المخطوفون الثلاثة في السويداء..قصص الفساد المزمن والرعب المتزامن!

المخطوفون الثلاثة في السويداء..قصص الفساد المزمن والرعب المتزامن!
تحدث الكثيرون عن غياب أدوار حقيقية وفاعلة للمنظمات والمبادرات الأهلية في السويداء.. وسيبقى للحديث دائماً ولأجل غير مسمى مكان وزمان ومناسبة؛ وخاصة أن غياب هذا الدور هو قولاً واحداً بسبب السلطة وأساليبها في القمع والمنع والتغييب. وسيبقى الأمل بعمل حر فقط قميناً بأن يفعل فعله فيما تبقى من ضمائر ووجدان.

في هذا المناخ المُدلهمّ بالعُقد والمشاعر الأيديولوجية والعشائرية والطائفية، وبالفساد وورشة الشعارات والمصالح الضيقة،  يبدو واقع حالنا المَعيب والمعلول الذي  لابد أن تتوالى فيه  مشاهد النتاج الفاسد لتسافُح المال والسلطة. إنها العصابات ومايحدث الآن في سوريا عامة وفي السويداء خاصة، هو تغييب لضمير الأمة والوطن وتجلي وتمجيد التفاهة والرداءة والسقوط.

 تلك هي موهبة أصحاب السلطة والمال والسلاح. ولا شك نحن في عصر - قصر أو طال أمده-  هو عصر الشطارة والشطّار والفتوة والبلطجة. ولعل مجابهة ذلك بالقول يبدو ضرباً من التخيلات لأن المؤسسات التي يفترض أن تكون حقيقية هي نفسها تُمارَس عليها البلطجة، وهي نفسها تمارسه إما تورّطاً أو عن سابق تصوّر وإرادة!

 وبالعودة إلى حدث متوالٍ ومتسلسل شهدت السويداء خلال الأسبوع المنصرم من شهر تشرين الأول الجاري، وخلال يوم واحد، خطف ثلاث شخصيات اختلفت انتماءاتها ومشاربها وأكاد أجزم أنه لا مشترك رغم التزامن  المدهش في عملية الخطف. تمت العملية في أوج الظهيرة وعلى مرأى من الناس ودون أن تتحرك شعرة واحدة لدى قبلي أو عشائري أو طائفي أو بعثي أو يعربي! 

 الثلاثة هم: (مهند عبد السلام الشاعر)، وهو ابن مهاجر اغتنى بعرق جبينه وكدّ يمينه وأُخِذ من أرضه في قرية (عرى) تبدو هنا العملية ببساطة عملية رهينة وفدية. وفي قصته تحديداً هو ذا التكهن الأقرب إلى المنطق ولا شيء سواه، لأن الرجل كما عرف عنه ليس مجاهراً أو سافراً بعدائه على الأقل.

والمختطف الثاني هو (ياسر العوام) مدير شركه العمران حالياً وسابقاً مدير مؤسسة الإسكان العسكرية، وتم تناول هذه الشخصية على المستوى الشعبي بالكثير من الريبة والشكوك والاتهامات وأنه كان مقرب جداً من السلطة، وأحياناً كانت تدخل هذه العلاقة بأزمة ثم تصالح وهكذا.. وقد يبدو خطفه أحد أمرين إما عصابة تريد مالاً،  ويبدو أن هذا الاحتمال بدأ يضعف بسبب عدم ظهور أي جهه تدعي المسؤولية  أو تطلب فدية..  وأما الاحتمال الثاني والذي تم تناقله همساً من الخاصة فهو يتعلق بمال وبكميات مغرية جداً غُمرت به الشركة من جهة ما، وهذا المرة كان الاختلاف كبيراً فيما يخص القسمة. ويقال إن خبرة العوام الممتدة لعقود في الهروب والالتفاف والتغطية فشلت بتسوية الأمور، وإن تاريخه هو تاريخ صفقات رخيصة أو باهظة..  لكن الأيام التي بدلتها الحرب بأيام أخرى جعلت المتقاسمين كثراً ولهم أجنداتهم وارتهاناتهم المختلفة.

 أما المخطوف الثالث (زاهر ثابت) المحامي الذي يعرف دهاليز الخبث والتكاذب والمفاسد كلها والصفقات. ورغم هول الواقع قرر أن يمارس الفعل الحر والضمير النقي والإرادة الإنسانية، فتسلّحَ بوعي حقوقي وأدرك دوره، ولم يقع في مطب المال، ولم يؤجر منبره وقلمه لأي جهة كانت؛ إذ كان له ثوابت عُرفت في شخصه الهادىء الرزين، ومارس مهنته وسط مفسدة تقشعر لها الأبدان.

 يُشهد للمحامي زاهر بانتصاره في قضايا متعددة ضد مفسدين وعصابات وبهدوء وشجاعة عقل وقلب وإقدام  فدائي، وكان لا بد أن تطاله يد الظلام..  وقد بدأت مشاهد تعذيبه وعبر جواله نفسه تُبث لأصدقائه وتهدد كل من تسوّل له نفسه أن يحارب الفساد بأن مصيره هو مصير زاهر!

ذلك هو مشهد آخر من مشاهد سوريا اليوم، والتي كنا نفترض أنها ستكون أقدر أمم العالم الثالث على تشكيل دولة المواطنة المدنية التي ستحقق الهوية الوطنية في أرقى تجلياتها كما كان يقول تاريخها المعاصر قبل حكم البعث.. ولكنّ ما كان.. أننا دخلنا واقعية الطوائف والعشائر، بل والأنكى من ذلك واقع عصابات متحكمة تتبع  ارتهانات محلية وإقليمية ومشتقاتها من أحزاب قذرة وقوة تسلطية مافياوية بأنيابها وحذافيرها.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات