قصيدة سفير الكويت ضد استبداد حافظ الأسد: موكب الذل ما أبقى لنا جلدا

قصيدة سفير الكويت ضد استبداد حافظ الأسد: موكب الذل ما أبقى لنا جلدا

في عدد شهر كانون الثاني/ يناير من عام 1979 فاجأت مجلة (العربي) الكويتية، قرّاءها بقصيدة لأحد سفراء الكويت السابقين في سوريا بعنوان: (يا شام).

 القصيدة نشرت في مكان بارز من المجلة وفي صفحاتها الأولى.. بعد افتتاحية رئيس التحرير مباشرة، وحملت توقيع عبد الله أحمد حسين، وقد جاء في تعريف الشاعر/ السفير في الهامش: "سفير الكويت لدى المغرب حاليا، وقد نظم القصيدة قبل نقله من مقر عمله السابق: دمشق". 

 

قصيدة وداعية أم شهادة إدانة؟

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه: ما علاقة هذه القصيدة بنقل سعادة السفير عبد الله أحمد حسين من مقر عمله في دمشق؟! أو طلبه أن ينقل من سوريا إلى بلد آخر؟ وخصوصا أنه كتبها حين قرر الخروج من دمشق نهائياً بعد أن شغل منصب سفير الكويت في سوريا بين عامي (1970- 1978) .

لم تكن قصيدة (يا شام) مجرد قصيدة وداعية لمدينة دمشق التي طالما أغرم بها الشعراء والكتاب والمستشرقون والسياسيون والسفراء وكتبوا الأشعار في التغني بها، أو التحسر على وداعهم لها.. فالقصيدة تتحدث عن "الأيام الجائرة" وعن "موكب الذل" وعن  "شعب يزأر في أصفاده جلدا " .

ومن الواضح أن الشاعر الكويتي قد كتبها ليهجو زمن الذل في عهد حافظ الأسد، وليصرخ في وجه الدكتاتور الذي يصفه بـ "بغاث الطير" ويصف أركان حكمه بـ "مهازيل تلهو في مباذلها" .

 

فصول القمع الدامية

لا تتوانى القصيدة أيضاً، عن الحديث عن المقارنة مع ماضي دمشق التاريخي الذي يكشف رثاثة حاضرها، وعن جرح عاصمة الأمويين في عهد الحكم الأقلوي الذي ألغى الحريات، والذي كان منذ عام 1978 قد بدأ صداماً حاداً مع قوى محتجة.. ومما لاشك فيه أن السفير  الذي التحق بعمله في دمشق منذ بدايات حكم حافظ الأسد، قد شهد خلال وجوده  فصولا عدة من هذه الصدامات التي كان أولها أزمة دستور عام 1973، التي فجرت مظاهرات غاضبة بسبب دين رئيس الدولة، لم تتردد مخابرات الأسد من فتح النار ضد المتظاهرين العزل، واعتقال العشرات منهم.. وقد بلغ هذا الصدام ذروته في ثمانينات القرن العشرين التي شهدت مجازر كبرى في سجن تدمر وحلب وجسر الشغور وحماة.

يبدأ الشاعر السفير قصيدته بأبيات وداعية لدمشق يقول فيها:

يا شامُ إنْ مدَّ صَبٌ للوداعِ يدا...... وإنْ تذكّرَ من فيضِ الكرام ندى 

وودعَتْهُ ربوعُ الخلد باسمةً........ وعانقتْهُ رياحُ الشوق من بردى 

فإنه وجـــراحُ القلبِ نازفةٌ........... يســــــــتلهمُ الأملَ المنشودَ متئدا 

يسلو المحبونَ إنْ شطَ المزارُ بهم... وعاشقُ الشامِ لا يَسلو الهوى أبدا 

 

موكب الذل والإذلال والأيام الجائرة

تبدو مفردات مثل (الذل) و(الإذلال) و(القيود) و(الأصفاد) من أكثر المفردات تكرارا في هذه القصيدة، حين يتحدث الشاعر عن الشعب السوري. لتتحول هذه المفردات إلى تعبير عن مناخ عام يفرض نفسه على القصيدة وعلى الشاعر، الذي يصور  حالة غضب الشعب المكبوت في صراعه المرير مع السلطات الجائرة ومع طقوس الإذلال، لكنه يصفه بأنه "ما هانت حميته وما أقام على إذلاله وتدا" ولهذا يتابع الشاعر عبد الله أحمد حسين قصيدته الطويلة التي تقع في ثلاثين بيتا، مذكرا بالنسب الأموي وأمجاده، وراصدا حال الشام الأسيرة، والشعب السوري الذي لم يهن رغم القيود التي تشعل نار غضبته كما يقول في قصيدته: 

يا شامُ يا عبد شمس فوق سدته... ويا أشم من الأطواد ما سجدا 

ويا أميةَ ما غابتْ عساكرها.... تغري العدا وتهدّ الشامخَ الصّلِدا

أنْ ينزف الجرح مختالا بفارسه.. وكان موعدها فيما أرى صفدا

فالشعب حولك ما هانت حميّته....... وما أقام على إذلاله وتـدا 

رغم القيود تلّظى نار غضبته...... يكاد يأكل في أحشائه كمَــدا  

يا شام عفوك فالأيامُ جائرةٌ...... وموكبُ الذلَّ ما أبقى لنا جَلَدا 

أكاد ألمح من حولي جموعَهمُ... فلا أرى علما في القوم مُعتمدا 

وأسمعُ الضجة الكبرى على كثب... وأفتح العين لكن لا أرى أحدا 

يا هاجسَ الذلّ ما أبقيتَ من رمقٍ.... وما تركتَ حساما بعدُ ما غمدا 

وما تركتَ رجالا لا يُهان لها.....  رأي ولم تلقَ صبراً بعدُ ما نَفــدَا 

 يا شامُ صبركِ فالأحداث قادمة...... والشعب يزأر في أصفاده جلدا 

فإن تمادى بغاث الطير في دعة.....  ففي غد ينجز التاريخ ما وعدا 

دعي المهازل تلهو في مباذلها واستنطقي الشعب في الأحداث ماوجدا 

وإن نأى اليوم عن ميدانه فِرقَاً ..... فالصقر مازال في أجوائه حردا 

أكادُ أقسمُ والأحداث تخذلني.......  أني أرى المجد مثل النار مُتقـِـدا 

وأُبصرُ الراية الحمراء ترفعها....  أيدي المناجيد لا تحصي لهم عددا 

يحمي الكمي مع الإخوان حوزته....  فإن تولوا بدا في الساح منفردا 

لا يضعف الحدث الدامي حمّيته......  ولا يفـــــلُّ له عـــــزمٌ إذا وردا 

 

شهادات السفراء والديبلوماسيين

يذكر أن العديد من السفراء في عهد حافظ الأسد كان يدلون بشهاداتهم حول مظاهر الاستبداد وقمع الحريات وإجرام وتوحش القوى الأمنية، بعد خروجهم من سوريا أو انتهاء مهماتهم الدبلوماسية..  ويبدو أن سفير الكويت الذي كان يملك موهبة شعرية واضحة، قد اختار أن يدوّن شهادته في هذه القصيدة الرائعة القوية السبك والمتقدة الصور والمعاني، التي حيّا فيها دمشق وهو يلقي عليها نظرة الوداع، ورثى للشعب السوري "الذي يزأر في أصفاده جلَدا" كما جاء في أحد أبيات القصيدة

 

التعليقات (1)

    الكويت يمتلىء بجواسيس الاسد

    ·منذ سنتين 4 أشهر
    لم يكتفي بجواسيسه الارمن والشركس واليهود والمسيحيين السوريين بل احضر من رومانيا وروسياليعملوا في مشافي الكويت وليست لديهم شهادات وخاصة روسيا
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات