طوباوية البعث والحركات الكردية!
ما وقع به البعث من طوباوية، وقعت به الحركة الكردية الأم التي قادها الملا مصطفى البرزاني في العراق، والتي تعتبر الحركة الرافعة الأولى لفكرة الدولة الكردية الجامعة للكرد الموزعين بين إيران وتركيا والعراق وسوريا، فحركة البرزاني نهضت في ظل نظام سياسي عراقي لا يزال يجمع بين ظهرانيه بنية مختلطة من الإقطاع وبوادر البرجوازية التابعة لدول المتروبول.
حركة البرزاني لم تقم بها قوى متطورة اقتصادياً وسياسياً، تعكس بصورة واضحة فكرة الأمة الكردية ضمن دولة واحدة، فالحامل هنا حركة تنتمي إلى ما قبل مرحلة الدولة الوطنية، التي تتطلبها حاجات التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ولهذا اصطدمت هذه الحركة بدول قومية ناشئة في تلك المرحلة، ستقاوم أي نزوع انفصالي عنها سيقوم به الأكراد.
حركة البرزاني تتكرر كأنموذج سياسي طوباوي في سوريا، من خلال حزب عابر للوطنية السورية هو حزب PYD الذي يريد بناء دولته أو حكمه الذاتي وسط دول فاعلة مثل تركيا وإيران إضافة إلى سوريا التي ترفض معارضتها كما نظام استبدادها البعثي قيام مثل هكذا كيان.
ذراع لحزب تركي
حزب الـ PYD هو حزب عابر للوطنية، فهو يلعب دور ذراع لحزب كردي تركي هو حزب الـ PKK، المصنف لدى تركيا والولايات المتحدة وبعض دول أوربا على أنه حزب إرهابي، لهذا فهذا الحزب لا يمتلك رؤية سياسية للحل السياسي في سوريا، ولم يحاول التعاون بصورة جدية مع قوى الثورة السورية، لا بل قاومها حيث أراد الاستفادة من الخلخلة الأمنية في الجزيرة لمصلحة تنفيذ حلمه الطوباوي ألا وهو قيام نواة دولة كردية في الشمال الشرقي من سوريا، لأن هذه المنطقة متاخمة لجنوب شرق تركيا حيث أكراد تركيا يعيشون في هذه المنطقة.
من الطبيعي أن يهدد هذا التوجه العابر للوطنية السورية أمن الدولة التركية، ومن الطبيعي أن تعلن الدولة التركية الحرب على هذا الكيان الوليد، لأنه يهدد أمنها القومي، خدمة لقوى معادية للنهضة التركية.
مواجهة تركيا ومعاداة الثورة
لقد غاب عن بال حزب الـ PYD أنه لا يشكل تهديداً لتركيا فحسب، بل هو يزجّ بكرد سوريا في مواجهات لا يريدونها، لأن أي مواجهة مباشرة ستنعكس بالضرورة على ما تعتبره تركيا حاضنة الإرهابيين الكرد التابعين لحزب العمال الكردستاني التركي الأصل.
إن محاولات حزب PYD الاستفراد بمنطقة الجزيرة والفرات عبر ذراعه العسكرية قسد إنما هي محاولات تدل على أنه معاد للثورة السورية وأنه يقوم بدور وظيفي في خدمة السياسة الأمريكية التي تدعمه وتستفيد من خدماته العديدة ومنها إرباك الدولة التركية من خلال عمليات تفجير فيها أو في مناطق تواجد قواتها في مناطق فصائل الثورة السورية.
إن موقف حزب الـ PYD من أحزاب المجلس الوطني الكردي الذي تأسس في تشرين أول من عام 2011 لهو موقف لا يدل على نزوع وطني سوري، فالمجلس الوطني الكردي الذي التحق بالثورة وأيدها وجد نفسه أمام عداء هذا الحزب، والذي يريد الهيمنة السياسية والعسكرية على منطقتي الجزيرة والفرات، وهو بسلوكه غير الوطني يتماهى مع سلوك نظام الاستبداد الأسدي.
إن سيطرة كوادر حزب العمال الكردستاني التركي الهابطين إلى سوريا من مخابئهم في جبال قنديل العراقية، لهو دليل قاطع على تبعية الذراع الكردية السورية للحزب الأم العابر للوطنية، وهذا يشكل خطراً حقيقياً ينبغي وضع حدٍ له، سيما وأن قسد أرسلت وفدها أكثر من مرة إلى دمشق لمحاولة لعب دور والحصول على تنازلات سياسية وجغرافية من نظام الأسد، والذي رفض تقديمها لهم انطلاقاً من ذهنيته برفض أي دور للأكراد.
إن كرد سوريا معنيون بتصحيح هذا الانحراف السياسي لقوة خرجت من صفوفهم، ومعنيون بمنع حصول كارثة للمكون الكردي السوري، والذي يعتبر رهينة سياسية لدى حزب العمال الكردستاني التركي وذراعه السورية حزب الاتحاد الديمقراطي.
تصحيح الموقف يتطلب طرد كوادر كردية غير سورية من منطقتي الجزيرة والفرات، وتتطلب منعهم من نهب الثروة النفطية التي تزخر بها المنطقة، فهم بهذه الأموال المنهوبة إنما يزدادون إرهاباً وعدوانية بحق الشعب السوري، ومن ضمنه المكون الكردي السوري.
تحقيق هذا التصحيح يتطلب استراتيجية نضال سياسي جديدة من قبل المجلس الوطني الكردي، والذي لا يزال في مربعه الأول السلبي، فحقوق الكرد السوريين هي جزء من حقوق باقي المكونات السورية الأخرى، وهذا ما يجب إدراكه كردياً دون لبس أو تورية.
تحقيق هذا التصحيح يتطلب ضغطاً سياسياً وغير سياسي من قبل الفصائل العسكرية وقوى الثورة والمعارضة السورية، لجعل الكرد السوريين المنضوين تحت جناح PKK يعيدون حساباتهم ومستقبل كرد سوريا، من خلال فك الارتباط بجماعات قنديل الإرهابية.
مثل هكذا مشروع يحتاج إلى فتح قنوات اتصال بين كوادر كردية سورية تعمل مع قسد وبين قوى المعارضة السورية، ففتح هذه القنوات يضيّق من الشكوك المتبادلة، ويسمح بالتوافق على مربعات تعاون ذات طابع وطني ثوري سوري، مما يعجّل في سقوط الاستبداد، والذي يستمد قوته من تشظي قوى المعارضة.
والسؤال: هل سنقترب من هكذا تعاون بين قوى ومكونات الشعب السورية المناهضة للاستبداد، أم إن الطرف المهيمن كردياً سيبقى أسير وهمه بالدور العابر للوطنية؟
الجواب على هكذا سؤال يحتاج إلى خطوات وطنية ملموسة تدلل على موقف واضح من الاستبداد وعلى موقف يرفض أن تلعب قوة كردية دوراً وظيفياً لصالح قوى دولية، فهي بهذا تلعب دور البندقية القابلة للإيجار.
التعليقات (1)