دير الزور بعد درعا في دائرة المصالحات والتسويات

دير الزور بعد درعا في دائرة المصالحات والتسويات
تتسارع الأحداث السياسية على مستوى العالم  ويهرول خلفها نظام بشار الأسد الذي يتلقى الجرعة تلو الأخرى ، تارة من الأنظمة العربية ، وتارة أخرى  من الإيراني ، وعلى الدوام  من  الروسي الذي أخذ على عاتقه مهمة إطفاء شعلة الثورة وكتم صوتها ، وإنجاز التسويات والمصالحات التي فتح لها مركزاً خاصاً بها في قاعدة حميميم وفروع متفرقة في المحافظات، وعيّن ضباطاً مسؤولين عن تنفيذ التسويات من حلب إلى الغوطة ومن حمص إلى القلمون ثم درعا، وصولاً  إلى المنطقة الشرقية في دير الزور. 

لذا فإن دير الزور جاءت المحطة التالية بعد درعا التي انطلق إليها رئيس اللجنة الأمنية اللواء حسام لوقا برفقة الجنرال الروسي ذي الأصول الشيشانية، بالتزامن مع الحملة الإعلامية الواسعة التي روجت لها الماكينة الإعلامية في  نظام الأسد وصورتها على أساس أنها عرس جماهيري ، كما هي الأسطوانة المشروخة التي تحمل على الدوام عنوان المكرُمة من سيد الوطن بتسوية أوضاع المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية والفارين ومن لديهم وضع أمني من أهالي محافظة دير الزور. 

وبعد أن انتهت التسويات في درعا سارع رأس النظام بشار الأسد  إلى إصدار قرار بإنهاء المهمة الرسمية للجنة الأمنية بدرعا برئاسة اللواء حسام لوقا وعضوية اللواء علي محمود نائب قائد الفرقة الرابعة واللواء محمد أسعد والعميد لؤي العلي رئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية ، وعين بدلاً عنهم اللواء مفيد حسن قائد الفيلق الأول رئيساً للجنة الأمنية بدرعا.

لم تنتظر اللجنة الأمنية كثيراً بعد الانتهاء من حصار درعا البلد وفرض التسوية الثانية في السادس من أيلول 2021. والتي سبقتها تسوية أولى في آب 2018 ، والتي نصت على تثبيت وقف إطلاق النار وتسليم السلاح و تفتيش المنازل ورفع علم نظام الأسد في أحياء درعا وفوق مؤسساتها ومبانيها الحكومية والمدنية ، و إخفاء رموز المعارضة لنظام الأسد في درعا البلد وإزالة الشعارات والكتابات على الجدران ، وبعد ذلك فُرض على الأهالي بالكف عن الكلام أو والأفعال المعارضة لنظام أسد .ونشر حواجز قواته في أحياء درعا البلد. مستغلاً الضوء الأخضر الأمريكي الذي رافق قرار خط الغاز الذي سيمر من سوريا لإرساء سيطرته على الأرض. 

اللجنة الأمنية في دير الزور 

تسارعت خطى اللجنة الأمنية باتجاه دير الزور لأسباب كثيرة جَلُها استغلال الوضع الدولي وموقف الإدارة الأمريكية التي سمحت بإعادة تعويم نظام أسد وإعادته الى الساحة الدولية ، إضافة إلى الوضع الميداني القائم على الأرض من توترات بين الجيش الوطني وميليشيا قسد والتحشدات على جبهات ونوايا القوات التركية الحليفة  للجيش الوطني  للهجوم على قسد ، لذلك تم تحديد الوقت  من أجل سحب الكثير من أبناء المنطقة الشرقية من صفوف قسد للانضمام لقوات نظام أسد ووضع أبناء المنطقة تحت الأمر الواقع، لأن معظم أبناء المنطقة تم استدراجهم لصالح قسد، والبعض الآخر إلى خلايا نائمة لصالح إيران ، لذا كانت رغبة الروسي ونظام أسد الاستحواذ على ما تبقى منهُم لِضَمهِ الى ميليشياته وتهجير الرافضين إلى الشمال السوري لكنها واجهت عقبات كثيرة من أبناء المنطقة الرافضين للمصالحة مع نظام قَتلَ أهلهم وأوغلَ في دمائِهم.

وبالفعل تكرر مشهد التسويات في دير الزور وفق السيناريو الذي عصف بكل المدن والقرى والبلدات والمحافظات السورية ، فالروسي هوَ المدير صاحب القرار الذي يهدد ويتوعد لمن لا يريد المصالحة بالتهجير القسري إلى إدلب أو القصف بالطيران الروسي، بينما اللجنة الأهلية المركزية للمصالحات في دير الزور عملت كمراسل بين اللجنة الأمنية و الروسي من جهة  والأهالي من جهة ثانية، ولقد ضمت لجنة المصالحة في صفوفها  أمين فرع الحزب ووجهاء العشائر الذين عَملوا مُيسرين  بين طرفين.  

لقد رافقَ حملة التسويات في دير الزور نشاط دبلوماسي خارجي، فالأمر لم يقتصر على أمر التسويات في الداخل بل تعداه إلى الخارج حيث نَشط ضباط روس في السفارة الروسية بلقاءات سرية واتصالات مكثفة وواسعة  مع ضباط الصف الأول من ضباط الأمن والشرطة المنشقين عن نظام أسد من أبناء المنطقة الشرقية خارج سوريا، حيث روّجت روسيا وأوهمت الضباط ممن أرادت جَرهم باتجاه التسويات بأن هناك توافقاً كبيراً سيتم العمل عليه من منبج إلى ذيبان إلى الشحيل الى ناحية الصور وتوابعها ومن الشرق ، وغرباً من جزيرة ميلاج إلى ناحية البصيرة ، وتوافق على شرق الفرات أشبه بالعمل الفيدرالي ، وكما روجت أيضاً بأن العمل جارٍ بالاعتراف بقسد كـــ مكون من القوة العسكرية التابعة للنظام ويتضمن الاتفاق على أن تبقى قوات سوريا الديمقراطية تحت مسمى الجيش الشعبي، ويكون لقسد دعم خاص من الروس و تفعيل الدورات العسكرية للضباط الموافقين للانضمام إلى قوات قسد التي سيغير اسمها لاحقاً إلى مسمى الجيش الشعبي ، لكنها الحقيقة ستبقى قسد في النهاية مهما تلونت كالحرباء ، الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني. وكما شرحت اللجان الأمنية الوسيطة بأن إعادة إعمار المنطقة سيكون خلال مدة لا تتجاوز عامين، وهذا أيضاً حسب ادعاءات حسام لوقا والجنرال الروسي.

لا تزال الاجتماعات تجري في محافظة الرقة بين الروس وقسد وسط إصرار قسد على الاحتفاظ باستقلاليتها أمام الضغط الروسي عليها للانضواء تحت جناح نظام أسد.

ومن تداعيات هذه المعطيات توقيف دعم المشفى الجراحي بالشحيل والسبب هو الضغط على أبناء المنطقة الذين أصبحوا أكثر الناس هروبا إلى أوروبا خوفاً من الملاحقات والتجنيد الاجباري.   

بالإضافة إلى أن روسيا أوصلت رسالتها إلى العشائر بأن هذا العمل متوافق عليه بين الروس والأمريكان وعلى أساس ذلك  سيتم تسوية أوضاع الجميع من المنشقين وعلى أثرها جرت اللقاءات مع بعض الشخصيات في دير الزور ممن يعملون بالمصالحات للتنسيق مع أبناء المنطقة مع اللواء حسام لوقا.

لقد سبق إطلاق هذا المسار تنسيق و مشاورات مع شيوخ عشائر كالبكارة و شيوخ البوسرايا كغطاء عشائري عبر هذه الشخصيات المذكورة ، وبإشراف من كبار الشخصيات الأمنية في مقدمتها رئيس إدارة المخابرات العامة اللواء حسام لوقا.

لكن ما كان يفكر به لوقا والروس لم يسفر سوى عن خيبة أمل ، حيث لم تصل التسويات إلى البوكمال ولا إلى الميادين ولا إلى أريافها ، كما كانوا يخططون لها، و لِتهدئةِ البادية أيضاً التي شهدت هجمات أوقعت بهم خسائر فادحة ، والأدهى من ذلك عدم تسجيل أية واقعة مصالحة في  المراكز  التي افتتحوها على أطراف بادية تدمر، تزامناً مع ازدياد قتلاهم .  

أما على الصعيد الإيراني فإن الحصة التي حصلت عليها إيران في المنطقة الشرقية الحدودية مع العراق ، فهي تعارض من جانبها و تعمل على إفشال هذا التوافق لأن إيران عملت على ترتيب المنطقة من البوكمال إلى الميادين إلى دير الزور وهي في طور إنشاء الهيكل التنظيمي العسكري في المنطقة و تخاف على خسارة خلاياها النائمة من الشباب والفتيان الذين دربتهم وعبأتهم عقائدياً.   

أما على صعيد السيطرة الميدانية فإن قوات بشار الأسد ليست هي صاحبة القرار الوحيد في  محافظة دير الزور ، فهي تحتفظ بمفارز أمنية متفرقة وتتشارك مع "قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من التحالف الدولي في السيطرة والنفوذ .

لقد فوجئ الكثير من الشبان في دير الزور الذي وقعوا على التسويات بحملة اعتقال واسعة على أبناء دير الزور ، ما حدا بهم للهروب خارج المنطقة علماً أن معظم الشبان الذين وقعوا على المصالحة هم ممن يتقاضون رواتب من إيران ويعملون لصالح إيران في القواعد المنتشرة على أراضي دير الزور ولديهم بطاقات أمنية من الميليشيات الإيرانية تعفيهم من المساءلة أمام حواجز نظام أسد وعدم سوقهم للتجنيد الإجباري ، والمفاجأة الكبيرة أن ما نسبته 20% هم الذين حضروا في مركز المصالحة والتسوية ممن لديهم قضايا جنائية ، والبقية من الذين حضروا هم من الشبيحة ولجان الدفاع الوطني والاختيارية كبار السن ، ومن العناصر الذين ينتسبون للأمن العسكري والحرس الجمهوري والمفارز الأمنية الأخرى.

لقد كانت بداية انطلاقة خطة المصالحات في المنطقة الشرقية بدأت بإحدى الدول العربية في الشهر الثامن خلال اجتماع ضم مجموعة ممثلة بالروس ومعهم أحد كبار المعارضين السابقين من أبناء الحسكة ، وفريق عمل مكلف من قسد بإشراف وفد حكومي من الدولة العربية المضيفة مؤلف من ثلاثة أشخاص  بالإضافة إلى شخصيات عسكرية من الضباط ومدنيين من أبناء المنطقة الشرقية، والذي كانت نتيجته تكليف الملحق العسكري في السفارة الروسية للقاءات مع شخصيات عشائرية من أبناء المنطقة الذين يقيمون في دول اللجوء التي تستضيف السوريين . كما حصلت لقاءات تشاورية ولم يتم الإفصاح عن هذه  الأسماء وبقيت الأسماء طيّ الكتمان وجلهم من المدنيين وتلك اللقاءات جرت لأكثر من مرة خارج أراضي الجمهورية وعلى شكل منظمات أو جمعيات تساعد اللاجئين.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات