المساكنة بوصفها زنا: هل غدت مراكز الأبحاث سلاح المزورين والمتسلقين؟!

المساكنة بوصفها زنا: هل غدت مراكز الأبحاث سلاح المزورين والمتسلقين؟!
إننا لو شئنا أن نقلب حقائق الواقع وندلس عليها، لفعلنا ذلك خدمة لمصالحنا الشخصية ولاعتبارات الطاعة والمال والنفوذ، ولكن المسألة مسألة أخلاق عالية وضمير واع بضرورات المرحلة، وإن أخذنا بالقلم لا يمكن أن يكون حالة من الرفاهية والمتعة، كما يظن كثيرون، بل حالة من التجرد والوقوف عند الحق والعقائد السامية، وإيماناً منّا بأن للكلمة التي تخرج بقصد أو بغير قصد، دفاعاً عن مصلحة شخصية أو جماعية، مفعول وارتدادات، فصاحب الكذب والكلمة السيئة مسؤول، كما صاحب الصدق والكلمة الحسنة.

نظرية التفاهة.. حقيقة لا خيال!

 نظرية اجتماعية ابتكرها المفكر الكندي "آلان دونو"، وإن كان سبقه آخرون مثل الأديب "ميلان كونديرا" في الإحاطة بشيء من مقتضى فهم التفاهة في تحليلاته.  ويرى دونو في كتابه: "نظام التفاهة" أن نظام التفاهة يتفرع ويتمدد ويسيطر على كل الأنظمة والمجتمعات، ويبدأ بالأفراد المرضى الموبوئين وبجذور اقتصادية وثقافية، وفنية وأدبية وسياسية، هدفها السيطرة وتسليع كل شيء، بل إنها تصل إلى إنجاز حقائق وهمية باسم التقسيم، القدرة والطاعة والولاء والنظام وفيها يتوجه الفرد بصبغة معينة في داخل حلقة التفاهة فنجد وفق كثيرين، التافه الرافضي: الذي يعتنق رفض نظم التفاهة ويكون على الحياد التام – التافه بحالته الطبيعية: وهو الإمّعة إلى حد ما – التافه المتعصب: وهو كبش الفداء الذي يضحي بكل ما يملك في سبيل نظام التفاهة، أملا بتحصيل شيء من فتات المنصب والسلطة والمال – التافه المجاري: وهو الذي لا حول ولا قوة له في رد التفاهة ومروجيها – وأخير التافه المتهور: وهو الذي يأخذ موقفاً سلبياً في رفض التفاهة.. وبالتالي قريب من الصنف الأول، أو كما يقول الشاعر والروائي تشارلز بوكوفسكي: "أقوى الرجال هم الأكثر عزلة، لا شيء في الخارج سوى مصنع للحماقة واختلاط الحمقى بالحمقى، هذا كل ما في الأمر". 

هؤلاء الأفراد والأصناف محور ظهور الجماعات والسلطات التافهة التي تعمم نظام التفاهة حفاظاً على وجودها وتفرخ وتفرخ سعياً لجعل العالم كله سخيفاً وتافهاً مثلها، يخدم أمراضها الثقافية والنفسية ونزعاتها المتطرفة.

ولا بد من التركيز على أن نظام التفاهة ينشط ويبدأ ويتركز في الشق الثقافي الفكري، أي الأكاديميات والمراكز البحثية، ووسائل الإنتاج المعرفية، لقد نمطنا العمل فلم يعد لدينا حرف وحرفيان، بل مهن ومهنيون، العمالة بأبهى حللها، والطبقية بوجهها البشع. إن التافه يسعى دائما إلى التميز والصعود على حساب الخلق والضمير، ويبدأ بصناعة مشكلات وأزمات غير موجودة ونامية، ويجيب عنها، وينتقي ويتقرب من التافهين على أساس استجابتهم لتفاهته، إنه مخلوق عبثي، شيطاني بنظرة الراديكاليات الدينية، يفتح الأذهان على الرذيلة والانسلاخ والتقسيم والفرز، لا الفضيلة والالتحام والتجميع والتعاون، ولا يمكنه أن يكون غير ذلك، فهي مسألة وجوده أو عدم وجوده.

التفاهة الأكاديمية وابتداع الرتب والألقاب!

إن السخافة بوصفها مرضاً تربوياً وأخلاقياً، تبدأ من الجامعة ومن المركز البحثي، وبالضرورة من تقسيم المناصب الأكاديمية وابتداع الرتب والألقاب المستحدثة، لتهجين المؤسسات وفق مصطلح المتخصص، لا مصطلح الحكمة، فتجرم الحكمة والعلم، فرجل الدين لا يحق له التكلم في الشأن السياسي، وإن كان من باب المعرفة والحكمة أن يكون ملماً بأساسات النقاش السياسي، لأنه بنظر التافهين غير متخصص ولا يمتلك الخبرة، ومن زاوية أخرى: يمكن للأحمق التافه أن يتكلم في أمر العامة، ويتجاوز أساسيات المعرفة وشروط النقاش العلمي المنهجي، لينقسم المجتمع بين زاويتي التفاهة هذه، فلا مكان للأخلاق والضمير والوازع الديني والأمانة العلمية بين هاتين الزاويتين!

 إن نظام التفاهة في محوره ليس بدعة غربية وإن كان ظهوره وانتشاره متأثراً بالعلمنة الديمقراطية التي ينهل منها القطيع الشرق أوسطي، بل في جذوره مرض وداء معد بسرعة فائقة، آفة أخلاقية لا خلقية تغذيها النفس الشريرة الشهوانية، وفي هذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصَدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة". وإن معنى الرويبضة ينحصر غالبا في الوجهين الآنفين الذكر: الخبير غير المتعلم، والمتعلم غير الخبير، وفي كلاهما انعدام للحكمة والأمانة والعلمية. 

 إن الكليات والمراكز البحثية اليوم، تستقطب التُبّع الذين يتماشون مع مصالحها ومصالح تيارات النفوذ فيها، وتحرص على انتقائهم وفق الأصناف الخمسة الذين سبق ذكرهم، كي تفشي عدواهم إلى المجتمع بواسطة الموبوئين؛ وهنا يتعين على المتخصص والموظف والساعي إلى شيء من الحظوة، أن يتكلم باسم مصلحته الشخصية ومصلحة مشغليه، بعيدا عن الحكمة والأخلاق والأمانة والنظام العام، ولا بأس إذا تمادى إلى حد تزوير الحقائق وتشويهها وتحريفها، فعندها تكون حظوته إن لم أقل كبيرة؛ فهي معتبرة، وتشفع له في الاستمرار والاستحمار!

أزمة التحرير في حرمون.. وهواجس المساكنة! 

 قد تتصف السخافة في ظاهرها باللبوس العلمي أحيانا، لكنها في الجوهر غالبا ما تتنافر مع الروح العلمية ومع المنهجية، وهذا بفعل تجاذبات الدفة في الأكاديميات والمراكز بين تيارات وواقعيات مختلفة، فيقع القرار والسياسات العامة رهينة الأفراد المتسلطين الموبوئين بالأمراض الثقافية، وليست الدراسة الأخيرة التي نشرها مركز حرمون للدراسات المعاصرة والتي حملت عنوان "المساكنة في سوريا.. ما حجم المشكلة؟"، إلا سخافة وتفاهة منقطعة النظير، تحمل في طياتها دلائل المرض الذي استفحل كثيرا، ولم يجد إلى الآن من يداويه.. مرض الفكر الأقلوي الطائفي المسيطر الذي هو بلا أدنى شك صنف من صنوف الأوليغارشية العلمانية، ومرض التزوير والعوز بدرجة أدنى، والمرضان يتغذيان على بعضهما بعضا، وهذا ليس من باب الاتهام، بل وقوفا على أمانة القراءة والمعطى النهائي التي ينشره حرمون في غالب المنشورات!

 فما على السوري المنكوب إلا أن يتخيل إلى جانب كاتب البحث، حجم المشكلة التي تعصف بالمجتمع السوري المجتمع المسلم الذي يجرم الزنا وانتهاك الأعراض، المشرقي المتخلف الذي يتفوق على مجتمعات العالم الأول في الغيرة والشهامة، وحفظ الأعراض، فيا ليت الكاتب أو جهة التحرير أمدتنا بإحصائيات لجرائم الاغتصاب وأولاد الشوارع وجرائم الدياثة بين العالمين العربي والغربي، لنقف على حقيقة مصطلح الزنا المتستر بمسمى "المساكنة" أو أمدتنا بنسب للفتيات والفتيان في كلا العالمين، الذين يعرفون آباءهم وأنسابهم!

إن الكاتب المغوار الذي لا أدري هو أي صنف من الأصناف الخمسة الآنفة الذكر في الفقرات السابقة، يتوجب عليه أن يتلقى دبلوما مكثفا في مادة مناهج البحث وخاصة في العلوم الاجتماعية، والأفضل أن يضم إليه جهة التحرير التي وافقت على نشر البحث المخالف لشروط العلمية ولسمعة السوريين وقيمهم وآلام تشردهم وكفاحهم من أجل الحرية والكرامة؛ فمن الضروري أن يتضمن البحث دراسات وإحصاءات كمية وكيفية وتحليلية، لنستطيع فهم المشكلة الكبرى كما يفهمها الكاتب وجهة التحرير! ومن الضروري أيضا أن يقدم مراجع معتبرة في السياق التوثيقي الإعلامي والصحفي الذي شاهد المشكلة من منظارها، فلا يكفي أن يقول: قال الأزهري وقال الفلان وقال التلفزيون الفلاني الذي يقول حدثتني فلانة وحدثني فلان، فالمشكلة تنبع من ظاهرة، والظاهرة لا يمارسها عشرات مقارنة بـ26 مليون سوري وسوريّة، بل لا تتعدى أن يفهمها الكانب وهيئة التحرير التي تبنت بنشر هذه المادة، إذ لم يبق أمام الكاتب إلا خيار الدخول إلى غوغل والبحث عن أفراد مجتمع الميم واللواط ليجري الكاتب مقابلات إلكترونية معهم، ويدرجها في مصادر بحثه الاجتماعي، ولم يبق أمام جراح السوريين والسوريات من الجوع والخيام والتهجير والأوبئة والقتل والسجون، إلا أن يتفرغ لمناقشة هواجس وأفكار هؤلاء!

الاعتداء على سمعة السوريين 

لم يعد الأمر – برأيي الشخصي - قابلا للنقاش والمهادنة والمساءلة، بل تعدى الفجور العلمي والمنهجي الواضح، إلى الاعتداء على سمعة وكرامة السوريين والسوريات ومسلمات دينهم وأخلاقهم، ودعواهم النبيلة في الحرية والكرامة التي دفعوا من أجلها أبهظ الأثمان، وهذا لن يمر اليوم ولا غدا ولا بعد غد، فما الهدف من هذا التزوير العلمي؟ وما الغاية من جر المجتمع السوري إلى التطبيع مع الرذيلة؟! وماذا تريد هيئة التحرير في مركز حرمون؟! وماذا تستطيع أن تقدم من ضمادات لجراح السوريين في المستقبل من خلال أبحاث كهذه؟!

 باختصار شديد: كل ما يجري حلقة من حلقات التطرف والإرهاب والعدوان على الشعب السوري، جرائم ترضي غرور ومرض الأقلويين والعلمانيين والقومجيين والمتوحشين الباحثين عن فتات من الكعكة السورية المغتصبة، وما لم تعالج هذه الأزمة الثقافية العميقة ويوضع لها حد موافق للعلمية والنظام الاجتماعي السوري العام، وقيم ومرجعية السوريين، فسيكون لكل هؤلاء مصير واحد، لا يختلف عن مصير الطغاة والمستبدين، ولن يتورع المثقفون السوريون الحقيقيون عن تعرية هذه الشجرة وثمارها شديدة السمية والأذى، بل قد ينزعونها من جذورها العميقة، فلا مستقبل في هذا الفضاء القيمي لنظام التفاهة وسلطاته وللتافهين.

التعليقات (1)

    احمد سعيد

    ·منذ سنتين 4 أشهر
    تحيه لك حازم التقيت فيك بأوتيل طانيوس علاي لم تكن باديا عليك هذا الإبداع وكنا اكثر مواضيعنا عن الطعام وطريقتك بشواء المندي اليمني بلا طول سيره تحيه لك من الحسكه يا غالي والله يخلصنا من بشار
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات