤقتة باتت ومنذ وقت طويل خارج المعادلة بشكل شبه كامل فيما يخص إدارة القطاعات الخدمية في هذه المناطق، بما في ذلك قطاع التعليم، ولذلك لا تستطيع التدخل من أجل المساهمة في إيجاد حلول لهذه المشكلة.

أمر أكد عليه عدد من المسؤولين في الوزارة والمديريات التابعة لها، الذين اعتذروا في الوقت نفسه عن التحدث بأسمائهم الصريحة "بسبب حساسية الموضوع والإحراج الشديد الذي يسببه للحكومة والوزارة" حسب قول أحد المسؤولين فيها، الذي أضاف:

في الواقع إذا خرجنا وقلنا ليس لنا دور أو صلاحيات في هذه المناطق فسنتعرض للانتقاد، وإذا قلنا هناك دور لنا وصلاحيات فسنتعرض للهجوم وسنطالب بإيجاد حلول، لكن بصراحة نحن لا نستطيع التدخل، لكن لو منحنا الصلاحيات فبالتأكيد لدى الوزارة القدرة على معالجة ملف التعليم في المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني.

ويؤكد زميل آخر له أنه "منذ البداية تم التنبيه إلى أن هيمنة المجالس على ملف التعليم ستؤدي لمشاكل ونتائج خطيرة بسبب إقصاء الكوادر والخبرات ،والعمل بدون ضوابط"، وهذا ما حصل بالفعل، حيث ظهرت مشكلة المناهج ومشكلة الامتحانات ومشكلة الشهادات والآن مشكلة المعلمين والرواتب، وهذه لن تكون الأخيرة إذا لم يتم وضع حد لما يجري.

وحول إذا ما كانت الوزارة قادرة على معالجة هذا الواقع يقول: بالطبع نحن نمتلك التصور، ولدينا الخبرة اللازمة للقيام بذلك، ويكفي أن يكون للتعليم إدارة مركزية واحدة ليتحقق أول شرط من شروط المعالجة.

لكن هذا المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه أيضاً، يعترف أنه لن يكون بإمكان الوزارة تأمين رواتب المدرسين والكوادر التعليمية في هذه المناطق بحال عاد الملف لإشرافها وقررت المجالس عدم دفع الرواتب بالوقت نفسه، فالمجالس هي من تمتلك الموارد وهي من لديها الميزانيات، ولذلك يرى أن طريقة التعاطي مع هذا الملف من قبل بعض الأشخاص المتنفذين في بعض المجالس المحلية جعل منه معقداً بالفعل.

"أنا من لديه المال والموارد..وأنا من لديه الارتباط والتنسيق والعلاقات مع الجانب التركي..وأنا من لديه القدرة على التخطيط والتنفيذ والصرف، ومن يريد أن يستلم دفة الأمور، سواء وزارة التربية أو غيرها، فيجب أن يكون قادراً على تأمين الرواتب والمصاريف الأخرى التي تحتاجها العملية التعليمية..".

هذا هو لسان حال غالبية المجالس المحلية في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني على ما يبدو، لكن هذه المعادلة يرفضها المعلمون، وآخرون كثر غيرهم في هذه المناطق، الذين يقولون إنهم مصرون على مواصلة حراكهم السلمي واحتجاجاتهم المشروعة، إلى أن تتحقق مطالبهم في إصلاح العملية التعليمية، التي يكاد يتفق الجميع على أنها تتدهور في هذه المناطق دون أن يكون هناك أي رد فعل حتى الآن !!!

التعليقات (1)

    محمد الحمصي

    ·منذ سنتين 4 أشهر
    المجالس المحلية عم تاخد حصة من جميع مشاريع المنظمات وشركات النت والكهرباء وجميعهم لصوص حتى بتوزيع الإغاثة توجد محسوبيات لناس محسوبين على المجلس وأغلبهم أغنياء يأتون بالسيارات الفارهة ليأخذو حصص الإغاثة وأنا مهجر ولم آخذ إغاثة من سنتين وهناك كثير من الناس المهجرين حالهم كحالي
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات