كيف يستغل النظام هلع الصين من عودة الحزب الإسلامي التركستاني؟

كيف يستغل النظام هلع الصين من عودة الحزب الإسلامي التركستاني؟
منذ أن حوّل النظام الأرض السورية إلى ميدان حرب مفتوح ضد الشعب، وجدت القوى الإقليمية والدولية في هذا الميدان مساحة استثنائية لخوض معاركها الباردة أو الساخنة، وإن كان بالوكالة، وكان من بين هذه القوى جمهورية الصين التي تخوض صراعاً مزمناً مع الانفصاليين الأيغوريين في إقليم تركستان الشرقية/شيانغ يانغ.

لكن بكين لم تُبدِ اندفاعاً كبيراً وأظهرت لا مبالاة لافتة طيلة ثماني سنوات،  حيال تدفق مقاتلي الحزب وعوائلهم إلى منطقة إدلب، فيما بدا وقتَها أنه "رِضًا صيني"، بالنظر إلى أن هذا الخيار يضع هؤلاء المقاتلين بعيداً جداً عن حدودها، على عكس تمركزهم السابق في أفغانستان وباكستان المتاخمتين لها.

إلا أن الاتصال الأخير بين الرئيس الصيني شي جين بينغ، وبشار الأسد، يوم الجمعة الماضي، أعاد الحديث مجدداً عن إمكانية تغيير الصين إستراتيجيتها في هذا الملف، بالنظر إلى تطورات عدة طرأت عليه، على الأقل منذ حوالي السنة، وبلغت ذروتها مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.

ورغم أن المكتب الإعلامي للقصر الجمهوري في دمشق لم يخرج عن الصيغة التقليدية في الخبر الرسمي الذي وزّعه إلى وسائل الإعلام حول مضمون الاتصال، إلا أن معلومات كشفت عن تخصيص جزء مهم من المكالمة لملف الحزب التركستاني.

وبينما قال إعلام النظام إن "بشار الأسد بحث في اتصال هاتفي مع الرئيس الصيني العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل توسيع آفاق التعاون بينهما"، قالت مواقع معارضة إن الحزب التركستاني كان أحد الملفات التي تم بحثها في الاتصال.

والواقع فإن الخبر الرسمي الذي نشره النظام لا يبتعد تماماً عن ذلك، حيث ركّز بشكل مكثّف على قضية "مكافحة الإرهاب" وخاصة حين أشار إلى أن بشار أسد أكد خلال المكالمة أن "العلاقة مع الصين محورية ومهمة بالنسبة للشعب السوري في تصدّيه للإرهاب المدعوم دولياً".

وأضاف: "كما أكد وقوف سورية إلى جانب الصين في وجه الحملات الغربية التي تحاول ضرب الاستقرار في منطقة جنوب شرق آسيا وبحر الصين الجنوبي" في إشارة واضحة إلى التحركات الأمريكية في تلك المنطقة، بينما أعرب الرئيس شي جين بينغ عن "حرص الصين على تعزيز التعاون مع الجانب السوري في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب".

لكن موقع "الحلّ" نقل عن مصادر عسكرية في جيش النظام أن "وحدة الطيران المسيّر في الجيش تلقّت ثلاثَ برقياتٍ من قيادة قوات النظام كان فحواها مراقبة عناصر الحزب التركستاني، ورصد مقرات وتحركات قادة الحزب في منطقتي جسر الشغور بريف إدلب، وجبل التركمان بريف اللاذقية، واستهداف هؤلاء القادة والعناصر التابعين لهم فور التحقّق منهم".

قلق صيني من عودة الحزب

وربطت المصادر هذه الأوامر الجديدة بالمكالمة الهاتفية التي جمعت رئيس النظام مع نظيره الصيني، بينما ربط محللون هذا التطور بخشية بكين من أن تسمح الولايات المتحدة أو تسهّل انتقال كوادر الحزب وقادته إلى أفغانستان، تمهيداً لعودتهم إلى الأراضي الصينية، ضمن إستراتيجية "المواجهة مع الصين" التي أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أنها على رأس أولوياته.

بل إن الحديث عن عودة مقاتلي الحزب وبعض قادته من سوريا كان قد ظهر منذ أكثر من عام، في وقت يسبق حتى إعلان واشنطن رفع الحزب من قوائم الإرهاب الأمريكية في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر 2020.

وتم تصنيف الحزب التركستاني على قوائم الإرهاب منذ العام 2002 من قبل الأمم المتحدة، على خلفية هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 التي نفّذها تنظيم "القاعدة" ضد أهداف داخل الولايات المتحدة، بينما لم تعتبره واشنطن منظمة إرهابية حتى العام 2009.

وتأسّس "التركستاني" عام 1993 على يد الشيخ حسن معصوم، بهدف طرد الصين من إقليم تركستان الشرقية، وتمكّن من ضم المقاتلين الإسلاميين من الدول التركستانية الأخرى المستقلة عن الاتحاد السوفياتي (أوزباكستان، طاجيكستان، قيرغيزستان، وداغستان) إلى صفوفه.

وفي عام 2013 بدأ تدفق عناصر الحزب إلى سوريا، وعبر الكثير منهم الحدود التركية، حيث يوجد آلاف الأيغوريين، وهي القومية التي ينتمي إليها سكان إقليم شينغيانغ المسلمون كلاجئين في تركيا، وشاركوا في المعارك ضد النظام، وكان أبرزها معركة السيطرة على مطار أبو الظهور بريف إدلب عام 2015.

وحسب المعلومات، فإن الصين تأخذ على محمل الجد المعلومات التي تحدثت عن طلب أمريكا من الدول الحليفة لها، بما في ذلك تركيا، تسهيل عودة كوادر الحزب للالتحاق بقادته من الصف الأول، الذين لم يغادروا أفغانستان طيلة الوقت، ولهذا فإن بكين دخلت وللمرة الأولى في تصعيد مع أنقرة، وتجلّى ذلك بالسِّجال الذي دار بين مندوبَي البلدين في الاجتماع الأخير لمجلس الأمن الدولي.

لكن الكاتب المختص بشؤون الجماعات الإسلامية عمار جلو يرى أن الصين ستعمل على استمرار العلاقة الجيدة مع تركيا، وأن الصين لن تعرّض العلاقات التي تحقق منافع اقتصادية كبيرة مع تركيا إلى مخاطر حقيقية بالنهاية من أجل هذا الملف.

بالمقابل يعتقد جلو أن الحديث عن بدء تنسيق صيني مع النظام من أجل استهداف قادة الحزب التركستاني أمر يبدو منطقياً، لأن "محاربة الإسلام كعقيدة وفرض القيود على رجال الدين الاسلامي هي سياسة صينية داخلية، وتتمدد خارجياً في حالة شعور بكين بمخاطر قد تعرّض أمنها للخطر مستقبلاً، وهذا ما تراه بكين في الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا، وما يمكن أن يقوم به في حال عودته إلى بلاده محملاً بالخبرات القتالية والتصنيع الحربي".

وكانت معظم كوادر الحزب قد غادرت أفغانستان إثر سقوط حكم طالبان عام 2002 ليستقروا في باكستان، قبل الاضطرار للرحيل عنها في العام 2013، بعد التقارب الصيني الروسي الباكستاني، ما عرضه لخسائر كبيرة على صعيد عدد المنتسبين والجاهزية والقدرات القتالية، الأمر الذي رأت هذه القيادة أنه يمكن معالجته في سوريا.

ولم يُخفِ أمير الحزب الحالي عبد الحق التركستاني ذلك، حيث أكد عام 2016 أن "الحزب عمل على الاستفادة من الوضع في سوريا من أجل إعداد المقاتلين التركستانيين، كي يعودوا لتحرير أرضهم من سيطرة الحكومة الصينية". 

وسجّل الحزب أول حضور عسكري قوي له في الساحة السورية عام 2015، فكان القوة الضاربة في عملية السيطرة على مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، ومنها انطلق لتوسيع عملياته، وخاصة باتجاه سهل الغاب، وأخيراً في ريف اللاذقية.

التعامل المتوقع

يرى الكثيرون أن الصين لم تكن لتحفل بالحزب الإسلامي التركستاني مهما بلغ مستوى التطور الذي يحققه في سوريا لولا تأكدها من عمل خصومها على عودته إلى منطقة يشكل فيها تهديداً مباشراً عليها، ولذلك فإنه ستضع يدها بيد نظام أسد من أجل تقويض مخاطره، بما في ذلك تقديم دعم تقني ولوجيستي ترى أنه يمكن أن يساهم بذلك.

ولذلك فإن عمار جلو يعتقد أن هذا التطور يمثّل فرصة ذهبية للنظام "الذي يسعى باستمرار، سواء لدى الحلفاء أو الغرماء، لبناء اتفاقيات أمنية أو سياسية بديلة عن الحل السياسي بموجب القرارات الدولية، لتكون مدخلاً لعودة النظام للساحة الدولية، ولذا فإنه سيعرِض خدماته على الصين ومن المرجح توجيه قواته بضرب الحزب التركستاني أو التضييق عليه".

لكن جلو يشير إلى أن "النظام الأسدي سيعمل على الاستفادة من هذا الملف واستغلال قلق الصين لتحقيق مكاسب أكبر بكثير من المُتاح، فهو النظام الأشهر عالمياً بالتعامل مع التنظيمات (الجهادية) واختراقها، لذا لن يتوسع في استهداف الحزب و التضييق عليه إلى حد إنهائه، وذلك بهدف جرّ الصين إلى الأراضي السورية للاستفادة منها بالجانب الاقتصادي الذي يعجز عن تغطيته الحليفان الروسي والإيراني، وكذلك لتوفير هامش مناورة تخفف عنه الإملاءات والضغوط الإيرانية والروسية بالأخص".

فرصة ذهبية أخرى تقدمها استراتيجية حروب الوكالة التي تعتمدها مختلف القوى المتدخلة في الشأن السوري، مع إبراز الصين اهتماماً غير مسبوق بمعالجة ملف الحزب الإسلامي التركستاني خشية عودته إلى حدودها، ما يمنح النظام مجدداً وضعية الشريك في الحرب على "الإرهاب" وتوظيف ذلك لتحقيق مكاسب أكبر على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات