النظام وبرعاية روسية وتخطيط روسي يعمل على تعطيل سلة الدستور، كما عطّل الروس من قبل سلة الحوكمة، التي تقود إلى انتقال سياسي للسلطة في سوريا بموجب بيان جنيف1 والقرار الدولي 2254.
هذه السياسة التي يتبعها النظام برعاية حكومة بوتين، تهدف بالدرجة الأولى إلى محاولة إعادة تأهيل النظام الذي ارتكب ولا يزال جرائم كبرى ضد الإنسانية إضافة إلى جرائم حرب موثقة، وهذا ما تريده روسيا البوتينية، باعتبار نظام الأسد خير من يقدّم لها التسهيلات على كل الصعد السياسية والعسكرية والاقتصادية.
لكن في الجهة الأخرى، ونقصد جهة قوى المعارضة السياسية والعسكرية، فهذه القوى ينبغي عليها أن تكون قد اكتشفت جوهر أستانا وسوتشي ولعبة كسب الوقت مع إحداث مراكمة للتغيرات المتتالية على الأرض السورية.
لم تفكّر قوى المعارضة السورية بانتهاج سياسة مقاومة ثورية على الأرض، تستهدف الوجود الروسي والإيراني في سوريا، بل هي تلطّت خلف القرارات الدولية على أمل الدفع بها لتحقيق دحر الاستبداد وتحقيق الانتقال لوضع دولة مؤسسات ديمقراطية.
السياسة الثورية المطلوبة لمقاومة الاحتلالين الروسي والإيراني، تتطلب انعقاد مؤتمر وطني شامل، تحضره كل قوى المعارضة وقوى الثورة، ومهمته بناء مرجعية قيادية واحدة لها، هي من يرسم السياسات، ويخطط لعمليات دحر الاحتلالين الخطرين على السوريين، الا وهما الاحتلال الروسي والإيراني.
السياسة الثورية التي تتطلبها المرحلة، لا ينبغي لها إهمال التمسك بقرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها القرار 2254/2015، فخط التفاوض لا ينبغي أن يقف على فراغ قوة تسنده، هي في الحقيقة غائبة كفعل ثوري، مارسته الشعوب الأخرى من أجل انتصار شعبها على الاحتلالات والعدوان، ومن أجل بناء دولة مؤسسات تحمل على كاهلها النهوض التنموي الشامل.
إن الخلاص من صورة التمثيل السياسي الحالي لقوى الثورة والمعارضة، يعني بالضرورة خلاصاً وطنياً وثورياً من تداخل دور الأجندات الإقليمية والدولية في التمثيل السياسي الحالي.
الخلاص من الوضع الحالي لا يكون بتوسل المعارضة للمجتمع الدولي بمساعدتها في إنجاز الانتقال السياسي من نظام الاستبداد إلى نظام دولة المواطنة المتساوية التي تديرها مؤسسات شرعية منتخبة بصورة شفافة.
لقد قامت مجموعة قيادة مؤسسة الائتلاف بزيارة مطولة إلى الولايات المتحدة في فترة انعقاد الدورة السنوية للجمعية العامة، وكانت الغاية كسب تأييد عدد من الدول الفاعلة على المستوى الدولي، لكن غاب عن بال هذه المجموعة التي قادها السيد سالم المسلط رئيس الائتلاف الحالي، أن المجتمع الدولي لا يحترم تمثيلاً سياسياً ليس لديه أوراق قوة عسكرية وشعبية مؤثرة.
إن حصاد مجموعة قيادة الائتلاف هو حصاد لا يذكر، ولهذا كان من الأجدر لهذه المجموعة المتصدرة لمشهد تمثيل قوى الثورة والمعارضة، أن تحاول بناء أنساق قوتها جدياً من خلال تغيير استراتيجية عملها التي لم تنتج منذ عشرة أعوام غير بقائها المرهون بدعم إقليمي مشروط بتحقيق أهداف محددة.
إن مفاوضات جنيف بجولتها السادسة لن تكون بأفضل من الجولات الخمس السابقات، لأن من يعرف بنية نظام الأسد المغلقة على التشبث بالحكم والهيمنة على سوريا، لا يمكنه الاقتناع بأن النظام جاد في المساهمة بحل سياسي ينقذ الشعب السوري من وضعه الكارثي.
النظام يلعب لعبة التسويف ولعبة حرف مهام اللجنة الدستورية عن أهدافها المنوطة بوجودها والمتعلقة بكتابة مشروع دستور توافي ينقل البلاد إلى دولة المؤسسات الديمقراطية.
ليس المطلوب من المعارضة الانسحاب من اللجنة الدستورية، ولكن المطلوب هو تعزيز قوة حضورها من خلال مرجعيتها الثورية الواحدة بعد عقد المؤتمر الوطني الشامل لكل قوى الثورة وفصائلها العسكرية.
إن وحدة قوى المعارضة عبر مؤتمرها الشامل ومخرجاته، ستجعل القوى المنخرطة بالصراع السوري تعيد حساباتها السياسية وغير السياسية، وهذا الأمر ينسحب على الدول العربية التي تريد أن تساهم في إعادة تأهيل النظام، فوجود قوة سياسية تمثل الثورة السورية سيمنعها من هذه المحاولات، وسيدفع قوى دولية كالولايات المتحدة إلى إبقاء سيف العقوبات مشرعاً أمام النظام وحلفائه الروس والإيرانيين والميليشيات الطائفية.
إن قيادات من المعارضة لا تزال تمارس دورها في الحفاظ على مواقعها دون أن تقدّم أي إنجاز سياسي ملموس يستفيد منه الشعب السوري الذي دفع ثمن ثورته نزوحاً ولجوءاً وقتلاً ودماراً.
هذه القيادات يجب أن تختفي من مشهد تمثيل قوى الثورة والمعارضة، وهو أمر يحتاج إلى تبني منهجية عمل وطني ثوري خارج الأطر الأيديولوجية.
إن مهمة عقد مؤتمر وطني شامل يدعو له الائتلاف بالتعاون مع كل القوى السياسية والثورية السورية المناهضة للاستبداد، هي مهمة تاريخية ستفرض وجودها وقدرتها على لعب دور قيادة السوريين نحو أهدافهم التي بذلوا من أجلها كل غالٍ وثمين.
إن مرور أكثر من مئة يوم على استلام سالم المسلط رئاسة الائتلاف إلى جانب الهيئتين السياسية والرئاسية أثبت عدم قدرته على إنجاز أي عمل من شأنه تغيير دور المعارضة وقوى الثورة من الاتكاء على حنيّة المجتمع الدولي بحل سياسي يرضي السوريين، فهل ستذهب قوى المعارضة إلى خارج مربع عملها غير المنجز لأي تقدم على صعيد الخلاص من نظام الأسد الاستبدادي، وهذا يتجلى الآن في مفاوضات الجولة السادسة في جنيف.
التغيير مطلوب وطنياً وثورياً، ومن لا يجد بنفسه كفاءة التصدي لموضوع التغيير فعليه أن يعتذر من السوريين ويذهب إلى بيته، بدلاً من الوجاهة والفوائد الشخصية التي لن تجعل منه قائداً سياسياً أو ثورياً حقيقياً، فالثورية ليست تغريدات تندد وتشجب وتأسى وتتباكى، بل هي فعل تغير تاريخي.
التعليقات (0)