كيف تحوّلت أملاك الوقف السني إلى الوقف الشيعي؟

كيف تحوّلت أملاك الوقف السني إلى الوقف الشيعي؟
في إطار النظام الطائفي الذي فرضه الاحتلال الأمريكي على العراق؛ حُلَّت وزارة الأوقاف، وتحوّلت تلك الوزارة إلى مجموعة من الأوقاف كالوقف السني والشيعي وأوقافٌ أخرى لبقيّة الديانات والمذاهب، سُنّت القوانين التي عززت من تغوّل إيران وميليشياتها في العراق على أوقاف أهل السنّة وعلى مُدنهم وحتى حياتهم.

الدكتور والباحث العراقي يحيى الكبيسي قال في حديث لقناة أورينت إنّه وبعد الاحتلال الأمريكي وحل وزارة الأوقاف تمّ تشكيل لجنة لفصل الأوقاف بين السنّة والشيعة، لكن كان من الصعبة إعادة صياغة تاريخ لهذه الأوقاف، وبالتالي دخل المُشرِّعون في ورطة، هل يتم تحديد الوقف بناءً على هويّة الواقف إذا كان سُنيّاً أو شيعياً، وأضاف: "في فترة التسعينات تمّ نقل العديد من هذه الأوقاف إلى ديوان رئاسة الجمهورية، وبعد الاحتلال كان يجب أن تُقسم تلك التي كانت تُديرها الدولة بين الطائفتين، فإذا وجد مسجدان في مدينة ما ولو كانت سنّة مئة بالمئة وتمتلكهما الدولة (ليسا وقفين) فيجب أن يُقسما بين المذهبين".

وتابع: "بموجب قانون صدر في العام 2005، أصبح بإمكان الوقف الشيعي وفي حال وجود مكان للعبادة خاص بالشيعة في مناطق أهل السنة أن يُدير تلك المنطقة برمّتها، وهو ما يحصل في مدينة سامراء ذات الغالبية السنيّة، وذلك بسبب وجود مرقد الإمامين الهادي والعسكري، حيث بات يهيمن على المجال ويفرض هويّات مُحددة عبر إدارة هذه الأماكن".

وبعد محاولات تنظيم داعش السيطرة على مدينة سامراء عام 2014، أصدر مقتدى الصدر حينها أمراً بنشر ميليشيا سرايا السلام التابعة له في المدينة لحماية المقامين، وفي الوقت ذاته انتشرت عدد من فصائل ميليشيات الحشد الشيعي في مناطق قريبة من المقامين، الذي فرض واقعاً جديداً خلق وقائع جديدة على مستوى النفوذ وعلاقات القوة في المنطقة، ليبدأ بعدها ديوان الوقف الشيعي والميليشيات الشيعية بشنّ حملةٍ للسيطرة بطريقة غير قانونية على مبانٍ تجارية وسكنية محيطة بالمقام، في إطار سياسة تغيير الطبيعة الديمغرافية للمنطقة.

ويؤكد الكبيسي أنّه وبسبب ضعف سوء إدارة الأوقاف السنيّة والفساد المُستشري في ديوان الوقف السني، تم تدجين إدارة هذا الوقف وأصبح يقبل بأي طلب يُقدم إليه، "قبل أشهر قليلة تم توقيع اتفاقية بين الوقفين السني والشيعي، تمّ بموجبها منح العديد من الأوقاف السنيّة للأوقاف الشيعية، وكان هناك لغط كبير حول هذه القضيّة، وحتى هذه اللحظة لم يصدر قرار بإيقاف هذه الاتفاقية التي وقّعها رئيس الوقف السني، كثمن لإبقائه في منصبه.

مركز كارنغي للدراسات في بحثٍ له أكّد أنّ إعادة هيكلة الأوقاف الإسلامية تسبّبت بتسارع وتيرة تطييف المجال الديني في العراق، خصوصاً أنه الترتيبات الجديدة انطلقت في سياق تصاعد الانقسام السياسي المجتمعي وتسييس الهويات الطائفية، وتفشّي العنف بعد العام 2003، ونتيجةً لذلك، تعمّقت أكثر فأكثر الحدود الفاصلة بين الطائفتَين الإسلاميتين، وتحوّلت الفضاءات المحايدة إلى نقاط خلافية بدلاً من أن تغدو مساحات للتعايش.

ويرى الكبيسي أنّ إيران استغلت فشل البدان التي تتواجد فيها ببناء الدولة الوطنية كي تتغوّل بها بنوع من الطلب الداخلي، يقول الكبيسي: "بعض الفئات تعتقد أنّها بحاجة إلى قوّة إقليمية دائمة لها في إطار السلطة، وتحاول إيران إنتاج هوية شيعيّة أمميّة لا تعترف بالحدود، وبالتالي فإنّ أي شيعي في أي منطقة في العالم، يجب أن يتبع لإيران، بمعزل عن قويّته، وهذا جزء من الإيديولوجية الإيرانية".

ويؤكد مركز كارنغي أنّ المجال الديني السنّي سيبقى منقسماً، بوجود ديوان الوقف السنّي لاعباً أساسياً وموضوعاً للتنافس في الوقت عينه، وسوف يؤدّي ترسيخ سيطرته على المؤسسات والأوقاف الدينية إلى تعزيز سلطته، لكن في هذا المضمار المتأثر بالمحسوبيات والممارسات الإقصائية، يُبدي العديد من الأفرقاء الآخرين قلقهم من أن ترسيخ سيطرة الديوان سوف يؤدّي إلى إلحاق الضرر بمصالحهم وإلى تهميشهم مادّياً وعقائدياً.

ومن خلال العرض الذي تقدم فيكون التقهقر السني وتغليب المصلحة الخاصة على العامة، والتغوّل الإيراني هي أهم الأسباب التي تبقي أملاك الوقف السني عُرضةً للانتهاك والضياع من الميليشيات الطائفية التي تُديرها إيران التي بعد أن تمكّنت من فرض سيطرتها شبه الكاملة على العراق بدأت بمد نفوذها إلى المؤسسة الدينية في سوريا.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات