الهجرة العكسية.. لماذا يفر السوريون من المدن إلى الريف؟

الهجرة العكسية.. لماذا يفر السوريون من المدن إلى الريف؟
يدفع الفقر وتفشي البطالة سكان المدن السورية إلى العودة للأرياف، بعد تضاؤل فرص العمل أو الفرار خارج البلد، الذي يعاني أصلاً من انهيار اقتصادي غير مسبوق وصعوبة في تأمين أبسط مقومات العيش الكريم.

وتتوالى التقارير الدولية والمحلية المحذِّرة من استفحال المأساة الإنسانية والمعيشية في سوريا، فبحسب تقرير صدر عن مكتب الإحصاء المركزي بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، فإن نحو 84 في المئة من السوريين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، في حين أشارت تقارير أخرى إلى ارتفاع نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى ما يقرب من 90 بالمئة.

الهجرة من المدينة إلى الريف

ورغم غياب التخطيط الاقتصادي والخدمات الحكومية المشجعة على العودة إلى الريف، إلا أن كثيراً من السوريين باتوا غير قادرين على تحمل قسوة الحياة في المدينة وكلفتها المرتفعة، في ظل تزايد مستويات التضخم مقارنة بانخفاض تكاليف العيش نسبياً في القرى.

فقبل نحو أسبوعين انتقل عبد الكريم (وهو أب لأربعة أطفال) من منزله بمدينة حلب إلى منزل أحد أقاربه الذين هاجروا قبل سنوات في قرية معارة الأرتيق بالريف الغربي، وبعد تواصله معهم اتفقوا على انتفاعه بالأرض مقابل زراعتها.

وخلال حديثه لـ"موقع أورينت" أكد أن الحياة في الريف غدت أفضل بكثير من المدينة، ورغم أن القرار الذي اتخذه سيؤثر على مستقبل طفليه الدراسي بسبب عدم وجود مدارس قريبة، إلا أن ذلك يعد أفضل له من جميع النواحي، مشيراً إلى أنه بعد توقف الإنتاج محلياً وانعدام فرص العمل، أصبح أشقاؤه يرسلون له شهرياً ما يقرب من 150 دولاراً، لكن هذا لم يعد كافياً بسبب الغلاء الفاحش وتضاعف الأسعار بشكل يومي.

العودة إلى الريف 

وبالنسبة للعيش في القرى أشار عبد الكريم إلى أنه مهما كان الشخص جاهلاً في الزراعة فإن الأرض ستوفر حاجته من الطعام، سواء أكان من ثمار الأشجار مثل الزيتون، أو من زراعة الخضروات مثل الباذنجان والكوسا والبندورة وغيرها أيضاً من الحشائش "الخضروات الورقية"، وهذا أكثر من كافٍ بالنسبة للعائلة اليوم.

وعلى مستوى الخدمات، يؤكد عبد الكريم أنه لا تتوفر الخدمات عموماً سواء في الريف أو المدينة، لكن ما يميز العيش في القرى هو توفر المياه دائماً من خلال الآبار البدائية، أما الكهرباء "فنلجأ إلى المولدة عند الحاجة لاستخدام الغسالة أو شحن البطاريات".

البحث عن مصادر طعام

ووفقاً لـ"يحيى" الذي غادر حي السكري بحلب إلى منزل عائلته قرب مدينة السفيرة بالريف الشرقي، فإن السبب الرئيسي في عودته إلى القرية كان السعي لتوفير الغذاء، وذلك بعد مرض طفليه نتيجة سوء التغذية والنقص في تنوع الطعام، حيث اقتصر غذاؤه خلال الأشهر الماضية على البرغل والخضروات والقليل من الأرز.

ولفت إلى أنه بعد مراجعة الطبيب نصحه بالانتقال للريف لتوفير الأغذية الغنيّة بالبروتين والفيتامينات نتيجة توقف نمو الأطفال وإصابتهم بفقر الدم، الأمر الذي دفعه إلى العودة واقتراض المال لشراء الدجاج والغنم بهدف الحصول على الحليب والبيض، مشيراً إلى أنه يفكّر باستثمار أرضه لتوفير مؤونة سنوية ومردود مادي ناتج عن بيع الفائض من إنتاجها.

كما عبر عن خوفه من فشل مخططاته بسبب التحديات والعقبات التي وضعها نظام أسد في قراراته الأخيرة، والمتمثلة برفع الدعم عن الأسمدة وزيادة أسعار الوقود، وما قد تعقبه من إجراءات أخرى متمثلة بتغيير آلية الدعم أو رفعه عن باقي المواد.

لماذا يهاجر سكان المدن إلى الأرياف؟

ويتوقع اقتصاديون أن ترتفع تكلفة المعيشة في سوريا بداية العام القادم إلى أكثر من مليوني ليرة شهرياً للعائلة متوسطة العدد، بعد أن وصلت إلى ما يقرب من مليون ونصف مليون ليرة خلال الربع الثالث من العام الجاري جراء التضخم الكبير وعجز نظام أسد عن السيطرة على الأسعار.

وفي حديثه لـ"أورينت" أوضح الخبير الاقتصادي (عبد الرحمن أنيس) أن المعيشة في المدن لها شروط لا بد أن تتوفر كالخدمات العامة والمياه والكهرباء والصيانات الدورية للشبكات والنقل وتوفر المحروقات ووسائل التدفئة والطعام والشراب وفرص العمل وغيرها الكثير.

وبيّن "أنيس" أنه إذا فقدت المدن تلك الخواص كما هو الحال في سوريا تكون الهجرة العكسية هي الخيار بسبب بساطة الحياة في الأرياف وتوفر الاحتياجات الأساسية المختلفة كالمياه والغذاء الطبيعي، معتبراً أن هذه الهجرة قد تساهم في تحسين الظروف المعيشية للسكان لكنها لن تنعكس على الوضع الاقتصادي العام في البلاد بسبب سياسة نظام أسد التي تهمل دعم القطاع الزراعي.

وبعد خمسة عقود من عمل النظام على ترييف المدن وإفراغ الريف في سوريا، لخدمة مخططاته التي تهدف لديمومة حكم العائلة والطائفة بالدرجة الأولى، تأتي الحرب التي شنها على الشعب في السنوات العشر الماضية، والتي كان من أبرز نتائجها تدمير البنية التحتية للحواضر وإفقار السوريين، لتفرض استدارة عكسية في اتجاهات الإقامة وتجعل من الهجرة العكسية من المدن إلى الريف ظاهرة متزايدة.. فهل يريد النظام استكمال تدمير ما تبقى من المدن بإفراغها ودفع سكانها إلى الهجرة للريف؟، أم هو رد فعل طبيعي من السكان  على استحالة العيش في بقايا المدن السورية ؟.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات