إذا جاء الشتاء فدفّئوني..
بعيداً عن جحيم القصف وأزيز الرصاص وصعوبة النزوح والترحال، لا تزال فصول المعاناة تتناوب على أحوال السوريين المنهكين في مخيمات اللجوء منذ سنوات.. عبء من نوع آخر وهاجس جديد يُثقل كاهل أولئك الذين يعيشون في سلسلة اغترابات مُضنية، ومقارنات قاهرة ما بين دفء المنزل وبرودة الخيمة.
"أسعد البرهو" ذو الثمانين عاماً أثقلت كاهله الأحزان والتعب ولم تشفع تجاعيد وجهه الكثيرة عند نظام الإجرام الأسدي الذي هجّر ملايين السوريين، ليرتمي هو الآخر تحت شوادر الخيام المهترئة. يتحدث ببحة الشوق والحنين لاستعادة قريته في ريف إدلب الجنوبي قائلاً: "يا ابني أصعب من هيك ما ضلّ.. أصعب أيام حياتي أعيشها حالياً، ما متنا من القصف ولكن يبدو أننا سنموت من البرد والقهر. فالخيام هنا لا تكاد تصمد في وجه الرياح والعواصف القوية التي تشهدها المنطقة بشكل عام، وحتى الشوادر لا تمنع مياه الأمطار من النفاذ للداخل، وفي كل شتاء نلاحظ المياه وهي تغمر المخيمات كاملة، ورحم الله القائل: إذا جاء الشتاء فدفّئوني.. فإن الشيخ آفتُه الشتاءُ".
من جهته تحدث لأورينت نت (فؤاد أبو محمد) مدير أحد المخيمات في إدلب قائلاً: "بات فصل الشتاء يشكّل لنا خطراً كبيراً وخوفاً من ازدياد الأمراض والمعاناة الإضافية، بتمزيق الأمطار للخيام وغرقها، بسبب الهطولات المطرية مرتفعة المنسوب، حيث تكون الأمطار غزيرة عادة في هذه المناطق، وطبقة الأرض في معظم المخيمات ترابية لا يوجد فيها طرق معبدة بشكل جيد، الأمر الذي يزيد "الطين بله" ناهيك عن فقر شبكات الصرف الصحي أو تصريف مياه الأمطار ما يجعل فرصة غرق المخيمات متاحة بشكل كبير، ولا يوجد حيلة بأيدينا إلا أن ندعو الله أن يخفف علينا المطر".
استعدادات متواضعة لأخطار كبرى
الشتاء قادم لا محالة وسيناريوهات الغرق متاحة للتكرار، فكان لا بد من حلول أو خطوات احترازية، إن لم تلغِ الخطر فهي تخففه على الأقل، ففي كل مخيم بات هناك ما يُعرف بالصيانة الشتوية لمواجهة خطر العواصف بعيداً عن المنظمات أو الجهات المعنية التي أغفلت كثيراً العناية بالمخيمات ولا سيما العشوائية منها، وعن تلك الخطوات أو الصيانة الشتوية حدثنا (فادي نوري) أحد ساكني مخيم مُزن بمحيط بلدة كللي قائلاً: "لدينا في كل مخيم صيانتان عامّتان في العام صيفية وشتوية، الصيفية للتخفيف من الشوادر وفتح بعضها للتهوية، والشتوية لزيادة الشوادر وإغلاق المفتوح منها لمنع تسرب الأمطار للداخل".
وأضاف: "أول خطوة هي شد الحبال، وإحكام ربطها وتثبيت السكك الحديدية في الأرض والتي تربط الحبال وتمنع اهتزاز الخيمة، إضافةً لحفر سواقي مياه بعمق 20 سم تقريباً، لتكوين مسار إجباري للمياه حول الخيمة لتفادي دخولها إليها، ومؤخراً بات يوضع فوق الخيام خرج قماشي مليء بالحجارة لزيادة تثبيت الشوادر ومنع تطايرها، وهناك نازحون ينقلون خيامهم في الشتاء لأماكن مرتفعة بعيداً عن الأودية، ليعودوا صيفاً إلى مكانهم القديم، فغالب الأهالي لديهم مصيف ومشتى ولكن ليس للاستجمام بل للهروب من الخطر.. والحامي الله".
بينما ناشد الحاج (خالد بكور) أحد ساكني مخيمات إدلب، المنظمات لسرعة التدخل لإنقاذ الناس من تكرار المأساة قائلاً: "من الغباء انتظار نتيجة مختلفة لنفس الأسلوب، فكل عام تهطل الأمطار وتغرق الخيام، ونحن لا نطالب بمنازل جديدة، بل على الأقل نقل المخيمات الموجودة في حزام مدينة إدلب إلى المباني المهجورة أو الحكومية أو (بيوت العظم) خلال فصل الشتاء فهي أقل خطراً".
منظمات تتدخل وتتقاسم التكاليف
تستمر الجهود الجماعية بين أهالي المخيمات الذين تجمعهم وحدة الخطر والمصير المشترك، وبين المنظمات المعنية بتقديم الخدمات اللازمة لتدارك خطر الشتاء. ففي مخيم أهالي حماة الشرقي غرب مدينة إدلب قام الأهالي مجتمعين بحفر سواقٍ عميقة تحيط بكامل المخيم، وبناء أربعة أدوار من "البلوك والطين" داخل كل خيمة، ورصف بعض الطرقات بباقي أحجار النشر والبلاط، متقاسمين الجهد والتكلفة المادية بينهم، وذلك بحسب (عمر أبو الليث) أحد المشاركين في ذلك العمل.
وعلى صعيد العمل المنظّم والهندسي قامت مؤسسة "إحسان" -إحدى مؤسسات المنتدى السوري- بعدة مشاريع خدمية من شأنها التخفيف من وطأة الشتاء القاسي وصعوبته على ساكني المخيمات الذين لا ينقصهم همّ جديد أو مأساة جديدة.
حيث تحدث (محمد الرفاعي) -منسّق برامج إغاثية وتنمية في مؤسسة إحسان- قائلاً: "يعتبر الشتاء من مواسم السنة التي تكلّف العائلة زيادة في المصاريف لمواجهة البرد، خاصةً بعد أن أصبح البرد من أسباب الموت، فكان لا بد من مشاريع وخدمات تخفف عن أهلنا ما هم فيه من خلال توفير وحدات سكنية بدل الخيام، وإصلاح أرض المخيمات لمنع تشكل السيول والفيضانات وتأمين سهولة الحركة داخلها".
وأضاف (الرفاعي) متحدثاً عما أُنجز: " قمنا ببناء وحدات سكنية تجاوز عددها 287 وحدة بمنطقتي عفرين واخترين بريف حلب، وتبحيص الطرق الرئيسية والفرعية بمخيمات أخرى، وتنفيذ قنوات تصريف مطري بطول 200 متر، إضافةً لتركيب عبّارات مائية لتصريف الأمطار، وقد بلغ عدد العائلات المستفيدة في ريف حلب 8852 عائلة موزعة على 40 مخيماً، أما في ريف إدلب فقد بلغ عدد العائلات المستفيدة 12694 عائلة موزعة على 90 مخيماً، كما قمنا بتأهيل ثلاثة مراكز إيواء و 370 منزلاً، ومساكن نصف دائمة، ويتم حالياً التجهيز لمشاريع جديدة في ريفي إدلب وحلب".
وتبقى مؤسسة إحسان إحدى الجهات التي تحاول تخديم النازحين وتدارك الخطر المتربص بهم في شتاء يواجهون فيه مناخاً قاسياً.. وإهمالاً متعمّداً لمأساتهم من قبل مجتمع دولي لا يهتم بآليات عودتهم إلى بيوتهم ومناطقهم التي هُجروا منها.
من هنا لا بد من تكاتف الجهود وتوظيف الموارد لمعالجة خطر مفاجآت الشتاء أوّل بأول، ووضع الحلول المناسبة للحد من آثاره، ولا سيما مع تكرار ذلك الخطر سنوياً، وانعكاس ذلك سلباً على النازحين، الفارين من موتٍ بنيران القصف إلى موتٍ بصقيع الشتاء ومخيمات العراء.
التعليقات (0)