نيويورك تايمز: السوريون غيروا حياة كلس التركية والمكاسب متبادلة

نيويورك تايمز: السوريون غيروا حياة كلس التركية والمكاسب متبادلة
تمتد كلس وسط بساتين الزيتون والفستق الحلبي في سهل حار على مقربة من الحدود السورية، حيث ظلت لعقود تعيش حالة ركود مستمر، باستثناء بعض النشاط التجاري المرتبط بالتهريب عبر الحدود.

قبل 10 سنوات، بدأ اللاجئون السوريون بالفرار عبر الحدود لتتغير معالم وجه كلس بشكل كبير، إذ وعلى مدى عقد من الزمن تضاعف حجم كلس إلى حوالي 200 ألف شخص، وذلك بعد أن استقر 3.6 مليون سوري في تركيا.

حتى في الوقت الذي شكل فيه تدفق اللاجئين عبئاً ثقيلاً على كلس، إلا أن ذلك كان بمثابة هزة إيجابية أعادت الحيوية إلى المدينة التي كانت نائمة سابقًا، وفقاً لتقرير  نشرته صحيفة نيويورك تايمز.

"بعد وصول السوريين تغيرت حياتنا كثيراً"، هذا ما قاله قادر بكر، وهو تركي اضطر إلى إعادة بناء شركته الصغيرة بعد انهيارها مع اندلاع الحرب. "لقد أفادونا في نواح كثيرة. نحن نعيش معاً".

بدعوة من الرئيس رجب طيب أردوغان لمعاملة السوريين الفارين من الحرب كضيوف، قبل المواطنون الأتراك الوافدين الجدد على نطاق واسع - على الأقل في البداية. ومع ذلك ، فقد تضاءل الترحيب في العديد من الأماكن، وأصبح الوجود طويل الأمد للاجئين السوريين قضية خلافية مريرة في الساحة السياسية.

بدأت أحزاب المعارضة بشكل علني في الدعوة إلى إعادة اللاجئين السوريين لوطنهم، وحذر أردوغان مؤخراً من قبول موجة من اللاجئين الأفغان الفارين من سيطرة طالبان. هذا الصيف، دعا عمدة بلدة صغيرة في وسط تركيا علناً السوريين إلى المغادرة، متذمراً من عدم قدرتهم على الاندماج ثقافياً وتعطيل الاقتصاد.

كلس استثناء

لكن تعتبر كلس استثناءً ملحوظاً في موجة الكراهية السامة المتزايدة، ومنارة للوئام العرقي، حيث يتحاور الأتراك والسوريون بود، وعلى سبيل المثال حلَّ رجال من الطرفين خلافاً على حادث مروري بسيط وسط المدينة مؤخراً بابتسامات ليس أكثر.

أحد أسباب دفء الترحيب هنا سبب جغرافي، كثير من الناس في هذه المنطقة التي تبعد فقط نحو  30 ميلاً عن حلب كانت لهم علاقات مع السوريين قبل الحرب.

ربما يكون تاريخ كلس في التنوع العرقي والمشقة والاضطراب قد عزز الانفتاح على اللاجئين، إذ تحوي المدينة عدداً كبيراً من الأكراد، وفي السابق كان غالبية السكان من اليهود والأرمن، لكن الاضطرابات التي حدثت في بداية القرن العشرين أدت إلى نزوح جماعي وتغيّر في التركيبة السكانية، مثلما يتذكر بعض السكان الأكبر سناً.

السيد بكر نفسه ينتمي لعائلة كردية وقد اعتاد على قيادة سيارات الأجرة عبر الحدود، ويتحدث الكردية والعربية وكذلك التركية.

على الرغم من كل ما كابدوه كلاجئين، يقول العديد من السوريين - يشكلون تقريباً نصف سكان الولاية - إنهم مرحب بهم في كلس أكثر من بقية المدن التركية.

محمد، لاجئ سوري، طلب نشر اسمه الأول فقط لكيلا يؤثر ذلك على طلبه للحصول على الجنسية التركية قال: "بصراحة، تلقينا الكثير من المساعدة من الجالية التركية هنا".

وأضاف: "نسمع دائماً أن هناك الكثير من العنصرية، لكنني تعلمت اللغة التركية، ولم أواجه أي مشكلة"، مؤكداً أنه وجد عملاً في المطاعم والشركات التركية.

ومع ذلك، حتى في كلس، كان السوريون حذرين بشأن مناقشة حياتهم في تركيا، حيث تسارع الشرطة في ترحيل أي شخص بدون وثائق قانونية. أشار أولئك الذين تحدثوا إلى أن كلا الجانبين استفادا، حيث وجد السوريون الأمان وحصلت كلس طاقات جديدة.

قال محمد: "كانت بلدة بائسة عندما وصلنا، حيث كان الجميع نائمين بحلول السادسة مساءً، وفي الليل لن ترى سوى الأشباح".

كان سهر السوريين لساعات متأخرة أحد الاختلافات الثقافية التي أزعجت الأتراك، لكن السوريين أصبحوا أكثر وعياً بالأعراف المحلية، بحسب كلا المجتمعين.

مراد أيغون، صاحب مطعم تركي يبلغ من العمر 40 سنة، اعتبر أن المدينة كانت في السابق أفضل وأكثر هدوءا، مؤكداً أن "الثقافة تغيرت، اتسعت المدينة".

الطعام من أولى التحولات الثقافية

كان الطعام من أولى التحولات الثقافية التي ظهرت، حيث فتح السوريون مخابز لصنع الخبز الذي كانوا يأكلونه في وطنهم، وافتتحوا مطاعم للدجاج المشوي، خلافاً للأتراك الذين فضلوا دائماً اللحوم المشوية والكباب وكرات اللحم، وامتنعوا عن تناولها في البداية، لكنها باتت جزءاً من قائمة طعامهم اليومية ولا سيما أطباق مثل  الحمص والفلافل.

يخدم مطعم السيد أيغون المكون من طابقين الآن زبائن متعددي الأعراق، وقال إنه يوظف عدداً من السوريين مثل الأتراك، مضيفاً: "لقد علمونا اللغة العربية، وعلمناهم اللغة التركية".

كان موظفوه مبتهجين بالتنوع. قال الطاهي التركي يالشين أوزكير، 37 عاماً، ضاحكاً: "أصبحت أتناول الفلافل على الإفطار".

ورغم أن الفوائد امتدت في كلا الاتجاهين، إلا أن بعض الصعوبات طفت على السطح، حيث أدى وصول اللاجئين إلى زيادة الطلب على المساكن، وارتفعت الإيجارات إلى ما هو أبعد من إمكانيات العديد من الأتراك، كما قطعت الحرب شريان التجارة عبر الحدود التي كانت مصدر رزق للكثير.

طفرة في المدينة

لكن وصول السوريين أحدث طفرة في البناء وجلب استثمارات غيرت المدينة.

قال محمد عن رفاقه اللاجئين: "بدأت المباني ترتفع بعد قدوم السوريين، لقد صنعوا ثورة في هذه المدينة".

قام السوريون بتجديد جزء كبير من وسط المدينة القديمة، وفتحوا متاجر وشركات صغيرة، ووسعوا بشكل كبير الأسواق المفتوحة للفواكه والخضروات والماشية.

قال محمد واكي، 19 عاماً، وهو طاهي معجنات في محل حلويات سوري في البلدة القديمة، "كان نصف هذا الشارع مغلقاً ومهدوماً، لقد رممنا كل هذه المحلات وتغير بنسبة 70 المئة".

قال عبد الرحمن أبو جميل، 30 عاما، الذي تدير عائلته عدة شركات في شمال سوريا، إن تركيا شهدت أحداث عنف متقطع ضد اللاجئين، واحد منها وقع في كلس عام 2015، حينما حطم حشد زجاج نوافذ المتاجر والسيارات المملوكة لسوريين، وأشار إلى أن جاره التركي قام بحماية متجره من الغوغاء.

قال: "في تركيا إذا كنت تحترم حقوقهم، فإنهم سيحترمون حقوقك، وبالتالي تحافظ على كرامتك".

دمج الأطفال

عمر الحجي، مدير فرع جمعية كلس الخيرية التربوية، اعتبر أن نقطة التحول الرئيسية حدثت قبل خمس سنوات، عندما قامت الحكومة بدمج الأطفال السوريين في المدارس التركية.

وقال الحجي: "في السابق، كان الطلاب يذهبون إلى مدارس سورية مؤقتة، لم يتمكنوا من الدراسة بشكل كاف، ولم يتعلموا اللغة العربية بشكل جيد، لكن عندما صدر قرار باستيعاب الأطفال في المدارس التركية، ساعد ذلك على دمج المجتمعين معًا".

وأضاف أن "حالة التوتر بين المجتمعين التركي والسوري تراجعت لأنهما بدأا في التفاهم وتناقصت مشاكل السوريين كثيراً".

بيد أنه أشار إلى أن السلطات التركية طوت قراراً كان يستثني الطلاب السوريين من دفع الرسوم الجامعية، الأمر الذي أثار استياءً محلياً.

الزواج ساعد في الاندماج

كان الزواج المختلط نقطة احتكاك أولية أخرى، حيث انزعجت أجزاء من المجتمعين في البداية عندما بدأ الرجال الأتراك في الزواج من النساء السوريات كزوجات ثانية. قال العديد من السكان إن التزاوج المختلط أصبح شائعاً على نحو متزايد، وأصبح المجتمعان يتعايشان معاً.

في إحدى الأمسيات الصيفية الأخيرة، أقامت عائلة السيد بكر حفلة في الشارع للاحتفال بختان ابنهم بويز. من ضيوفهم البارزين: طبيب سوري وزوجته المعلمة استأجرا شقة منهم.

تقول السيدة نوردان بكر "لا أرى أي فرق.. لا أنظر إلى الناس على أنهم عرب أو أتراك، أنا فقط أراهم بشراً."

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات