سوريا في المناهج الجديدة للنظام: لن تصدّق الكارثة!

يتكفل نظام أسد حالياً بإقناع نفسه أنه نجا من السقوط، إذ لم تكنسه هتافات من ثار عليه، ولم يكن يوماً على الأجندة الجادة لاستخدام القوة العسكرية ضده من قبل الناتو أو سواه، ولعله أيضاً يستقي من افتراض النجاة ذاك صوراً من مصادرة الواقع إلى الجهة التي يريد، فيحثُّ ملامح الدولة الأوليغارشية على الظهور تارةً، وتارةً أخرى نرى فيه اكتمال ملامح الدولة البلوتوقراطية (سلطة أثرياء النظام الجدد) مستفيداً من التناقضات النظرية بين من يريده ومن لا يريده من القوى الدولية الفاعلة في الملف السوري. فنجده يوغل متمادياً في سياسة دهس المجتمع عبر تطويقه بالتقنين القاسي الذي لا رادع له ولا فكاك منه، مادام هذا النظام يتنفس، وكأنه بذلك يلمع صورته الأثيرة، نظامٌ يسود على عبيد لا يجرؤون على عصيان مالكهم.

ألف باء المنهاج الجديد؟!

خلال هذا العام بدا النظام ميّالاً أكثر لتصديق فرضية إمكانية مكوثه زمناً أطول، مهما كان الثمن السياسي والاجتماعي لهذه القيلولة الطويلة، ولعله هرول بجرأة وحفاوة صوب مقولة ونستون تشرشل "التاريخ يكتبه المنتصرون" فأوعز لوزارة تربيته بدسّ مقرر جديد تحت اسم "الحرب على سوريا" ليكون جاهزاً للتعاطي خلال العام الدراسي المقبل، بحيث من المرجّح أن يطمس من خلاله حقيقة الثورة التي أرادت إرداءه أرضاً، وقلب حقيقتهاوجعل توصيفها كما يشتهي دائماً بأن توصف "حربٌ إرهابية عليه" أو"حربٌ كونية" سيطمس معها كل صرخات وشعارات أيام الجمعة التي نادت "ياالله ملنا غيرك ياالله" والتي أمّلت برحيله، ودفعت بسخاء أرواحاً كثيرة زُهقت، أو طوتها عتمة أقبية الاعتقال.

دارم طباع الطبيب البيطري ووزير تربية النظام في آن، تعهّد بإتمام هذه المهمة، فحاول جاهداً تسويق المقرر التدريسي المزمع تأليفه، مسبغاً عليه صفةً بحثية، إذ قال إن المقرر سيكون ثمرة عمل أكاديميين وباحثين متخصصين، أي نفى عنه شبهة المقرر السياسي الذي يريد تزوير التاريخ السوري القريب.          

يتعطش النظام إذاً ورئيسه لتصديق أي انفراج قد يحرره من عقدة الاعتقال التي طال زمنها في زنزانة العزلة العربية،يفعل ما يستطيع فعله لتوسيع مساحة يقينه بذلك ولو قيد أنملة، حتى وإن كان مجرد تحريك شكليّ لاستثماراته العقارية ذات الأذرع العربية،والتي توقفت منذ العام 2012،  ولا بأس أيضاً أن نتذكر استئناف شركة الشام القابضة التي يملكها رامي مخلوف، العمل على فندق ياسمين دمشق في شهر تموز/ يوليو من العام الحالي، وهو الفندق الأكبر في العاصمة بكلفته الإقراضية الباهظة البالغة 77 مليون دولار، ويقع في نهاية أوتوستراد المزّة، أما المنفّذ للمشروع فهو شركة أرابتك الإماراتية الخاصة ببناء الفنادق.

إعادة التدوير، منهاجٌ جديد أيضاً؟!

السوريون الذين لم يوفقهم الله بترك جحيم/ شرك "الوطن" يعيشون مذلةً يومية تبدأ من اصطياد رغيف الخبز صباحاً بوساطة البطاقة العبقرية، وتنتهي باكتئاب ما قبل النوم، وهم ينتظرون أن يزهر بردهم الشتائي الذي لا علاج له فوق شواهد قبورهم المجازية، عتمة ليلهم التي تنقطع فيها أوصال كهربائها، والكلفة الباهظة لاستقبال يوم إضافي في حياتهم الهانئة تلك، وهذا كفيلٌ بأن يجعلهم يستهترون بتقبّل تعاطي لقاح كورونا، وكأنهم بذلك يرفضون قبول منهاج جديد يلاقي الحياة، يُزاد على ذلك عملةٌ منهارة وحفنة لصوص يقبضون على مصير البلاد وقاطنيها.

مؤخراً درجت موضة سرقة شواهد القبور وإكساء المطابخ برخامها وسرقة أسلاك الكهرباء من مداخل البنايات في نوبات صداع الكهرباء اليومية وانقطاعها، ومن ثم بيع نحاسها، وفي السويداء صاروا يسرقون محوّلات الطاقة الكهربائية عن الأبراج الحديدية ومقاعد الحدائق وأبواب دورات المياه العامة، عدا عن حصاد الأشجار بغرض تقطيع أخشابها لاستقبال الشتاء السعيد المرتقب، لدرجة أن منطقة اسمها "سد الروم" وهي منطقة اصطياف صارت جرداءَ  قبيحة. فمن يلومهم؟! ونظامهم مكث فوق بردهم؟ ولا أحد يردعه.

لكن مازال بمقدور الحزب الشيوعي السوري الاحتفال بمناسبة ذكرى تأسيسه الـ 97 تحت شعار "سوريا لن تركع" ولا يجد من يردعه عن إشهار هذا الشعار ذي المخاطر السياسية على كوادره وقياداته، ومازال بمقدور النظام أن يهدد بمصادرة السيارات المسروقة من لبنان والتي اشتراها سوريون(تسمى سيارات الوارد) ومازال بإمكان أصحاب تلك السيارات في السويداء أن يتجمعوا بسياراتهم وأسلحتهم اللطيفة في دوّار عام، ويهددونه بالرد إن كان جدياً باقترافه لتلك الفعلة، لكنهم وفي آن لا يتظاهرون لأسباب أخرى، والموت يزحف فوق جثثهم ببطء، وهم العاجزون عن رؤية هيئته المؤكدة، هكذا يفهمون الحراك؟! وأيُّ حراك؟! وهكذا يفهمون ما قاله تشيزاري بافيزي الشاعر والروائي الإيطالي ذات مرة: ليس الأفراد فحسب، بل الشعوب أيضاً تصاب بانفصام الشخصية.