المسألة الطائفية في سوريا (2 من 3): الدروز وشعارات طمس الخصوصية

المسألة الطائفية في سوريا (2 من 3): الدروز وشعارات طمس الخصوصية
 

"الدين لله والوطن للجميع..."

شعار يتردّد في سوريا منذ عقود طويلة.. هو في الحقيقة أكذوبة كبيرة دأبت الأنظمة المتعاقبة منذ الاستقلال على الترويج لها، بهدف طمس الخصوصية التي تميّز كل طائفة، وبالتالي السعي إلى دمج مكوّنات الشعب السوري في كتلة بشرية أقرب الى القطيع.. وبالمقابل مارست السلطات التمييز الطائفي في المواقع الحسّاسة والمفصلية للدولة!

عن أيّة وحدة وطنية يتحدثون؟

 في الوقت الذي تُصدر فيه دائرة النفوس إخراجات القيد مع ذكر خانة الطائفة وقِس على ذلك تعقيدات الزواج بين أبناء الشعب الواحد.. فعن أية وحدة وطنية يتحدثون؟

 وفي الوقت الذي تنتشر فيه المحاكم المتعددة (لايوجد قانون موحّد للرعايا السوريين) محكمة شرعية، ( مسلمون) محكمة مذهبية ( دروز) محكمة روحية (مسيحيون) وقِس على ذلك.. فعن أي وحدة وطنية يتحدثون؟ 

جاء البلاء الأكبر من استيلاء العسكر البعثيين على السلطة عام ١٩٦٣.. فتم استبدال الأديان بدين واحد هو دين البعث، وبالقائد الفرد لاحقاً وهو الواحد الأحد. وعلى الرغم من الدجَل الذي مُورس على النسيج الاجتماعي الممثَّل في أجهزة الدولة، إلا أن المحاصصة واضحة وضوح الشمس، لا يخفيها حتى الغربال! يتحدثون عن الطائفية السياسية في لبنان رغم أن تمثيل الأعضاء في مجلس الشعب السوري يعكس بشكل كامل النسبة المئوية لتعداد الطوائف.

طائفة متماسكة عصيّة على الفهم!

أبدأ بالكتابة عن الطائفة الدرزية أي المعروفة باسم طائفة الموحدين المسلمين الدروز. يبلغ تعداد الدروز في العالم مليون شخص ونيّفاً، يقطن الغالبية٧٠٪ في جبل العرب (محافظة السويداء). ولهم امتداد في لبنان والأردن وفلسطين والمهاجر الأميركية وسواها. من حيث الشكل ينتسبون إلى الإسلام، ولكن من حيث الجوهر فالعقيدة الدرزية عقيدة مغلقة حتى على رعاياها صغار السنّ ومنشوراتها سرّية لا يجري تداولها، وصلواتهم سرية لا يحضرها أحد، وهم طائفة متماسكة لا زالت عصية على الانقسام والتشرذم.

هي أقرب إلى الفلسفة العقلانية منها إلى الديانات الإبراهيمية، ولضرورة الحفاظ على السلامة فقد أعلن المؤسس حمزة بن علي إغلاق الدعوة لا لشيء، سوى لإيقاف الملاحقة التي تعرّض لها الدروز بعد اختفاء (الحاكم بأمر الله) وتشتت الدروز في بلاد الشام.

يختارون السكن في الجبال بعيداً عن مراكز وجود المسلمين (ولاسيما السنّة) وإذا أردنا الإنصاف فالدروز شعب مسالم، غير جهادي، لا يسعون لنشر دعوتهم لا بالإقناع ولا بالسيف. لايحبون أن يتدخل أحد في نمط معيشتهم وطقوسهم وهم شعب مضياف ويعامل الغريب بلطف. وأذكر كيف احتضن الدروز الأرمن بعد محنتهم وأسكنوهم بينهم، فأصبح الأرمن من المقتدرين مادياً ولهم تجارة وصناعة يدوية ولم يتعرض أحد منهم لسوء.

متى يكون الدرزي مقاتلاً؟

بالمقابل الدروز شعب مقاتل شديد البأس إذا تعرض لعدوان عليه. يذكر التاريخ كيف أوقفوا حملة إبراهيم باشا في منطقة اللجاة سنوات طويلة وكبّدوه خسائر فادحة..واليوم يشعر الدروز بالغبن والظلم الذي لحق بهم..إن نصف عدد شهداء الثورة السورية الكبرى كان من الدروز ، حوالي 4500 شهيد في سوريا التي كان تعداد سكانها لا يتعدى ٣ ملايين نسمة.

لاحقاً استهوت الدروز فكرة الأحزاب العلمانية ولاسيما "البعث" و"القومي السوري" و"الشيوعي" بدرجة أقل..لا مبرر للسؤال لماذا، ففي جبل الدروز لا يوجد مسلمون فمن الطبيعي ألّا تتشكل حركات إسلامية فيه... إن سعي الدروز إلى الانتماء لهذه الأحزاب كان يهدف دائماً إلى إبعاد صفة المرتدين عن الإسلام والاستعاضة عن الوحدة الإيمانية بفكرة القومية العربية فهذا يبعدهم عن صراع لا طائل منه..لا بد من التنويه الى أن الدروز أكثر فئات الشعب السوري تعليماً (الأمية٠٪) في إحصائية ٢٠١١...ولهم نمط معيشة مدني في الواقع ولكنه أبعد ما يكون عن طقوس وفروض الإسلام..من هنا نستطيع أن نفهم لماذا لم يُؤازروا الحراك السوري الذي سيطرت عليه الفصائل المسلحة..لا أقول إنهم يدعمون ويؤيدون النظام القائم بشكل كبير لكنهم لا يمكن أن ينخرطوا في حراك إسلامي النزعة..إجمالاً الدروز يعانون من اضطراب في هوية المواطنة. هم لايجرؤون على إشهار مذهبهم والذي لا يمت بصلة للإسلام السنّي أو الشيعي، ولكنهم مضطرون لمسايرة الحاكم اتقاءً لشره..

محاولات شق الصف الدرزي 

حاولت السلطات المتعاقبة شق الصف الدرزي ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل. مشيخة العقل متماسكة والولاء للمختارة في قلب كل درزي وهو ليس ولاء لجنبلاط بقدر ما هو ولاء للجنبلاطيين وآل ارسلان الذين كان لهم شأن كبير إبان الخلافة العباسية.

للإنصاف ليس لدى الدروز أية ميول انفصالية.. لقد رفضها سلطان باشا الأطرش ويرفضونها اليوم. حياة الناس في جبل الدروز مرتبطة عضوياً بدمشق وبلاد الشام. هناك يرسلون أولادهم إلى الجامعات وفي دمشق يسوّقون منتجاتهم الزراعية، ولا يقبلون بأن يكونوا في وحدة مع الأردن أو غيره..

لعب الاغتراب دوراً كبيراً في حياة الدروز مادياً وثقافياً..لا تتعجب إن سمعت ٥٪ من السكان يعرفون الإسبانية بسبب الهجرة إلى فنزويلا خصوصاً،وهم يهتمّون بالمرأة. الفلاح الدرزي يقبل بالجوع ولا يقبل بعدم إرسال ابنته إلى الجامعة ناهيك عن أن تعدد الزوجات ممنوع.. نسبة كبيرة منهم مثقفون وحاملو شهادات عالية ومنهم الموسيقي والفنان التشكيلي والشاعر والأديب..وهم إجمالاً متفوقون في الدراسة.

لقد ابتُلي الدروز ببعض الضباط البعثيين المتهوّرين الذين أساؤوا لسمعة الطائفة كسليم حاطوم وحمد عبيد، فقد أوغر البعض صدورهم الطائفية الغبية واقتحموا بعض الجوامع إبان حكم البعث. إجمالاً لكي نفهم المسألة الدرزية علينا احترام خصوصيتهم والاستفادة من إمكانياتهم ..أما ممثلو الطائفة في الحكم فهم منبوذون بين الناس وغير محترمين بتاتاً. باختصار: الدروز ليسوا مع التطرف المسلح ولا مع عنف السلطة وهم بذلك في أزمة وجودية لا زالت تلقي بظلالها على معيشتهم.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات