روسيا والغرب: التصعيد في سوريا رداً على التوتر مع أوكرانيا.. خيار ممكن؟

روسيا والغرب: التصعيد في سوريا رداً على التوتر مع أوكرانيا.. خيار ممكن؟
استبعد خبراء عسكريون أن يتطوّر التوتر الحاصل بين الولايات المتحدة وروسيا في منطقة البحر الأسود إلى صراع عسكري، مع عدم استبعاد إمكانية أن ينعكس هذا التطور على سياسة الطرفين في الملف السوري، الذي قد يشهد تحوّلات لصالح قوى الثورة والمعارضة العسكرية في حال قررا المواجهة غير المباشرة.

التوتر بين الجانبين بلغ ذروته يوم الثلاثاء عندما تبادلا اتهامات باتخاذ خطوات تصعيدية غير مسبوقة، على الرغم من إجراء رئيسَي الأركان في البلدين اتصالاً هاتفياً في اليوم نفسه.

اتهامات روسية

وكانت روسيا قد أعلنت يوم الثلاثاء أن قاذفات أمريكية تدرّبت على توجيه ضربة نووية إلى روسيا من اتجاهين مختلفين في وقت سابق هذا الشهر، وذلك بعد يوم من اتهامات أمريكية لموسكو بالتحضير لاجتياح أوكرانيا، الدولة العضو في حلف الناتو.

وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو: "إن طائرات أمريكية اقتربت لمسافة 20 كيلومتراً من الحدود الروسية"، بعد أيام من تحذير الرئيس فلاديمير بوتين من أن "الغرب لا يأخذ التحذيرات والاستياءات الروسية على محمل الجد".

وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان خلال الفترة الأخيرة الماضية، عن احتكاكات في أجواء المناطق الحدودية لروسيا مع حلف الناتو، إذ قالت موسكو قبل أسبوع "إن مقاتلات تابعة لها قد اضطُرّت للتحليق بالقرب من طائرات أمريكية اقتربت من حدودها".

وتصف موسكو ذلك بـ"التصرفات الاستفزازية وغير المسؤولة"، مشيرة أيضاً إلى إمدادات الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا، واستخدام كييف طائرات تركية مسيّرة ضد الانفصاليين المدعومين من روسيا في شرق أوكرانيا، علاوة على التدريبات العسكرية لحلف شمال الأطلسي بالقرب من حدودها.

وبالإضافة إلى ذلك، قال شويغو: إن موسكو لاحظت زيادة كبيرة في نشاط القاذفات الاستراتيجية الأمريكية، التي نفذت 30 طلعة جوية بالقرب من روسيا هذا الشهر. وأضاف: "إن هذا العدد يزيد بمعدل مرتين ونصف مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي".

ونقل بيان صادر عن وزارة الدفاع عن شويغو القول إنه "خلال التدريبات العسكرية الأمريكية (غلوبال ثاندر)، تدرّبت عشر قاذفات استراتيجية أمريكية على إطلاق أسلحة نووية ضد روسيا من الاتجاهين الغربي والشرقي".

واتهامات لروسيا

من جانبه يتّهم الغرب روسيا بالتحضير لاجتياح المناطق الحدودية مع أوكرانيا، حيث تدعم موسكو الانفصاليين في إقليم دونتسك، وتقول الحكومة الأوكرانية إنها تستعد للتصدي لأكثر من مئة ألف جندي حشدتهم روسيا على حدودها.

لكن الأخيرة تنفي هذه الاتهامات، وتقول إن الهدف منها تبرير التعزيزات أو المساعدات الكبيرة التي يقدّمها الغرب لأوكرانيا وتسبّب تهديدات لها، حيث أرسلت الولايات المتحدة يوم الثلاثاء زوارق دورية لتعزيز البحرية الأوكرانية إلى ميناء أوديسا الجنوبي، كجزء من حزمة مساعدات.

 المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، اعتبر من جانبه أن أي تحركات أمريكية لإرسال مزيد من العتاد والمستشارين العسكريين إلى أوكرانيا سوف يؤدي إلى زيادة التوتر.

وعلى وقع التصعيد والتبادل الحاد للاتهامات، أجرى رئيسا الأركان الأمريكي والروسي محادثة هاتفية الثلاثاء، وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان: "إن الجنرال فاليري يراسيموف ناقش مع نظيره الأمريكي مارك ميلي قضايا متعلقة بالأمن الدولي".

من جانبها قالت وزارة الدفاع الأمريكية: إن المحادثات تناولت "قضايا مثيرة للقلق"، كجزء من التواصل بين القائدين "لضمان تقليل المخاطر وإزالة أسباب الاحتكاك".

تصعيد منضبط 

ويرى المحلل العسكري مالك الكردي أنه رغم التوتر المتصاعد إلا أنه سيتم احتواء التصعيد بين الجانبين، مع احتمالية التخفيف من حدّته في منطقة البحر الأسود على حساب ملفات في مناطق أخرى.

وأضاف: "من الواضح تماماً أن التوتر أخذ منحًى تصاعدياً بين الروس والأمريكان، بعد استفاقة الدب الروسي وقفزه إلى مناطق استراتيجية مهمة، حيث يحاول إحكام سيطرته على البحر الأسود، من خلال تدخله في أوكرانيا واحتلاله شبه جزيرة القرم، إضافة لتثبيت سيطرته حديثاً في البحر المتوسط، عبر تدخّله التام (احتلال) في سوريا وإنشاء قواعد عسكرية بحرية وجوّية كان يحلم بها طيلة عقود الاتحاد السوفييتي، بالإضافة إلى محاولته التدخل في ليبيا لتكرار تجربة المكاسب في سوريا.

"الكردي" وهو عقيد منشقّ عن جيش النظام، يعتبر أن هذا التطور لتموضع القوات الروسية "بمثابة تنازع سيطرة مع الولايات المتحدة الأمريكية" وأن هذه الأخيرة استشعرت أن الروس سيذهبون إلى أبعد من ذلك "ما اقتضى اتخاذ اجراءات تحذيرية صارمة لمنع التمدد الروسي".

وأضاف: "التدريبات الأمريكية حول استخدام السلاح النووي والاقتراب إلى مسافات قريية من الحدود الروسية هي رسائل تحذيرية، ولكن من المؤكد أنها لن تتجاوز هذا الحد، ومن شبه الاستحالة الوصول إلى حالة التصادم المباشر بين القطبين، إذ إن السلاح النووي هو الرادع للطرفين عن تطوير التوتر بينهما إلى ما هو أبعد من ذلك، ولكن هذا لا يمنع من احتمالية حصول احتكاك محدود بين بعض الجنود أو القطع البحرية للطرفين ولكن سرعان ما سيتم احتواؤه".

الانعكاسات على الملف السوري

لكن النقطة المهمّة التي ينبّه إليها العقيد الكردي، هي أن الولايات المتحدة يمكن أن تجرّ الروس إلى حرب استنزاف مع أحد الأطراف الإقليمية بالمنطقة، وتعتبر أوكرانيا ساحة مثالية لهذا النوع من الحروب، وعندها ستتكفّل الولايات المتحدة بدعم المعركة.

أما بخصوص التشابك بين واشنطن وموسكو في الملف السوري، فإن الكردي يرى أن سوريا معنيّة بالأمر، ويُحتمَل جداً نقل الصراع إليها، سواء بالتوازي مع الجبهة الأوكرانية "لمزيد من استنزاف الروس أو رفع مستوى الصراع على ساحتها بشكل منفرد، بتجديد دعم ملموس لقوى الثورة بهدف استعادة مناطق خسرتها سابقاً، وكسر شوكة روسيا من خلال هزيمة حلفائها"، واعتبر أن هذا الخيار سيكون بمثابة  "الحبل الذي يمكن أن ينتشل قوى الثورة من المأزق الذي وصلت إليه".

مع الانسداد الحاصل في الملف السوري، والتراجع الكبير الذي تشعر به المعارضة في الدعم المقدّم لها من قبل الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، يرى الكثيرون أن أي اشتباك من أي نوع بين أمريكا وروسيا سيكون له مفاعيل إيجابية حيال الموقف في سوريا، على أساس أن ذلك سيؤدي حتماً إلى إعادة واشنطن النظر في مقاربتها الحالية للقضية السورية، واستئناف الدعم الكفيل بتغيير التوازنات الحالية التي تبدو في صالح النظام وحلفائه الروس والايرانيين.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات