السياسة الأمريكية نحو سوريا.. هل ثمة انعطافة ستشهدها؟

السياسة الأمريكية نحو سوريا.. هل ثمة انعطافة ستشهدها؟
انعقد في الأيام القريبة الماضية اجتماعٌ في مبنى الكابيتول الأمريكي (مجلس النواب)، ضمّ كلاً من أنس العبدة رئيس هيئة المفاوضات السورية، وهادي البحرة الرئيس المشارك في اللجنة الدستورية من قبل المعارضة، والسيدة بسمة قضماني بصورة افتراضية، مع مشرّعين أمريكيين، لمناقشة الوضع في سوريا، والدور الأمريكي المطلوب من أجل تنفيذ القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ الثامن عشر من كانون أول / ديسمبر عام 2015.

وكان أن وافق الكونغرس الأمريكي على قانون يطالب بالكشف عن ثروة بشار الأسد وعائلته وأقربائه، مانحاً إدارة جو بايدن مهلة 120 يوماً لوضع استراتيجية خاصة باتجاه سوريا.

وجاء في القانون أنه يجب أن يتمّ الكشف عن الدخل الناتج من الأنشطة الفاسدة أو غير المشروعة التي يمارسها النظام الأسدي مشدداً على ضرورة تشديد العقوبات بحقه.

القانون الأمريكي الجديد يستهدف أمرين اثنين، الأمر الأول يتعلق بالكشف عن نشاطات تورط فيها النظام الأسدي من خلال صناعة وترويج المخدرات وفي مقدمتها حبوب الكبتاغون. أما الأمر الثاني، فيتعلق بمقدار تحديد ما يدرّه مشروع المخدرات على النظام،ما يجعله دولة ترعى صناعة وترويج المخدرات في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط.

لكن القانون الأمريكي الجديد الذي يطالب وزارة الخارجية الأمريكية بتقديم تقرير مفصّل عن صافي ثروة الأسد وأفراد أسرته وأقربائه، إنما يريد حصار هذه الثروة، لشلّ يد النظام من استخدامها في تمويل أعماله الإرهابية بحق الشعب السوري ومنعه من التملص من تنفيذ القرار 2254.

إن الاستدارة الأمريكية نحو وضع النظام الأسدي والآتية من الكونغرس (اجتماعه مع رموز المعارضة، وإصدار قرار حول ثروة الأسد وأقربائه) يراد منها تحقيق أهداف متعددة في آن واحد، فالكونغرس الذي يراقب عمل الحكومة الأمريكية وجد أن هذه الإدارة لا تطبّق مضمون قانون العقوبات الأمريكي (قانون قيصر) بحق نظام الأسد، ولهذا ذهبت إلى تشددٍ حيال نظام الأسد من خلال الكشف عن ثروة رأس النظام وأسرته وأقربائه ومصدر هذه الثروة.

كذلك فالاستدارة الأمريكية تذهب إلى وضع إدارة بايدن أمام مسؤولية وضع سياسة واضحة نحو ملف الصراع السوري، والعمل على الحل السياسي، ويبدو أن ملامح سياسة أمريكية جديدة بدأت أولى مؤشراتها من خلال توحيد منظمات سورية أمريكية في إطار واحد لتلعب دوراً في أهداف الاستدارة الأمريكية.

إن ملف المخدرات الذي ينشط فيه نظام الأسد، تقف خلفه الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق رأس النظام العميد ماهر الأسد، والذي يُحسب على إيران نتيجة تلقيه دعماً إيرانياً غير محدود، بغية جعل الفرقة الرابعة جزءاً منفّذاً للسياسة الإيرانية في سوريا، تحقيقاً لمشروع هيمنتها على القرار السياسي والعسكري السوري، وجعل الشقيقين الأسدين (بشار وماهر) مجرد واجهة لتحكمها بالوضع السوري، من أجل تحقيق مشروعها (الهلال الشيعي)، الذي يجعل من طهران مركزاً رئيسياً للسياسة والاقتصاد الإقليمي، ويجعل من أنظمة الحكم في بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء مجرد توابع سياسية له.

إذاً يمكن اعتبار أن قانون الكشف عن ثروة الأسد ومصادرها لا يقف عند هذه الثروة فحسب، بل يذهب إلى حصار إيران مالياً من خلال تسهيلات تجارة المخدرات التي تنهض بها الميليشيات التابعة لها في دمشق وبيروت، فالكشف عن هذه الثروة يعني الكشف عن دور إيراني في هذه اللعبة الخطرة.

القانون الأمريكي لم يقل صراحة إنه يستهدف إيران وسياستها في الإقليم، ولكنه يستهدف أهم أذرعها في دمشق، فحين يتمّ الكشف عن ثروة الأسد وأقربائه، فهذا يعني وضعه في جدول المحاسبة الأمريكية، والانتقال إلى وضع استهدافه مالياً، ومن ثمّ استهدافه سياسياً وعسكرياً بصورة غير مباشرة.

استهداف النظام في ثروته يعني رسم استراتيجية تجفيف مصادر دخله، التي يستخدمها في الحرب القذرة ضد الشعب السوري، هذا التجفيف يتطلب معرفة كل ما يتعلق بهذه الثروة الأسدية وطرق إدارتها، والأشخاص القائمين على هذه الإدارة نيابة عن آل الأسد.

إن تجفيف مصادر الدخل لدى نظام الأسد سيمنعه بالضرورة من القدرة على تمويل عملياته العسكرية، في وقت بلغ الوضع الاقتصادي لديه في أسوأ أحواله منذ تبوّئه للسلطة عام 1970.

النظام الآن عاجز عن توفير الحد الأدنى من مستوى العيش للسوريين الذين يعيشون في مناطقه، بما فيهم حاضنته الرئيسية (الطائفة العلوية) التي تدفع ثمن ارتباطها بنظام الأسد جوعاً وفقراً وضحايا من أبنائها.

إن تجفيف مصادر ثروة النظام ودخله، يعني من جهة أخرى تحميل حلفاء النظام (إيران وروسيا) مسؤولية توفير الأموال له من أجل استمراره كنظامٍ يحقق للطرفين الخارجيين مكاسب سياسية واقتصادية على حساب الشعب السوري.

ولكن هل يستطيع الإيرانيون تقديم أموالٍ داعمة لحليفهم الأسد، ليبقى في واجهة الحكم في البلاد، وانتظار تعويمه دولياً، أو للبحث عن بديل موازٍ له يحقق لهم أهدافهم؟ إن الجواب على ذلك واضح، فالإيرانيون الذين يدعون أن نظام الأسد مدين لهم بأكثر من خمسة وعشرين مليار دولار، لن يستطيعوا تقديم دعم كبير له في ظل نظام عقوبات غربية مطبّق بحقهم.

أما الروس، فهم يعرفون أن منافساً كبيراً وخطيراً يهدّد مصالحهم في سوريا على المديين المتوسط والبعيد، ألا وهو المنافس الإيراني، والذي لا يزال قيد مربع التفاهم المؤقت والتكتيكي معهم، ولكن سيكون في حالة تناقض مع مشروعهم، لأن المشروع الإيراني يريد تحويل سوريا إلى قاعدة ارتكاز لهيمنتهم على هذا البلد.

الروس هم أيضاً يخضعون لسلسلة من العقوبات الأمريكية والغربية، ويدركون أن قانون قيصر يطارد أية مؤسسة تخرق الحظر الأمريكي على الاقتصاد السوري، ولهذا فهم لا يستطيعون لفترة طويلة دعم نظام الأسد مالياً، وهم سيرون في الكشف عن ثروات الأسد وطرق إدارتها سبيلاً أمريكياً للإطباق على النظام اقتصادياً، ما سيشلّه عسكرياً لعدم قدرته على تمويل عملياته العسكرية بمفرده.

إن قانون الكشف عن ثروات الأسد وأقربائه، مع مطالبة إدارة بايدن بوضع استراتيجية حيال الوضع السوري، إنما يمثل خطوة أولى في بدء التمهيد لرحيل نظام الأسد، وفرض التغيير السياسي وفق القرار 2254، هذا التمهيد يستمد قوته ومشروعيته من العجز المتوقع بدعم مالي من قبل الروس والإير انيين للنظام الأسدي، وهو ما سيدفع النظام إلى تقديم تنازلات كبرى، يحاول من خلال تقديمها تجنيب نفسه محاكمات دولية محتملة، بسبب ارتكاب نظامه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

والسؤال: هل ستنفّذ إدارة بايدن قرار الكونغرس ضمن المهلة المحددة لها؟ وهل يمكن القول إن انعطافة جديدة بمسار السياسة الأمريكية في سوريا ضد النظام وحلفائه قد بدأت؟ الجواب تحمله نهاية المهلة الممنوحة لإدارة بايدن من قبل المشرّعين الأمريكيين في الكونغرس.

التعليقات (2)

    Samir Twair

    ·منذ سنتين 4 أشهر
    تحليل ممتاز. يعطيك العافيه اخ أسامة أبو وائل

    كيف يمكن لصهيوني يكرهك ويقتل الاطفال والمدنيين ان يكون انسايا

    ·منذ سنتين 4 أشهر
    بايدن اصلا هو مجرم حرب واوباما اسخف منو، كيف يمكن للماسونية والصهيونية ان تكون مع الاطفال والمدنيين. حقوق الانسان، اصلا هم يريدون قتل البشر لانهم ليسوا بشر بل حيوانات
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات