أورينت قبضت على الغلاء في أسواق إدلب.. رصدته في الأرقام المرتفعة، وبسطات الخضار والفواكه الخاوية من الباعة.. والأكياس التي لم تعد تتسع إلا للقليل.. قبضت عليه في شكاوى الناس.. سألته عن الأحباب والأصحاب، وكان التحقيق التالي:
الغلاء إن حكى
يقول لنا الغلاء: "ارتفاع إلى مستوى جنوني لم يعهد من قبل" إذا سمعتم هذه العبارة تتردد على أفواه الناس فاعرفوا أنني موجود وبقوة وأن حال أسعار الخضار والفواكه في أسواق إدلب تعاني، وتنطق بلسان حال السكان والنازحين هنا، حيث تنذر الشكوى بحالة من الاستياء والعجز، الذي لن يلبث أن يفجر الغضب لدى الناس.
ويقول لنا الغلاء أيضا: "لم يعد التسوّق ظاهرة إيجابية ملموسة بشكلها الاعتيادي القديم في مدينة إدلب حين كنت لا أعرف إلى هذه الأسواق سبيلا، اليوم بات وجودي يشكل هاجساً كبيراً لدى أهلها، لمعرفتهم المسبقة بأنهم الخاسر الأكبر بتلك المعادلة، بغض النظر عن سبب أو مسؤولية إيجادها".
ونترك شبح الغلاء، لنتحدث إلى الناس.. الناس الذين ضجوا من وجوده فارتفعت أصوات التذمر والشكوى، الجميع ينتظر الحل الأمثل أو الفرج القريب، في ظل عدم القدرة على شراء كافة المستلزمات، وعدم القدرة على الاستغناء عنها أيضا، فالأكل والشرب من ضرورات الحياة ولا يوجد عنها بدّ.
الجمل بليرة وما في ليرة..
سجلت أسعار الخضار والفاكهة بشكل خاص قفزة عالية جداً، ووصل سعر الكيلو غرام لبعض الأصناف ضعفي ثمنه قبل شهر أو أكثر بقليل، الأمر الذي زاد من العبء على الأهالي وأصحاب الدكاكين والمحالّ على حدٍ سواء. وعن هذه الجزئية حدثنا (ماهر علوش) صاحب محل وبسطة لبيع الخضار في سوق إدلب قائلاً "الوضع بهدلة، بالنسبة لنا كبائعين صرنا نقتصر على بيع "سحارة أو سحارتين" في اليوم في أحسن الأحوال، وبالنسبة للمستهلكين انخفضت كمية المشتريات لدون النصف عندهم، بسبب الغلاء الفاحش، والذي لا نعرف سببه حقيقةً، فنحن نتفاجأ يومياً بقائمة التسعير على مجموعاتنا الخاصة على واتساب، أو بفواتير الشراء من سوق الهال المركزي، ولا حول ولا قوة الا بالله".
من جهته أعرب (فارس أبو عرب) وهو صاحب بسطة فاكهة في السوق عن تذمره من الواقع الاقتصادي العام، حيث قال "من الطبيعي أن تخف حركة التسوق والبيع والشراء في ظل الغلاء، وأي غلاء!! فليس كل الناس قادرة على شراء كامل احتياجهم، أو تعدد الأصناف، كون الغالبية يعانون أوضاعاً معيشية صعبة، نعم هناك كثير من الأصناف والأنواع خضاراً وفاكهة، لكنها ليست بمتناول الجميع، يعني باختصار الجمل بليرة وما في ليرة".
سعر صرف الليرة التركية أولاً..
من البديهي في توصيف أي مشكلة، التبحّر في جزئياتها، والبحث عن مسبباتها فالغلاء سواء كان عاماً أو خاصاً فهو ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة سبب معين، أوضحه لأورينت نت من وجهة نظره (عدنان أبو طه) تاجر جملة في سوق الهال بإدلب بقوله "المسؤول الأول والرئيسي عن الغلاء في كل شيء، وليس فقط في الخضار والفاكهة، هو ارتفاع سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار، وتقلقل سوق الصرافة والتحويل، وباعتبار أن معظم موجودات سوقنا من المستوردات التركية، وغياب الإنسانية والرقابة الذاتية لبعض التجار الكبار للأسف، تشهد المنتجات ذلك الارتفاع الكبير في سعرها، ناهيك عن بعض الضرائب لدخول بعض المنتجات عبر المعابر مع تركيا، الأمر الذي يزيد التكلفة المادية للمنتج وبالتالي زيادة سعر البيع للمستهلك".
بينما عزا (خالد الدسوقي) وهو تاجر بسوق الهال بمدينة معرة مصرين سبب الغلاء إلى ضعف دور الإنتاج الزراعي المحلي، وقال "المساحة الجغرافية الزراعية المحررة صغيرة نسبياً مقارنة بعدد المستهلكين، وغالبية مزارعينا وأراضينا معتادة على زراعة محصولات معينة، نعم تكفي الاستهلاك المحلي ولكنها ليست وجبات رئيسية كالنعناع والبقدونس والملفوف".
وأضاف (الدسوقي) "بالنسبة للأسعار الفواكه تأتي في المقدمة العنب مسجلاً 10 ليرات تركية للكيلو الغرام الواحد والموز بـ 8 ليرات والبرتقال -وهو بموسمه- 5 ليرات وبعده التفاح والمانغا اللذان تتراوح أسعارهما ما بين 3 _ 5 ليرات تركية بحسب الجودة والنوع، أما بالنسبة للخضروات أغلى سعر الثوم بـ 8 ليرات تركيا للكيلو غرام الواحد ويليه البطاطا والبندورة والزهرة والليمون بسعر يتراوح ما بين 3 _ 6 ليرات تركية، أما الحشائش مثل البقدونس والنعناع والجرجير سعره مقبول نوعاً ما حيث يبلغ ليرة واحدة".
البلاء يعم وموجة الغلاء عامة!
"البلاء يعم والخير يخص" عبارة قالها (أحمد أبو ماهر) أحد تجار "الكمسيون" في سوق الهال في مدينة إدلب وتابع "الغلاء ليس في إدلب أو المحرر فقط، بل هو غلاء عالمي بسبب اضطراب سعر الصرف وخاصة بتركيا، كونها المصدر الرئيسي والوحيد لنا في الخضار والفواكه والألبسة والأغذية وغيرها، فحتى في تركيا هناك ارتفاع كبير ولكنه أدنى مستوىً من الأسعار عندنا كون تركيا بلد المنشأ و المصدر".
وفي تقرير نشره فريق "منسقو الاستجابة" عن الوضع الاقتصادي والإنساني في شمال غرب سوريا خلال الأشهر الثلاثة الماضية جاء فيه "إن أسعار الموادّ الغذائية ارتفعت بنسبة 400%، وأسعار الموادّ غير الغذائية ارتفعت بنسبة 200%، كما ارتفع سعر المحروقات بنسبة 350%، وسعر الخبز بنسبة 300%، كما رصد التقرير وصول معدلات الفقر إلى مستويات قياسية تجاوزت 90%، ووصلت نسبة عدد الأُسر التي خفضت أعداد الوجبات الأساسية إلى 65% في حين وصلت في المخيمات إلى 89%، فيما بلغت نسبة الأسر التي وصلت إلى حد الانهيار خلال الأشهر الثلاثة السابقة من 52% إلى 59%، وذلك في ظل عدم قدرة عمليات التمويل للاستجابة الإنسانية على تغطية كل هذه العوائل من الاحتياجات العامة وإنما تغطي فقط 45%".
بغض النظر عن ارتفاع الأسعار، واختلاف أسبابه، يبقى المؤثر الأكبر هو الفجوة الواسعة بين المدخول الشحيح والمصروف الكبير، ولا سيما أن غالبية الشعب السوري في المحرر يعاني من أوضاع معيشية غاية في السوء، وقهر متزايد يعاينونه بالنظر إلى الجيران في منطقتي غصن الزيتون ودرع الفرات، الذين لم يتأثروا كثيراً كما الحال في إدلب، ليزداد الوضع الاقتصادي سوءاً، فالمواطن يريد أن يعيش ضمن بحبوحة ورغد قدر الإمكان، في زمان بات فيه حلمه الوحيد، ما دعا به الفنان ( همام الحوت) في إحدى مسرحياته المضحكة المبكية "اللهم زيادةً في الرواتب وثباتاً في الأسعار".
التعليقات (1)