أول أمس السبت 11 ديسمبر/ كانون الأول، قُتل الطفلان علي حسين العلي 9 سنوات، وزكريا فيصل العبد 8 سنوات، وأصيب الطفلان "محمد فيصل العبد" 8 أعوام، ومحمد رسول حسين العلي 8 أعوام، وذلك نتيجة انفجار لغم أرضي في حيّ الصناعة بمدينة دير الزور أثناء لعبهم.
وأتى هذا الحادث بعد يوم من حادثة مماثلة في حويجة بلدة مراط شرق دير الزور، إذ انفجر لغم أرضي بثلاثة أطفال ما أدى لمقتل الطفل محمد خلف الكلوت 10 سنوات، وإصابة شقيقه عبود خلف الكلوت 11 عاماً، والطفل محمد أحمد الرومي 11 عاماً.
الجميع بانتظار الموت.. ولا حياة لمن تنادي
الناشط المدني ابن مدينة دير الزور "أبو الحارث الديري" قال لأورينت: "لا يكاد يمر أسبوع في مدينة دير الزور إلا ويسقط فيه ضحايا نتيجة انفجار ألغام أرضية أو مقذوفات حربية قديمة من مخلفات المعارك، وأغلب الضحايا وللأسف من الأطفال والنساء، وبالذات في المناطق التي تحصّن فيها تنظيم (داعش) قُبيل هزيمته".
وتابع أبو الحارث: "أخصُّ هنا مناطق ريف البوكمال والمناطق المُسماة سابقاً (جيب هجين) والتي تتكون من هجين، والشعفة والسوسة والباغوز، حيث يسقط أغلب الضحايا في هذه المناطق بالذات".
وعلى الرغم من مرور عامين كاملين على سيطرة ميليشيا "قسد" على مناطق الجزيرة في دير الزور إلا أن الألغام ومخلفات الحرب بين داعش وقسد لا زالت تملأ المكان حتى اليوم، ولا حياة لمن تُنادي، يقول أبو الحارث: "على الرغم من جميع التصريحات التي تتبجح بها تلك الميليشيا عن إزالة مخلفات الحرب في دير الزور، إلا أنها لا تخرج عن نطاق الأكاذيب، حيث أوقفت ميليشيا (قسد) في شهر يوليو/تموز الماضي من العام الجاري فرق الهندسة التابعة لها عن العمل، وذلك بحجة توقف الدعم من التحالف الدولي، على الرغم من وجود مئات البلاغات التي تصل لمقرات الميليشيا من قبل الأهالي في نواحي هجين والشعفة والسوسة والباغوز".
خلال الشهرين الماضيين تم توثيق مقتل 7 أطفال وإصابة 10 آخرين في بلدات مراط، وحوايج ذياب، والجلاء وحيي هرابش والصناعة في مدينة دير الزور، ويمكن القول إن أعداد ما تمّ توثيقه عبر ناشطين خلال الأشهر الست الماضية يتخطى الـ 35 شخصاً بين قتيل ومصاب ببتر أطراف، وحتى اليوم لا تزال عمليات خلايا تنظيم "داعش" التي تستهدف عناصر قسد تشكل كابوساً يُرهق المدنيين في دير الزور، فأغلب تلك العبوات الناسفة يذهب ضحيتها المدنيون.
أسد شريك بالجريمة
لا تقفُ الأمور عند ضحايا معارك داعش وقسد، فلا تزال مخلفات قصف الاحتلال الروسي وقصف ميليشيا أسد تحصد أرواح المدنيين، وتمّ توثيق عشرات الحالات من الذين قضوا أو أصيبوا نتيجة انفجار مقذوفات حربية روسية أو مقذوفات لميليشيا أسد، وخصوصاً في مدينة دير الزور ومدينتي الميادين والبوكمال، وكذلك لا تزال بعض ميليشيات النظام تقوم بعمليات تلغيم مستمرة لبعض المناطق سواء في المناطق الحدودية مع ميليشيا "قسد" و على شاطئ الفرات، وكانت أورينت تحدثت بتاريخ 2 أكتوبر تشرين الأول عن عمليات تلغيم قام بها جيش الأسد طالت شاطئ نهر الفرات في مناطق البغيلية والشميطية والخريطة بريف دير الزور الغربي، وكذلك أجزاء من الشاطئ الفاصل بين بلدة خشام الخاضعة لميليشيا قسد من جهة، ومنطقة مظلوم وهي بلدة خاضعة لسيطرة ميليشيا أسد.
ليست الألغام وحدها ما يفتك بأهالي المحافظة، فالتلوث يفعل فعله أيضاً هناك، حيث تشهدُ محافظة دير الزور نسب تلوث مرتفعة سواء في المياه أو في الهواء، والموضوع يُنذرُ بكارثة إنسانية حقيقية مُستقبلاً، إذ تُشكل عمليات تهريب النفط عبر نهر الفرات التي تقوم بها ميليشيا قسد وبعض التجار التابعين لكوادر من PYD السبب الرئيسي لتلوث مياه الفرات، الذي يعتبر شريان الحياة لمحافظة دير الزور، وتمّ توثيق عشرات حالات التسمم لمدنيين في مناطق عدّة، ويؤكد الناشط محمد الخالد من محافظة دير الزور أنّ معابر تهريب النفط عبر نهر الفرات والتي تُشرف عليها قيادات من ميليشيا قسد والتي يتم من خلالها تهريب النفط لمناطق سيطرة ميليشيا أسد، تُعتبر أسوأ كابوس يعيشه المدنيون في دير الزور، يقول الخالد: "مياه نهر الفرات أساساً ضحلة جداً بسبب السدود التركية، ومستوى مياه النهر منخفض بشكل كبير وتاريخي، ولم يسبق أن حصل انخفاض كهذا، وأغلب محطات مياه الشرب متوقفة وخارج الخدمة بسبب عدم تفعيلها من قبل ميليشيا الإدارة الذاتية التابعة لــ PYD بسبب انخفاض مستوى النهر".
وأضاف الخالد: "إن وجدت محطة تعمل بشكل جيد فالمياه بها ملوثة وبطعم النفط. وثقنا عشرات حالات التسمم بفعل المياه الملوثة، أكبرها كان في بلدات الباغوز والكشكية وصبيخان والجلاء ومدينة العشارة".
ليست المياه وحدها التي تلوّثت بفعل عمليّات نقل النفط غير الشرعيّة، فالهواء له حصّته من التلوث بفعل تلك العمليّات، وبُعيد سيطرة ميليشيا قسد على 70% من آبار النفط في شرق وشمال سوريا باتت "حراقات النفط" البدائية هي المُنتِج الوحيد للمحروقات في مناطق سيطرة ميليشيا قسد، سواء في دير الزور أو في الحسكة، وباتت سبباً رئيسياً للتلوث وانتشار الأمراض، ويؤكد أحد الأطباء هناك فضّل عدم الكشف عن هويّته وصول عشرات الحالات للمشافي لأشخاص يعانون من أمراض تنفس وبعضهم في ريعان الشباب وغير مُدخِّن، والسبب هو التلوث والدخان الذي لا يتوقف والذي بات يفسد الهواء، يقول الطبيب: "لا يوجد من يستطيع منع هذا العمل، خصوصاً أنه برعاية ميليشيا قسد، ويعتبر باب الرزق الوحيد لمئات الناس ويعمل فيه أغلب السكان، للأسف لا يوجد هناك وعي لدى الناس بخطر هذا العمل، أو حتى خطر الموت به، وللأسف أيضاً أغلب العمال في هذا المجال أطفال دون سن الـ 17، ولا يجدون غير هذا العمل كمصدر رزق لذويهم".
وفي شهر أكتوبر تشرين الأول من العام الجاري أصدر أهالي بلدة "الصعوة" بريف دير الزور الغربي الخاضعة لسيطرة ميليشيا قسد قراراً يقضي بمنع تشغيل حراقات النفط بالقرب من بلدتهم وطرد كل أصحاب الحراقات بعيداً عن منطقتهم، وجاء القرار حسب ناشطين بفعل الارتفاع الكبير في عدد الإصابات بالأمراض التنفسية خصوصاً الأطفال الرضع، وازدياد الوفيات لدى الحيوانات والمواشي، بسبب تعرضهم للدخان الناتج عن عمليات حرق النفط، إضافةً لتضرر المحاصيل الزراعية في المنطقة واكتسائها بالسواد وموتها.
التعليقات (0)