المجازر الجماعية.. كيف لمرتكبيها ادّعاء الإنسانية؟

المجازر الجماعية.. كيف لمرتكبيها ادّعاء الإنسانية؟
من اللافت أنّ كشف مجزرة ارتكبها التحالف الدولي في سوريا بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بحق 70 مدنياً في قرية الباغوز المحاذية للحدود العراقية، جاء من قبل صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، وهذا ما أحرج إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" ودفعها للتحقيق في تلك الجريمة.

القصة باختصار أنّ ميليشيا إرهابية شكّلها تنظيم PKK دعمتها الولايات المتحدة الأمريكية جويّاً واستخدمتها في معركتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف، فكانت الحصيلة تدمير 70 بالمئة بأكثر من 35 ألف غارة جوية خلال خمس سنوات، في المثلث الواقع شرق الفرات بين البوكمال في ريف دير الزور والقامشلي في ريف الحسكة ومنبج في ريف حلب، فضلاً عن العديد من المجازر التي تحدث عنها نشطاء ومؤسسات إعلامية محلية، لم يُلقِ المجتمع الدولي لها بالاً، ولعل أهم تلك المجازر، هي مجزرة الباغوز التي وقعت في 18 من شهر آذار عام 2019 وكانت ستندثر لولا أنّ "نيويورك تايمز" أعادت إحياءها.

يبدو أنّ الرئيس الأمريكي آنذاك "دونالد ترمب" كان يستعجل إعلان القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية للتفاخر أمام شعبه أنّه حقّق ما لم يستطع "أوباما تحقيقه" والأهداف بالطبع سياسية، فالتغطية على المشكلات الناجمة عن سياسته الداخلية تستوجب تحقيق انتصار في السياسة الخارجية، لاسيما في ملف القضاء على الإرهاب.

من جهتها كانت المليشيات التابعة لتنظيم PKK الإرهابي تساهم في تحديد أهداف تعلم مسبقاً أنها مدنية، وتستدعي المسيّرات الأمريكية لضربها بحجّة "وجود خطر وشيك" مستفيدة من تعليمات تفيد بالسماح للقوة الموجودة في سوريا بشن غارات دون العودة للقيادة المركزية في حال وجود ذلك الخطر، وبالطبع سينتج عن هذه الغارات تهجير أعداد كبيرة من أبناء المنطقة التي تعتبر عربية بالمُطلق، فضلاً عن تدمير البنى التحتية من مدارس ومستشفيات وأبنية سكنية، ما يساعدها على تحقيق مشروع التغيير الديموغرافي الذي تراه ضرورة لبسط سيطرتها.

ليس مقنعاً، بل كذب بواح أن تدّعي القيادة المركزية للتحالف الدولي أنّ ضابط القوات الخاصة لم يشاهد تجمع 70 مدنياً في الباغوز، كون طائرة الاستطلاع غير مزودة بكاميرا عالية الدقة، ولم يكن يعلم بوجود طائرة في ذات الوقت تتبع للقيادة المركزية مزوّدة بكاميرا عالية الدقة، لحظت وجود المدنيين، لكن بسبب سرّية العمل فإن القيادة المركزية التي تشاهد الطائرة بدون طيار عالية الدقة لم تكن على علم بأن فرقة العمل على وشك تنفيذ الضربة.

غارتان على 70 مدنياً استُخدم في الأولى 200 كيلو غرام وفي الثانية 900 كيلو غرام من المتفجرات، ولم يجرِ أي تواصل بين القوى العاملة على الأرض والقيادة المركزية؟! في أي منطق أو علم عسكري أو حتّى حرب عصابات يمكن أن يكون هذا الكلام مقبولاً؟! وأمّا المشهد على الأرض، فكان مجازر كبيرة بحق المدنيين يرتكبها سلاح الجو الأمريكي، وطمس تلك الجرائم من قبل PKK الإرهابي عن طريق التجريف ودفن الجثث جماعياً.

انتهاك قانون النزاع المسلح ليس خياراً جديداً ترتكبه الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا، فلها سوابق عديدة في العراق وأفغانستان ومناطق أخرى، وتعلم قيادة الجيش الأمريكي أنّه ليس هناك من آلية قانونية توصل أهالي الباغوز إلى المحاكم الأمريكية، فمناطق النزاعات لا تقع تحت الولاية القضائية للمحاكم الأمريكية لاتخاذ الإجراءات القانونية وفق المحكمة الدستورية العليا، وحتى لو اعترف الجيش الأمريكي بتلك المجازر فإنّ ما يترتب عليه هو تعويض أسر الضحايا على اعتبار أنّ التوصيف الأمريكي لقتل المدنيين يقع تحت بند "أضرار جانبية".

ليس مقنعاً، بل أصبح مشهداً مبتذلاً تجاه مأساة السوريين، أن تتحدّث الولايات المتحدة الأمريكية عن دعم الشعب السوري في قضيته المحقّة، وهي التي تلطّخت يداها بدماء هذا الشعب المنكوب، وهي الشريكة في تسليط شركائهم من PKK على رقاب من تبقى في تلك المناطق، متفاخرة أنّها أعادت تأهيل البنى التحتية، لكن على ركام أنقاض تخفي تحتها ضحايا مجازرهم، ولولا أنّ الأسد غير قادر على التعامل معهم بحكم تبعيته المطلقة لإيران، لانضمّ إلى تلك الجوقة شاكراً ومرحّباً، فما يجري شرق الفرات جاء استكمالاً لجرائم الإبادة غرب الفرات.

في المحصلة، أصبحت ميليشيا PKK تمتلك وثائق على ارتكاب الولايات المتحدة الأمريكية جرائم حرب بحق المدنيين، ومشاركة تلك المعلومات ستؤثر على صورتهم تجاه القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، وتلك ورقة بيد التنظيم، وتمتلك الولايات المتحدة وثائق على طمس التنظيم لمعالم جرائم وضلوعه بتقديم معلومات خاطئة عمداً أدّت إلى تلك المجازر، وبالتالي فإنّ الجريمة مشتركة ومركّبة، وما من حجّة مقنعة بأنّ تنظيم الدولة الإسلامية لا يمكن هزيمته إلّا بسياسة الأرض المحروقة، ففي ريف حلب الشمالي كانت عمليات الجيش الحر عبر غرفة عمليات "حوار كلس" متزامنة مع عمليات شرق الفرات، وتم القضاء على التنظيم دون وقوع أي خسائر في صفوف المدنيين أو تدمير للبنى التحتية، وهذا مثال مشرّف للمعارك العسكرية التي يكون هدفها التحرير لا التدمير.

التعليقات (3)

    الحسيني الهاشمي

    ·منذ سنتين 4 أشهر
    أحسنت في الطرح.. ولا عزاء للمجرمين والقتلة.

    الغرب الشرس لسقاطة ثقافته

    ·منذ سنتين 4 أشهر
    الجراءم التي قادتها اسبانيا والثورة الفرنسية وجيش الملكة هذه ثقافتهم لان الرابحين من وراء هالحيوانات لانهم ليسوا بشر ويختبؤون وراء حقوق الحيوانات رغم ان ثقافتهم اسخف من الحيوانات ، والسبب هو الحقد والغيرة والقذارة التر مروا بها تاريخيا، وهذا سبب بناء مجرمين في بلادنا، للانتقام من المجتمع وماقصة الامم المتحدة واحضار الكيماوي للاهبل اللا ثابت على سخافتهم كمخلوقات تشبه الانسان وخاصة الملوك

    England king system must

    ·منذ سنتين 4 أشهر
    All the nations under the dictator of the king of england , must become more braves by destroying the inhuman regime of england , they did not have any existence in the world of human culture, as they give PhD for non doctor ,means that they have all false diplomas and criminal minds
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات