زيارة غولديتريش لشمال شرق سوريا.. المطلوب والممنوع

زيارة غولديتريش لشمال شرق سوريا.. المطلوب والممنوع
لا تُفصح الزيارات ذات الطابع الأمني والسياسي، عمّا يدور فيها من محادثات، ولعلّ الزيارة التي قام بها نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى "إيثان غولديتريش" لمحافظة الحسكة، تصنَّف ضمن هذا النوع من الزيارات، حيث تعتبر منطقة الجزيرة السورية (شرق الفرات) منطقة وجود عسكري أمريكي، ففيها قواعد أمريكية عديدة، وتلعب هذه القواعد دوراً رئيسياً في مساعدة قوات سوريا الديمقراطية "قسد “، على بسط نفوذها في هذه المنطقة.

زيارة غولديتريش أتت لتقطع الطريق أمام الجهود الروسية لإجراء مصالحات بين النظام الأسدي وما يسمّى "الإدارة الذاتية في منطقة الجزيرة السورية"، كذلك أتت على أرضية تقديم تطمينات مرحلية، بأن واشنطن لن تسحب قواتها من هذه المنطقة، إضافة إلى تهدئة الخاطر التركي الغاضب، نتيجة عمليات الميليشيات الكردية المعادية للدولة التركية، وتهديد أمنها القومي، من خلال تعاون هذه الميليشيات مع قوات تابعة لحزب العمال الكردستاني، الهابطة من جبال قنديل في شمال العراق.

لكن الذي لم يرشح للإعلام، وتمّ تسريبه، هو أن الوفد الأمريكي قال لمسؤولي حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) والإدارة الذاتية، إن سياستهم بالتقارب مع النظام في دمشق، لن تحلّ مشكلتهم بالصراع القائم بينهم وبين الدولة التركية، هذا الصراع لا يمكن تبريده بدون تهدئة حقيقية، تستند على إخراج قوات الـ PKK من الأراضي السورية، وهذا يعني تلبية مطالب واشنطن، بفك الارتباط بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني، وكذلك العمل على الوحدة بين القوى الكردية السورية، والتي تتمثل فعلياً بحزب الاتحاد الديمقراطي وحلفه مع المجلس الوطني الكردي في سوريا.

أمّا ما يتعلق بسقف المفاوضات بين ممثلي حزب الاتحاد الديمقراطي عبر ما يسمّى مجلس سوريا الديمقراطية من جهة، ونظام الأسد من جهة أخرى، فالنظام السوري، عبّر بشكل واضح وصريح، عن رفضه الموافقة على الإدارة الذاتية، خارج سقف نظام الإدارة المحلية المعمول به من قبل النظام، أي أن تبقى قوات النظام الحالية هي القوة الوحيدة التي تفرض النفوذ على مناطق قوات سوريا الديمقراطية، وأن تذوب هذه القوات لاحقاً ضمن جيش النظام.

بناءً على هذه المعطيات، خرج مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية بتصريحات رفعت سقف مطالب حزبه وقواته، حيث رفض مبدأ المصالحات الذي يقوم به النظام في درعا ومناطق الجنوب السوري، معلناً أن قواته البالغة مئة ألف مقاتل مستعدة للدفاع عن مناطقها، وهذا يعني أن الوساطة الروسية، لم تستطع إقناع حزب الاتحاد الديمقراطي بمصالحة النظام، وبالتالي فشل هذا المسعى الروسي، الذي كانت غايته منع تركيا من طرد الميليشيات الكردية من مناطق قرب حدودها الجنوبية، ومحاولته إلحاق منطقة الجزيرة السورية الغنية بالثروات البترولية والمائية والزراعية بنظام الأسد.

الوفد الأمريكي، ووفق تصريحات كردية، أصرَّ على ضرورة تنفيذ الرؤية الأمريكية، وهذا يعني، تحويل منطقة الجزيرة (شرق الفرات) إلى منطقة استقرار سياسي وتهدئة عسكرية، والعمل على إيجاد إطار تعاون سياسي بين القوى المختلفة في هذه المنطقة، مثل القوى السياسية الكردية (المجلس الوطني وتحالف حزب الاتحاد الديمقراطي)، والقوى السياسية الممثِّلة للمكوِّن العربي والآشوري وغيرهم من المكوِّنات.

الوفد الأمريكي الذي اجتمع مع مظلوم عبدي وإلهام أحمد، أبلغهما أن العمل على الرؤية الأمريكية، سيساعد الولايات المتحدة على إقناع تركيا بعدم شنّ هجوم على قوات ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية، وأن رفضهم للمسعى الأمريكي، سيدفع الأمريكيين إلى غض الطرف عن حرب قد تشنُّها تركيا ضد الميليشيات الكردية التابعة ل PYD وPKK.

وفق ذلك يمكن قراءة الموقف الأمريكي حيال الصراع في سوريا، هذا الموقف لا تبذل الولايات المتحدة جهوداً جدّية في حلّه، وإنما تضعه ضمن رزمة سياسية، تخصّ منطقة الشرق الأوسط، والتي تحتاج إلى حلول متزامنة، أساسها التدخل الإيراني في بلدان عربية عديدة، خدمة لمشروع سياسي يقوم على بناء إمبراطورية فارسية.

زيارة إيثان غولديتريش لمنطقة شمال شرق سوريا، تحمل اتجاهاً لرؤية سياسية أمريكية، يمكن تلخيصها، بأن تبقى حالات الوضع العسكري والسياسي على حالها، في كل المناطق السورية، أي أن تتشكل إدارة مؤقتة جديدة في شرق الفرات، أي في المحافظات السورية الثلاث (الحسكة ودير الزور والرقة).

 وأن تتشكل إدارة تشمل كل الشمال السوري (شمال حلب ومحافظة إدلب)، أي في مناطق سيطرة فصائل المعارضة المسلحة (درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام ومناطق محافظة إدلب)، وأن يتوقف النظام عن شنّ عمليات عسكرية ضد المناطق الخارجة عن سيطرته، ريثما يتمّ تفعيل تنفيذ القرار 2254.

 بقاء الجغرافيا السورية ضمن هذا المنظور الأمريكي، أي ثلاث مناطق نفوذ، يعني الانتقال بهذه المناطق من حالة الصراع العسكري، إلى حالة استقرار سياسي مؤقت يرافقه استقرار اقتصادي واجتماعي، وهذا الأمر يقطع الطريق على سيطرة روسية على سوريا، كما يقطع الطريق على محاولات هيمنة إيرانية على أجزاء من سوريا.

على هذه الأرضية يمكن فهم لماذا طرح مجلس سوريا الديمقراطية مبادرة تعاون اقتصادي وأمني عسكري على الممثل السياسي للمعارضة السورية (ائتلاف قوى الثورة والمعارضة)، فهذه المبادرة، تذهب عملياً إلى تثبيت مناطق نفوذ القوى على الأرض السورية، في انتظار حل سياسي لا تلوح ملامحه في الأفق القريب.

إن بقاء المعارضة السورية بشقّيها (الائتلاف وهيئة التنسيق) ضمن مربع انتظار حل سياسي دولي لا يبدو أنه قريب، يعني بالمحصلة مساهمتها بصورة غير قصدية في إطالة الحل السياسي للصراع في البلاد، وهذا ظهر باجتماعات إسطنبول الأخيرة بينهما، كما يعني تشجيعهما لكي يبقى ملف الصراع بيد القوى الدولية والإقليمية، في وقت لا يخدم فيه هذا الوضع الشعب السوري ببقاء دولته موحدة.

إن تجاوز وضع التوازنات الحالية التي لا تعمل لمصلحة الشعب السوري، يحتاج بالضرورة إلى إجراء مراجعة من قبل جميع قوى المعارضة، السياسية بألوانها والعسكرية المختلفة، وهذا يجب أن تحوّله القوى التي لا تزال تعتبر نفسها قوى ثورية، ويقع نشاطها خارج أطر المعارضة بشقيها، تحوّله إلى ضرورة وطنية قصوى، على قاعدة تعديل ميزان القوى، من خلال تطوير العمل الثوري، وصولاً إلى إجبار النظام وحلفه على تنفيذ القرار 2254.

فهل تحدث تلك المراجعة؟.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات