"قرنة جعفر" ذاكرة دير الزور التي يريد الأسد إزالتها

"قرنة جعفر" ذاكرة دير الزور التي يريد الأسد إزالتها
لا يمكن لأي مظاهرة في أيام الجُمع، قادمة من جنوب مدينة دير الزور باتجاه ساحة الحريّة -لاسيما مساجد العرفي والموظفين- إلّا ومرّت بها،  ولا يمكن لأي مظاهرة قادمة من شرق المدينة باتّجاه دوار المدلجي إلّا مرّت بها أيضاً، هي عُقدة المدينة وواسطة عِقدها.

إذا اتجهتَ شرقاً تسلك طريق أحياء الشيخ ياسين وكنامات وخسارات وصولاً إلى حي الصناعة، وأمّا غرباً فأنت باتجاه سوق الهال وسوق الجبيلة وصولاً إلى دوار المدلجي، أما جنوباً فكلية العلوم وأحياء العرفي والعمال، وإلى الشمال شارع حسن الطه الذي يتفرع منه سوق "ستة إلا ربع"، وساحة الحرية والحويقة وصولاً إلى الجسر المعلَّق.

هكذا يتذكر أبناء دير الزور "قرنة جعفر" التي يعمل اليوم نظام الأسد على تجريفها لإزالتها من خارطة المدينة وتغيير معالمها، إذ لا يمكن لأيّ ديري أو زائر إلى دير الزور إلّا ومرّ فيها، وقد تحوّلت فيما بعد إلى عقدة تلتقي فيها المظاهرات المناوئة لنظام أسد.

يقول مصدر من دير الزور إنّ الساحات العامة التي شهدت تظاهرات واعتصامات تمّ تغيير معالمها، فدوّار المدلجي توسّطته صورة لبشار أسد وأعيد تغيير شكله تماماً، ومن ينظر إليه لا يمكن أن يعرف أنّه المدلجي.

ويضيف: كذلك الساحة العامة "ساحة الحرية أيضاً لم تعد كما كانت سابقاً، بينما تم الحفاظ على "دوار الرئيس" أو كما يطلق عليه المتظاهرون "هُبَل" الذي كان يشهد حضوراً واسعاً للمؤيدين من خلال نصب خيمة يرتادها أعضاء فرع الحزب وجمهور النظام.

أسباب تغيير المعالم

لا تعمد الأنظمة الديكتاتورية وأنظمة الإبادة إلى إزالة آثار جرائمها فحسب، بل تسعى أيضاً لإزالة آثار معارضيها، وهذا ما حصل في كافة المدن السورية التي شهدت حراكاً مدنياً أو عسكرياً، فنظام الأسد أزال المقابر الجماعية وآثار القصف الكيميائي، ثم عمد إلى تغيير المعالم الرئيسية في تلك المدن، كساحة العاصي في حماة، ودوار الساعة في حمص والآن "قرنة جعفر" في دير الزور.

يقول الحاج أحمد الجاسم، وهو أحد الفاعلين في المدينة منذ انطلاق الثورة السورية: إنّ تغيير معالم نقاط التظاهر والاعتصام في دير الزور هو دليل واضح على حقد نظام أسد على المدينة التي كانت حاضرة بقوة منذ اليوم الأول لثورة الحرية والكرامة، إذ لا يريد نظام أسد ممن بقي فيها أن يستذكر مظاهرة أو اعتصاماً أو كلمة حرية صدح بها أبناء الثورة.

ويضيف: المسألة تخطّت حدود تغيير المعالم، فقبل ذلك أزال قبور شهداء الثورة السورية وسوّاها مع الأرض، ثم احتل منازل معارضيه وحولها إلى مقرات للميليشيات الإيرانية والدفاع الوطني، وكل ذلك انتقاماً من الثورة والثوار، وهذا ليس بغريب عليهم.

وعقّب أنّ عقلية النظام بالانتقام، ليس من البشر فقط بل أيضاً من الحجر والشجر، وهي من وجهة نظره عقلية المنتصر على الشعب السوري وأن من حقه فرض الوقائع الجديدة بكافة النواحي، متناسياً التغيير الديمغرافي الذي تقوم به الميليشيات الايرانية الطائفية ومن يحذو حذوها من الميليشيات المحلية.

ذاكرة أسد الانتقامية

على مدى عقودٍ حكم فيها الأسد الأب ووريثه الابن، أصبحت ذاكرة سوريا زاخرة بجرائم التغيير الديموغرافي والإبادة الجماعية، وتلك الجرائم نقلها الآباء إلى الأبناء لتكون الثورة السورية قائمة على ثأر دفين ضد نظام الإبادة.

يقول اللواء محمود علي، المنشق عن نظام أسد، إنّ هذه ليست المرة الأولى التي يطمس فيها النظام معالم في مناطق شهدت احتجاجات ضده، ولن تكون الأخيرة بالتأكيد، فهو يسعى دائماً إلى محو ذاكرة السوريين بشكل عام، وهذا هو المطلوب بالدرجة الأولى من تجريف "قرنة جعفر" حتى لا تبقى في ذاكرة الأجيال، ومع مرور الزمن تتلاشى هذه الذاكرة شيئاً فشيئاً طالما أن المعالم لم تعد موجودة، ولمحافظة حماة تجارب سابقة بعد أحداث ثمانينات القرن الماضي، عندما قامت قوات النظام بتدمير أحياء كاملة ومسحها عن الخريطة، كحي الطوافرة والبرازية والكيلانية.

ويضيف اللواء الذي كان قائداً لشرطة محافظة دير الزور قبيل انشقاقه في تصريح لأورينت نت: النظام صرّح في أكثر من مناسبة أنه سيستعيد كل الأراضي على امتداد الجغرافيا السورية، وهو أمر طبيعي بالنسبة لتلك الأنظمة ومنها نظام أسد الشمولي، فالجرائم التي ارتكبها خلال أحد عشر عاماً وتدمير أكثر من 70 بالمئة من سوريا، وتهجير ما يقارب نصف الشعب السوري، هي جزء من سلوكياته، وأمّا مسح معالم بعض المناطق فلا يساوي شيئاً من ذاكرة النظام السياسية.

في ذاكرة السوريين حفرت جرائم تتجاوز المكان والزمان، حفرت جرائم لا يمكن محوها بتغيير شكل مكان أو معلم من معالم، فجرائم أنظمة الإبادة يتناقلها الأبناء عن الآباء، لاسيما في الحالة السورية التي خلّفت جرحاً في كل مدينة وحي وعائلة، وما تغيير المعالم إلّا جريمة تضاف للجرائم التي ترسّخ إيمان السوريين بضرورة رحيل نظام أسد بكامل أركانه. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات