أكثر من ذلك؛ كشفت خطوة المجلس السريعة تلك حالة باقي مؤسسات المعارضة السورية التي يصفها الكثير من السوريين بأّنّها مهترئة ولم تكن بحجم الثورة السورية وتضحيات السوريين، فخلال عشر سنوات من عمر الثورة، لم تستطع تلك المؤسسات أن تُشكل مظلّة للسوريين الرافضين لحكم أسد، بل كانت في كثير من الأحيان عاملاً مُخرباً من خلال سياسات الاستقطاب التي اتخذتها، ناهيك عن غياب أي رؤية سياسة واضحة أو برنامج عمل.
إرادة الإصلاح
منذ أيام؛ وبعد كثرة الحديث عن وجود بعض المُمارسات لرجال دين محسوبين على المجلس الإسلامي السوري، تداعى المجلس لعقد اجتماع خرج بعده ببيان أكّد خلاله أن أي تصريحات لا تصدر عن المتحدث باسم المجلس لا تُمثله، مبتعداً بذلك عن أي مُشاحنات تحدث هنا وهناك، وبعد إلغاء دور المفتي مثّل التحرك السريع للمجلس حالة لم يعتَدْها السوريين منذ بداية الثورة، حيث أخذ المجلس زمام المُبادرة وانتخب مفتياً للديار الشاميّة، لينسف بهذا الانتخاب خطوة النظام بنزع هوية سوريا.
ويعتقد القاضي حسين حمّادة أنّ أي عملية إصلاح يجب أن تبدأ من الإرادة للإصلاح، يقول حمادة: "يتكون الائتلاف من 19 مكوّناً، لكن هل هذه المكوِّنات حقيقيّة أم وهميّة؟، وهل تُمثل هذه المكوِّنات قوى الثورة والمعارضة أم لا؟ فعندما نقول قوى الثورة والمعارضة، فهذا يحتمل أمرين، الأول المعارضة وهي القوى السياسية، فهل الموجودون في الائتلاف يعبرون عن المعارضة الموجودة على الساحة السورية؟، والأمر الآخر هو قوى الثورة، فهل الأسماء أو الكيانات الواردة في الائتلاف تُمثل قوى الثورة؟ هذه الأسئلة يجب طرحها وهي بحاجة لإجابة".
معارضة عاجزة
العديد من العوامل ساهمت في الحد من قدرة المعارضة السورية على لعب دور فعّال كقوة سياسية يُعتد بها، كما يقول مركز كارينغي للدراسات في بحث له، ومن بين هذه العوامل قضايا تتعلّق بالمعارضة نفسها وخياراتها ومناحي قصورها، إضافة إلى مسائل تتّصل بالبيئة السياسية التي تنشط في سياقها.
وفي ظل الحالة السيئة التي وصلت لها مؤسسات المعارضة السورية يعتقد بوجود أسئلة وجودية يجب الإجابة عنها للخروج من عنق الزجاجة، يقول حمادة: "هل استطاعت المعارضة السورية أن تُنتج مؤسسات بديلة عن مؤسسات النظام وأفضل منها ومتفوقة عليها؟، وفي الإجابة عن هذا السؤال نعلم لماذا يتعاطى معنا المجتمع الدولي بهذه الطريقة".
وللوصول للحالة المثلى للمعارضة السياسية يؤكد حمادة أنّه لا بدّ من إصلاح سياسي وإداري واقتصادي وقضائي، مؤكداً ضرورة البدء بأقوى أجسام المعارضة السورية، وهو الائتلاف، يقول حمادة: "رأس المعارضة السورية خاطئ ألا وهو الائتلاف، هذا الرأس الذي نخره السوس بشكله الحالي وبأدواته كارثة على الثورة السورية، ويجب البدء من هنا، وأي بداية لا تبدأ من هذا الرأس هي بداية خاطئة".
والمتابع لمسيرة الائتلاف المعارضة ومنذ تشكيله يعلم يقيناً أنّ إرادة الإصلاح لم تكون بوارد أيّ من مكوِّنات ذلك الائتلاف، فهو بحالته هذه كفيل بإبقاء الوضع على ما هو عليه، وهو ما تُريده بعض الدول المتحكمة ببعض أعضاء ذلك الائتلاف.
المال السياسي
منذ تحوّل المجلس الوطني إلى ائتلاف لقوى الثورة والمعارضة، عجز هذا الأخير عن إصلاح شيء حتى ميثاقه، ومع كلّ رئيس يأتي تمتلئ خطبه بإصلاح الائتلاف، غير أنّ أيّاً من تلك الشعارات التي يطلقها لا تجد طريقها للتنفيذ، وكان المال السياسي هو المُحرك لكل تحركات الائتلاف، ناهيك عن التدخلات الدولية في عمله، حتى بات مُرتهناً بشكلٍ كامل لتلك الأجندات.
المعارض السوري الدكتور برهان غليون يؤكد أنّ للمال السياسي دوراً كبيراً في الحفاظ على تشتت المعارضة وتغذية الصراعات داخل صفوفها وكذلك في تعزيز الضغوطات عليها وقطع الطريق على تحقيق الحلم السوري في الانتقال الديمقراطي، وهي الضغوط التي تحولت إلى تدخلات عسكرية هائلة ومتعددة لتهميش السوريين وتقاسم الكعكة السورية، وأضاف غليون في حوار مع موقع حقائق أن هذا ما يفسر أنه لم يعد للمعارضة اليوم، في الديناميكيات الراهنة للصراع، دور يذكر، في الوقت الذي أصبحت فيه الضغوطات تحيد بعضها أيضاً وتحول دون التوصل إلى أي تسوية منشودة.
الأسوأ من ذلك، يؤكد مركز كارينغي أنّه وبعد عجز ممثلي المعارضة (سواء أكان مقرهم في إسطنبول كما المجلس الوطني السوري، ولاحقاً الائتلاف الوطني السوري، أو في الرياض كما الحال مع اللجنة العليا للتفاوض، أو في جنيف وفيينا كما مع بعض مكاتب المعارضة)، عن إدخال تعديلات وازنة على مجرى النزاع أو على التسوية، كانت هذه المعارضة السياسية غالباً ما تستوعب الناشطين من داخل سوريا، وتوظّفهم للعمل في مؤسساتها وتبُعدهم عن السياق الذي كانوا ينشطون في إطاره، ونتيجة لذلك، وفي غضون أشهر قليلة، خسرت المعارضة كل اتصالاتها الداخلية على الأرض، ما جعل وجودها إلى حد كبير لزوم ما لا يلزم".
إذن؛ فإنّ انتخاب الشيخ أسامة الرفاعي الذي شكّل حالةً من الرِّضا والترحيب في أوساط السوريين داخل وخارج سوريا، شكّل حرجاً لباقي مؤسسات المعارضة التي سارعت بإصدار بيانات المبارَكة والتهنئة لخطوة المجلس الإسلامي السوري، متناسيةً أنّه ينبغي عليها أن تخرج من القمقم الذي وضعت نفسها به، وأن تبدأ تلك المؤسسات بمراجعات سريعة لنفسها وما وصلت إليه من ترهل، وأن تبدأ بإصلاح نفسها من الداخل أولاً.
التعليقات (2)