هل اقتربت قسد من تسليم "الوديعة" للنظام؟

هل اقتربت قسد من تسليم "الوديعة" للنظام؟
بينما تتضارب التصريحات حيال مبادرة موسكو من أجل ثني تركيا عن شن هجوم عسكري جديد على المناطق  الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا، يواصل إعلام النظام حديثه عن قرب التوصل لاتفاق يقضي بانتشار جيش أسد والشرطة العسكرية الروسية في المناطق التي تهدد تركيا باقتحامها.

ومنذ بداية التصعيد الإعلامي الأخير من قِبَل تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" الذراع العسكرية للإدارة الذاتية، على خلفية مقتل جنديين تركيين في ريف حلب الشمالي قبل ثلاثة أسابيع، لجأت وسائل الإعلام التابعة للنظامين الروسي والسوري إلى نشر معلومات وأخبار تتحدث عن ضرورة تسليم مناطق تسيطر عليها ميليشيات "قسد" إلى جيش النظام، كشرط للتدخل الروسي من أجل منع أنقرة من تنفيذ تهديداتها.

"حلول وسط"

صحيفة "الوطن" التي تصدُر في دمشق، ادّعت أن "الجهود الروسية التي بُذلت على أكثر من صعيد لوقف التدهور الأمني وتطويق التهديدات التركية، أثمرت عن تراجع حدّة التهديدات، على الأقل في الأيام الأخيرة من عمر مساعي التهدئة الروسية، حيث تركّز موسكو جهودها حالياً على إيجاد «حلول وسط».

وحسب تقرير للصحيفة نُشر اليوم الإثنين، فإن المبادرات الروسية تتجلى في إقناع قيادات "قسد" بسحب مقاتليهم من المواقع محلِّ الخلاف، مثل (تل تمر وعين عيسى وربما منبج وعين العرب)، مقابل تمركز الشرطة العسكرية الروسية فيها لتثبيت تهدئة مستدامة إلى حين نضج ظروف الحل المستدام، بانتظار اللقاء العسكري الروسي-التركي المرتقب في أنقرة خلال الأسبوع الجاري، بينما يُنتظَر أن يزور وفد من الإدارة الذاتية برئاسة إلهام أحمد موسكو يوم الثلاثاء، لإجراء مشاورات بهذا الخصوص.

ورغم أن التقرير الذي نشرته الصحيفة شبه الرسمية قد تجنّبَ الحديث عن التوصل إلى اتفاقات بين النظام وقسد تقضي بانسحاب الأخيرة من مدن وبلدات محددة، كما دأب إعلام النظام وموسكو على الترويج له مؤخراً، إلا أنه ركز في الوقت نفسه على أنه لا مَخرجَ أمام الإدارة الذاتية سوى تسليم المناطق التي تهدد تركيا باقتحامها إلى جيش أسد والشرطة العسكرية الروسية.

 مؤشرات ومعطيات

فبينما يعتقد البعض أنه لا يمكن لقادة "قسد" القبول بتسليم مناطق خاضعة لسيطرتهم إلى قوات النظام تحت أي طائل، يعتقد كثيرون أن إعادة هذه المناطق إلى سيطرة أسد هي مسألة وقت، ويقولون إن العلاقة بين الـ(PYD) والنظام، ظلت باستمرار علاقة تنسيق وتحالف، رغم كل ما يُثار عن خلافات بينهما من وقت إلى آخر، معتمدين على مؤشرات يقولون إنها تدعم تقديراتهم.

فبعد السماح بمرور أرتال عسكرية روسية متجهة إلى قواعد تابعة للنظام في ريف دير الزور الغربي، وكذلك الموافقة على تعزيز قوات النظام الموجودة على تخوم الرقة ودير الزور لمواقعها، قالت مصادر محلية إن قوات "قسد" بدأت بإزالة حواجزها المنتشرة في محيط المربع الأمني لقوات النظام في مدينة القامشلي.

وأضافت المصادر أن حواجز تابعة لـ"قسد" تمت إزالتها خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية من أحياء "القوتلي" و"الصناعة" و"المدينة الشبابية" وجميع هذه الأحياء على أطراف المربع الأمني التابع لقوات النظام.

وقبل ذلك سمحت "قسد" بمرور أرتال للقوات الروسية وقوات النظام، ما ساعد على تعزيز مواقعها في المناطق القريبة من منطقة "نبع السلام" وخاصة بالقرب من بلدتي "تل تمر" في ريف الحسكة الشمالي، و"عين عيسى" في ريف الرقة الشمالي.

وإلى جانب التحركات العسكرية السابقة، صدرت عدة تصريحات من قِبَل قادة في الحزب الكردي الذي يهيمن على الإدارة الذاتية، واعتُبِرت تمهيداً لعقد اتفاق مع النظام وفق شروط الأخير.

أبرز هذه التصريحات تلك التي أدلى بها القيادي الأشهر في حزب العمال جميل باييق قبل أيام، واعتبر فيها أن علاقة حزبه مع عائلة الأسد وثيقة ودافئة، معترفاً أن هذه العلاقة لم تنقطع قط.

وقال "باييق" والذي يعتبر الشخص الثاني في "حزب العمال الكردستاني" بعد زعيمه المعتقل في تركيا عبد الله أوجلان، في مقابلة خاصة مع صحيفة "النهار" إن "علاقتنا بحافظ الأسد وعائلته كانت وثيقة ودافئة، ولا يمكننا أن نكون مناهضين لسوريا أو ضد الأسد".

تصريحات تؤكد حسب الكثيرين الحقيقة التي يقولون إنها كانت واضحة باستمرار، وهي أن حزب العمال كان وكيل نظام أسد في هذه المنطقة، وأن النظام وضع شمال شرق سوريا بيد الحزب برسم الأمانة، تنفيذاً لاستراتيجية تقضي بتحييد الأكراد عن الثورة الشعبية، من أجل تفرُّغ النظام لمواجهة العرب السنّة المنتفضين ضده في المناطق الأخرى، وهو أمر يوافق عليه عبد العزيز التمو رئيس رابطة الكورد السوريين المستقلين في حديثه لـ"أورينت".

ويقول تمو في تصريحه لـ"أورينت نت": "كلما تلوح تركيا بالعصا على ميليشيات pkk و pyd  الإرهابية تبدأ قيادات هذه المليشيات بالهرولة باتجاه دمشق من أجل الحصول على مكتسبات تحفظ ماء وجهها أمام جمهورها التي كذبت عليه طوال العشر سنوات الماضية بأنهم حرّروا كردستان وأنشؤوا "جمهورية أوجلان" تحت مسمى "روج آفا".

ويضيف: "الواقع أن النظام موجود من خلال قواته الأمنية والعسكرية في غالبية المناطق ذات الغالبية الكردية التي سلّمها للمليشيات الإرهابية في عام ٢٠١٢، واكتفى بأداء الدور الأمني بالتنسيق مع هذه المليشيات مع تسليمهم الإدارة المدنية وحراسة حقول النفط بالكامل، لكن بعد تدخل التحالف الدولي لمحاربة داعش أصيبت هذه الميليشيات بالتضخم وأصبح هناك القليل من الشقاق الإداري بينها وبين النظام، لكن مع بقاء التنسيق الأمني سارياً".

ويرى تمو أنه "استناداً إلى تصريحات الرئيس الأعلى لحزب العمال الكردستاني جميل باييق الأخيرة، وتصريحات سابقة للقائد العسكري باهوز أردال بأنهم حمَوا نظام الأسد من السقوط في بداية الثورة، فنحن أمام رسائل استلطاف للنظام تذكّره بأنهم جند الأسد الأوفياء، وأنهم مستعدون لحل ميليشيات قسد ودمجها مع الجيش التابع للنظام، أسوة بالفيلق الثامن في درعا، وتسليم كافة المقدَّرات الاقتصادية من النفط والزراعة للنظام مقابل اعتراف النظام بما يسمى الإدارة الذاتية".

لكن هذه التصريحات التي اعتُبرت بمثابة التمهيد لإعادة حزب الاتحاد، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، الأمانة التي بعهدته إلى النظام، كما يرى تمو، علّق عليه بشكل مختلف صالح مسلم، رئيس الحزب، مساء الأحد.

وقال مسلم في ندوة عبر الإنترنت: "لن نعطي النظام أي سيطرة على دير الزور والرقة أو أي منطقة كردية، وطالبنا الروس أن يقنعوا النظام بمشروع الإدارة الذاتية بينما يريد هو العودة لما قبل العام 2011، وهذا مرفوض كلياً من قبلنا".

وأضاف: "إن حصل أي اتفاق مع النظام فسيكون من خلال المحافظة على كرامات الناس، وأهالي دير الزور يرسلون لنا أنهم لا يريدون العودة للنظام، ولذلك لن نعيد دير الزور وأي منطقة لأننا حررناها بالدم".

خيارات قسد

وبينما لا يثق تمو ومعه الكثيرون بهذه التصريحات، ويعتبرون أن الحقيقة عبر عنها باييق وغيره من قادة حزب العمال القنديليين، باعتبارهم القوة الفاعلة والمسيطرة على الفرع السوري ومختلف مؤسسات الإدارة الذاتية، يرى الصحفي والمحلل السياسي فراس علاوي أن هذا التضارب في التصريحات إن لم يكن يعبّر بالفعل عن انقسام حقيقي بين حزب العمال ممثلاً بقيادته التقليدية التي يسيطر عليها الأكراد الأتراك، وحزب الاتحاد، ممثلاً بقادته من الأكراد السوريين، فإنه على الأقل يعبر عن محاولة من التنظيم للإبقاء على كل الخطوط مفتوحة.

وبغض النظر، فإن علاوي يستبعد لجوء قسد إلى إعادة المناطق التي تسيطر عليها بهذه البساطة للنظام، ويقول إن أمام قادتها 3 خيارات للتعامل مع الأمر:

الأول أن ترفض مبادرة روسيا للانسحاب من المناطق التي تطالب تركيا بخروج قوات قسد منها وتقرر مواجهة الجيش التركي وهو خيار خطير ورهان خاسر لكن إذا لم يبق أمامها خيارات فستلجأ إليه.

والثاني هو الموافقة على مُخرَجات وساطة روسية مع تركيا، حتى لو أفضت بالتراجع عن أجزاء من الشريط الحدودي، والثالث هو الاتفاق مع النظام على عودة مؤسساته الخدمية والإدارية للعمل في مناطق سيطرتها، ورفع علمه في هذه المناطق مع بقاء السيطرة الأمنية والعسكرية لها فيها، إذ لا يمكن لقسد أن تسلم أراضي قاتلت من أجل السيطرة عليها إلى النظام هكذا مجاناً، ناهيك عن أن الحاضنة الشعبية في هذه المناطق معظمها معارضة وترفض النظام.

تتباين التقديرات حول الخيار الذي ستلجأ إليه قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي للتعامل مع التهديدات التركية بشن عملية عسكرية في مناطق سيطرته، لكن من الواضح أن عقد اتفاق مع النظام يبقى خياراً قوياً وربما يكون المفضل بالنسبة للحزب الذي يهيمن على الإدارة الذاتية، مع بقاء الاحتمالات مفتوحة حول مضمون مثل هذا الاتفاق الذي سيصبح أكثر إلحاحاً في حال تخلّت الولايات المتحدة عن حليفتها "قسد" بمواجهة تهديدات أنقرة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات