اللافت، أن مؤتمر مجموعة أصدقاء سوريا، ينعقد لنصرة الشعب السوري، والذي يمتلك تعبيراته السياسية المعترف بها دولياً، ولكن دون أن تحضر هذه التعبيرات هذا المؤتمر، (مثل ائتلاف قوى الثورة والمعارضة وهيئة المفاوضات السورية)، وهذا يعني أنّ تغييب أصحاب القضية والشأن السوريين عن هكذا مؤتمرات، هو عمل مخطط له من قبل المجموعة الغربية.
إن تغييب المعارضة يمكن تسميته "وصاية سياسية" على هذا الشعب، هذه الوصاية تجد أساسها في طريقة تشكيل بنى قوى الثورة والمعارضة بصيغتها الرسمية، فالمؤسسات التي تمثّل هذه القوى، لم تتم عملية اختيارها من الشعب السوري بهياكله المختلفة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، بل تمّ تشكيلها وفق تدخلاتٍ ممّن يسمّون أنفسهم (أصدقاء الشعب السوري).
ولكن، يجب الاعتراف أن قوى المعارضة لا تمتلك مقدرة على قيادة الحاضنة الشعبية للثورة السورية، فلو كانت تمتلك ذلك، لاستطاعت فرض رؤيتها السياسية بما يخدم السوريين من خلال قيادتها لفعاليات هذه الحاضنة، ومن خلال استقلالية قرار الفصائل العسكرية، التي ينبغي أن تتبع لها، ما يسهِّل عليها، أن تكون طرفاً رئيسياً في قضيتها، وفي مجموعة أصدقاء سوريا.
لقد دعا البيان إلى تنفيذ جميع جوانب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الصادر بتاريخ 18 ديسمبر / كانون الأول عام 2015، دون أن يفصح عن استراتيجيته لتنفيذه، أو عن وضع خطة عمل ملموسة للضغط المباشر وغير المباشر على نظام الأسد وحلفه، بل اكتفى بترديد نفس العبارات غير الحاسمة، وغير الدقيقة، بشأن تنفيذ القرار المذكور، لإرغام النظام الاستبدادي وحلفه على تطبيق هذا القرار.
الأمريكيون من جهتهم قالوا في بيان صادر عن البيت الأبيض، "إن الحاضرين أعادوا التأكيد على دعم وحدة سوريا وسلامة أراضيها، ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله ومظاهره، ودعم تنفيذ كافة جوانب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، بما في ذلك الوقف الفوري لإطلاق النار على صعيد البلاد، والإفراج عن المعتقلين بشكل تعسفي، وإيصال المساعدات دون عوائق وبشكل آمن".
إن العبارات التي وردت في سياق البيانين (بيان بروكسل وبيان البيت الأبيض) لم تنصّ بصورة صريحة على تنفيذ جوهر القرار الدولي المذكور، والمتعلّق بتشكيل هيئة حاكمة انتقالية، تتكون من أشخاص من المعارضة، وأشخاص من النظام الاستبدادي، لم يتورّطوا باستباحة دماء السوريين.
كذلك، لم ينصّ البيان على تقديم خطة بخصوص مفاوضات اللجنة الدستورية في جنيف، فاسحاً المجال لمزيدٍ من تهرّب النظام من استحقاقات الحل الدولي، والدليل على ذلك، أن ستّ جلسات من مفاوضات "الدستورية" لم تثمر عن أي تقدمٍ نحو صياغة مسوّدة دستور انتقالي مؤقت.
الاجتماع لم يأتِ على قاعدة مستجدّات سياسية، أو توافقات بين الروس وحلفهم من جهة، وبين الولايات المتحدة وحلفها من جهة أخرى، بل أتى بتوقيته تعبيراً عن الحاجة إلى ممارسة ضغوط مسبقة بشأن إدخال المساعدات الإنسانية إلى أنحاء سوريا، عبر منافذ حدودية، ولا سيما أن موعد اجتماع مجلس الأمن بشأن المساعدات اقترب وقته، وهناك تصريحات روسية حول عرقلة تمديد تنفيذه لستة أشهر قادمة.
إن الأهداف التي رسمها بيان بروكسل، يمكن القول، أنها أتت أدنى بكثير من جوهر القرار الدولي 2254، فهذه الأهداف تمّ فيها تغييب الحاجة لانتقال سياسي في سوريا لا يكون الأسد جزءاً من الحل فيه، باعتبار أنه هو المشكلة الكبرى في البلاد، وكذلك أظهر البيان أن ما تعلنه الإدارة الأمريكية هو غير ما تفعله.
إن القول بتنفيذ القرار 2254 بجميع جوانبه، يحتاج من مجموعة أصدقاء سوريا، الذين تقودهم مرحلياً إدارة جو بايدن المتراخية حيال قضية الحل السياسي في سوريا، يحتاج إلى صلابة بالموقف، تتمثل بمزيد من تطبيق العقوبات والضغط السياسي والدبلوماسي على نظام الأسد.
إن ذهاب الولايات المتحدة الأمريكية إلى السماح بتمرير خط الغاز القادم من مصر إلى لبنان عبر الأردن وسوريا (وهو غاز إسرائيلي وفق تسريبات سياسية)، والسماح بإيصال الكهرباء الأردنية عبر سوريا إلى لبنان، هو ذهاب باتجاه تقديم رِشًا لمصلحة السياسة الإيرانية، على حساب الشعب السوري، لنظام تطبّق بحقه عقوبات قانون (قيصر) الذي سنّه الكونغرس الأمريكي بمجلسيه (الشيوخ والنوّاب).
الولايات المتحدة الأمريكية لا تولي القضية السورية اهتماماً خاصّاً، أي لا تشكّل لديها أولوية سياسية، بل هي تربط حلّ هذه القضية من خلال حلّ ملفات صراعية أخرى لها، سواء مع إيران وبرنامجها النووي، أو مع روسيا والصراع حول أوكرانيا وقضايا صراعية أخرى.
أما بالنسبة للموقف الأوروبي، فهذا الموقف لا يزال غير متمتع باستقلاليته السياسية، بل يتسم بتبعيته للهيمنة الأمريكية، وهذا يعني تعطّل أي مبادرات أوروبية ذات قيمة سياسية، ولا سيما أن الأوربيين هم من يدفعون فواتير الصراع في سوريا، على صورة أنهم جهة رئيسية كمقصد للجوء والهجرة.
إن الموقف الأوروبي ليس واحداً حيال الملف النووي الإيراني، وهو كذلك يتفارق عن المقدمات التي تسوقها الولايات المتحدة حيال هذا الملف، فالفرنسيون يحبّذون بقاء علاقات سياسية واقتصادية ذات جدوى مع إيران، من منطلق براغماتي محض.
أما موقف الدول العربية الأعضاء في مجموعة أصدقاء سوريا، فيمكن وصفه بأنه موقف لا يمتلك قوة تأثير فعّالة داخل هذه المجموعة، لا بل إن بعض الدول ذهبت إلى فتح علاقات مع نظام الأسد، دون الاهتمام بتأثير ذلك على تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، ومن هذه الدول الأردن.
إن مؤتمرات مجموعة أصدقاء سوريا ليست ذات فعالية حقيقية، فما الذي أنجزته هذه المجموعة على صعيد الحل السياسي للقضية السورية منذ تأسيسها وحتى اللحظة؟، إنها لم تفعل غير تقديم بروبوغاندا إعلامية، وتقديم مساعدات إنسانية، دون الالتفات إلى ممارسة ضغوط حقيقية على النظام السوري وحلفه.
وفق هذه الرؤية، ينبغي على قوى الشعب السوري أن تعيد برمجة مواقفها ورؤاها، وانتزاع قرارها الوطني، وسيادتها على هذا القرار، عبر عقدها مؤتمراً وطنياً شاملاً، تكون من مخرجاته اختيار قيادة وطنية شاملة تتصدى لحمل قضية الخلاص من الاستبداد، وبناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية، قيادة تفرض على مجموعة أصدقاء سوريا وضع استراتيجية حل ملموس للقرار 2254.
التعليقات (5)