عاش 100 عام: رحيل المفكر اللبناني بولس الخوري المدافع عن التراث الإسلامي

عاش 100 عام: رحيل المفكر اللبناني بولس الخوري المدافع عن التراث الإسلامي
عن عمر تجاوز المئة العام، رحل المفكر والفيلسوف بولس الخوري (مواليد قضاء صور 1921). والحاصل على دكتوراه دولة في الآداب من جامعة لايدن الملكية في هولندا في العام 1965، والذي عمل في مجال البحث الفكري في فرنسا وكندا وألمانيا وإيطاليا، قبل أن يعود  منذ منتصف الثمانينات من القرن العشرين ليستقر في بلده لبنان.

  

المفكر اللبناني ميشيل باسيل عون، وصف الخوري في دراسة له عقب رحيله بأنه: "فيلسوف لبناني نسيج وحده، ابتنى عمارة فلسفية بهيّة الهندسة شديدة المتانة المضمونية". وأنه " كان يستجلي واقع الثقافة العربية في صميم مطلبها. وفي الحقول المعرفية الثلاثة هذه أنشأ عشرات الكتب باللغتين الفرنسية والعربية، نشرت في لبنان وفرنسا وألمانيا".

فلسفة الدين والتفسير المسيحي للقرآن

إلى جانب عمله أستاذاً للفلسفة في جامعة الكسليك في لبنان، تركت أفكاره اللاهوتيّة أثراً لدى شرائح من الشباب الجامعي في لبنان والمثقفين في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، كما إن مجلة «آفاق» الأدبية، الفلسفية، الدينية، الجامعة، التي أسسها بولس الخوري عام 1974 مع المطران غريغوار حداد والدكتور جيروم شاهين، أثارت الكثير من النقاشات الحادة في ذلك الوقت، لا سيما في الأوساط الدينية.

ورغم تعمقه في اللاهوت، آمن بولس بعمق بأهمية العلمانية ورأى أنها وحدها يمكنها صون التنوع. وقد كتب بولس خوري في فلسفة الدين، وألف كتاباً عن التفسير المسيحي للقران الكريم، وفي كتابه (عن التراث والحداثة) دافع بولس الخوري طويلاً عن التراث العربي الإسلامي في وجه حملات بعض المستشرقين للنيل من طروحاته ومكانته العلمية،  ورأى أن جوهر التراث العربي قريب من مضمون الحداثة، إذ إن التراث في عمق مطلبه اعتراف بالتسامي والتعالي وسعي إلى الأصالة، والحداثة في صميم مسعاها نقد وتقويم وابتكار. كما إن جوهر التراث العربي اعتراف بتجاوز كل الممكنات التاريخية، ومضمون الحداثة إقرار بتجاوز كل المنجزات المتحققة والمنظومات المشيدة والعمارات المغلقة. ومن ثم فإن مقولة التجاوز تستطيع أن تصالح التراث العربي، وقد أدركه الإنسان إدراكاً جوهرياً يصطفي منه عمق مطلبه.

اتهام الإسلام بالإرهاب خلط وخداع

أما حين استعر وسم الإسلام بالإرهاب، والغرب بالديمقراطية، فكتب في مقال له عام 2008 يذكّر الغرب بجرائمه في الجزائر وفيتنام وأفغانستان والعراق، ومما قاله:

" القول بالغرب والإسلام جملةً من دون تفصيل. وهكذا، بكلّ بساطة، القول بالغرب الديموقراطيّ المؤتمن على حقوق الإنسان، وبالإسلام الإرهابيّ السفّاح المنتهك لهذه الحقوق.

لا عجب في ذلك الخلط والخداع والانخداع. فالناس فُطروا على استبدال الأشياء بالكلمات. فكان عندهم ديموقراطيّاً ومدافعاً عن حقوق الإنسان مَن قتل مليون إنسان جزائريّ ثمناً لمطالبة الجزائريّين باستقلالهم. وكذلك من قدّم مليونين من الفيتناميّين على مذبح الديموقراطيّة وحقوق الإنسان. وكذلك من قتل، حتّى الآن، ما يفوق المليون من العراقيّين، والحبل على الجرّار، إرساءً للديموقراطيّة وحقوق الإنسان. وكذلك من قتل ما تيسّر في أفغانستان دفعاً لإرهاب «القاعدة». والله أعلم بما يحدث في بعض السجون الديموقراطيّة غير الخاضعة لقوانين معاملة المساجين... ماذا لو عاد الوعي وصار الاعتبار للأشياء دون الكلمات؟ قد تكون الحالات جميعها حالات إرهاب. وقد لا يكون «الإرهابيّ» أشدّ إرهاباً من خصمه. وقد لا يكون للدين ولا للديموقراطيّة وحقوق الإنسان أيّ دخلٍ في أيّ إرهاب. بل الأصحّ أن لا دخل البتّة للدين ولا للديموقراطيّة وحقوق الإنسان بهذه المسرحيّة الدامية. بل قد يكون الخروج من المخادعة ومن المعاناة بإحياء القيم الإنسانيّة التي يختزنها جوهر الدين والأديان والثقافات. ويعني هذا رفع الكبت والإكراه والتسلّط والجشع، أي بمختصر التعبير وقف الإرهاب فعلاً، فيقف الإرهاب ردّاً للفعل. ومتى كانت العودة إلى القيم الإنسانيّة، كانت العودة إلى الأصول".

مفكر وفيلسوف ومسيحي مؤمن

عاش بولس الخوري قرنا من الزمان رأى فيه العالم يتقلب على نار الصراعات الطاحنة، والفكر يتوارى على وقع الهزائم التي نالت من الحضور الروحي للإنسان، وسعى بخطى حثيثة ومحمومة كي يكون صوتا في ثقافة التسامح ونبذ الكراهية، دون أن يخفي أو يخفف من زخم انتماءه المسيحي اللاهوتي، وفي ذلك قدم رسالة لكثير من المفكرين  الذين يعتبرون أن مشوارهم الفكري لابد أن يبدأ من خلع انتماءهم للإسلام كهوية وثقافة. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات