انخفاض الليرة التركية: سكان الشمال يدفعون ثمن الاستبدال الاعتباطي

انخفاض الليرة التركية: سكان الشمال يدفعون ثمن الاستبدال الاعتباطي
فاقم استمرار تهاوي قيمة الليرة التركية الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة لسكان الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة، بعد أن أصبحت العملة التركية هي العملة الرئيسية المتداولة في الأسواق والقطاعات الاقتصادية.

في شهر حزيران 2020، أعلنت الحكومات المسيطرة على الشمال السوري "الحكومة السورية المؤقتة وحكومة الإنقاذ في إدلب" استبدال الليرة السورية بالتركية، وتسعير البضائع بالليرة التركية، جراء فقدان العملة السورية قيمتها أمام الدولار الأمريكي وتذبذب سعر صرفها والخسائر المتتابعة التي لحقت بها.

تضخم الأسعار

لكن انحدار قيمة الليرة التركية وتسجيلها 10,22 ليرة لكل دولار أمريكي أخيراً، انعكس سريعاً على سوق المناطق المحررة، التي شهدت ارتفاعاً مضطرداً في أسعار المحروقات والسلع الغذائية والبضائع التجارية ووصولها لمستويات غير مسبوقة، حيث بلغ ثمن أسطوانة الغاز المنزلي 123 ليرة تركية، والخبز 2,5 ليرة بعد تخفيض وزنها، في حين لا يتجاوز متوسط الأجر اليومي للعمال في الشمال السوري 25 ليرة تركية.

وأكد كثيرون من الأهالي في حديثهم لـ"أورينت" تضاعف أسعار جميع السلع دون استثناء، في حين أن الأجور لا تزال كما هي دون تعديل، مطالبين السلطات في هذه المناطق بالبحث عن حلول لمشكلة الغلاء واتخاذ إجراءات تساهم باستقرار السوق، قبل بدء موسم الشتاء الذي تقل فيه فرص العمل.

ويوضح أبو أحمد عامل مياومة من سكان مدينة اعزاز، أن الأسعار لم تعد تتناسب مع الدخل الذي يتقاضاه غالبية العمال، بينما فاقم التذبذب المستمر في سعر الصرف من معاناة أصحاب الدخول الضعيفة في منطقة تعاني أصلاً من الفقر والبطالة وانخفاض الأجور.

ويقول أبو أحمد (رب عائلة مؤلفة من ثمانية أفراد): إن أجرته اليومية التي تبلغ في أحسن أحوالها 30 ليرة تركية، لم تعد تكفيه لشراء مكونات صحن سلطة خضار، الذي كانت تكلفته قبل شهرين لا تتجاوز سبع ليرات، متسائلاً "كيف يمكن تدبر مصاريف الطعام ومواد التدفئة وكساء العائلة بهذه الأجور الزهيدة؟".

تضرر السوق المحلية

أما "أبو جمال" صاحب محل لبيع المواد الغذائية في إدلب، فقد تحدث عن تأثر التجار والعاملين في قطاع المواد الغذائية بشكل كبير جراء تذبذب سعر العملة التركية، حيث يشتري التجار بضائعهم بالدولار ويبيعونها بالليرة التركية.

ويقول: بعد فترة الاستقرار التي شهدتها الليرة أمام الدولار سابقاً، تخلى التجار عن هامش الأمان الذي كنا نعمل به سابقاً، وهو ترك ليرة أو اثنتين كفرق تصريف، بسبب ارتباطنا بالعملتين التركية مع المشتري والدولار مع تجار الجملة، أما الآن فنحن مضطرون إلى تعديل أسعار البضائع بشكل دائم.

ويضيف: إن تدهور قيمة الليرة، تسبب بخسارة أصحاب المحال الذين يبيعون بالدين، وهو النظام المعمول به لدى الجميع بسبب الأوضاع المعيشية للسكان، فمن باع بحوالي 800 ليرة تركية في وقت كانت تساوي 100 دولار بالدين سابقاً، خسر أكثر من 200 ليرة كفرق سعر تصريف اليوم".

أما أبو عمر، المهجر من مدينة حلب ويعيش مع عائلته المؤلفة من ستة أفراد في مدينة إدلب، فيشير إلى سبب آخر ساهم بارتفاع الأسعار، متمثلاً بارتفاع أسعار المحروقات، مضيفاً: أصبح سعر ربطة الخبز يرتفع بشكل دائم، بسبب غلاء المحروقات، كما ارتفعت أسعار الخضار والمواد الغذائية بسبب ارتفاع أجور النقل، وأيضاً البضائع المحلية من منظفات وصابون وغيرها.

وكانت مدينة إدلب، كبرى المدن الخاضعة لسيطرة المعارضة وأكثرها كثافة بالسكان، قد شهدت وقفات احتجاجية بسبب ارتفاع الأسعار بشكل عام، والوقود على وجه الخصوص، وطالب المشاركون فيها بخفض أسعار المحروقات، معتبرين أن سعرها الحالي لا يتناسب مع أسعار النفط عالمياً.

أسباب ارتفاع الأسعار

وبحسب دراسة أجرتها وزارة الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، فقد شهدت الفترة بين شهري آب وتشرين الأول، تضخماً كبيراً في قيمة السلة الشهرية للعائلة متوسطة العدد، حيث وصلت إلى 2200 ليرة تركية نهاية شهر تشرين الأول، في حين كانت قيمتها لا تتعدى 1600 ليرة في شهر آب، ومن المتوقع أن ترتفع إلى ما يقارب 2500 ليرة نهاية شهر تشرين الثاني الجاري.

ويرجع وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة "عبد الحكيم المصري"، في حديثه لـ"أورينت"، ارتفاع الأسعار إلى العديد من الأسباب المتعلقة بحالة التضخم التي يعيشها العالم حالياً.

ويقول: هناك تضخم عالمي بصورة عامة، بسبب ارتفاع النفط بعد أن وصل سعر البرميل إلى 80 دولاراً أمريكياً، إضافة إلى ارتفاع أجور النقل البحري والتي تصل أحياناً إلى 300 بالمئة، ومعها ارتفعت تكلفة المواد بنسبة 10_15 بالمئة، باعتبار أن أكثر من 70 بالمئة من عمليات الشحن تكون بحرية.

ويضيف: كما لعب انخفاض الليرة التركية عاملاً إضافياً في الشمال السوري، باعتبار أن معظم المواد يتم استيرادها عن طريق تركيا بالدولار، ما أثر على أسعارها عند تحويلها إلى الليرة التركية، مع الأخذ بالاعتبار إقبال الناس على الشراء والتخزين خشية استمرار الغلاء، وبذلك يكون هناك زيادة في الطلب وارتفاع السعر.

في حين يعتبر الخبير الاقتصادي "عبد الرحمن أنيس" أن ارتفاع الأسعار الحالي في الشمال السوري وتضرر السوق المحلية كان متوقعاً، بسبب الطريقة التي جرى من خلالها عملية استبدال العملة السورية بالتركية.

ويقول: تعاطي الشمال السوري مع انهيار الليرة السورية واستبدالها بالعملة التركية لم يكن من باب تجنيب الشعب تبعات وآثار الزلازل الذي سيحدثه انهيار الليرة السورية، بل كان من باب الاستفادة وفرض السلطة دون مراعاة حقوق الناس وأموالهم، ما أدى لفوضى متوقعة مع غياب المأسسة الحقيقية وجهات رقابية تضبط الأسعار وتحقق الاستقرار.

وعن الحلول الممكنة لتدارك الوضع الحالي، يجيب أنيس: " لابد من إيجاد منطقة اقتصادية موحدة في المناطق المحررة، وإحداث مجلس اقتصادي أعلى ومجلس نقد وتوحيد خزينة عامة مشتركة يتفق عليها وعلى أشكال الإنفاق العام وفقاً لموازنة عامة موحدة، مع ضرورة وجود جهة رقابية عليا تضبط البوصلة، وهي الطريقة الوحيدة لحماية السوق واقتصاد السكان وعدم تحميلهم أثر التغيرات الاقتصادية دفعة واحدة.

بينما كان الهدف عند اعتماد العملة التركية في مناطق سيطرة المعارضة هو حماية السوق والمواطن من اضطراب سعر صرف الليرة السورية، فإن تعرض الليرة التركية لهزات مستمرة قضى على فرص تحقيق هذا الهدف، في وقت لا يوجد فيه أي تحرك رسمي لتلافي الواقع السلبي الذي أدى إليه ذلك، وأسفر عن تضرر المواطنين في هذه المناطق بشكل كبير.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات