تحت ضغط واشنطن: هل تراجع الأردن عن مساعيه لإعادة تعويم النظام ؟

تحت ضغط واشنطن: هل تراجع الأردن عن مساعيه لإعادة تعويم النظام ؟
قال مركز "ناشيونال ريفيو" الأمريكي إن هناك ما يكفي من الشواهد والإشارات التي تكشف أن تحولاً حصل في موقف إدارة رئيس الولايات المتحدة جو بايدن باتجاه التطبيع مع النظام، في وقت تحفظت فيه مصادر سورية معارضة في واشنطن حيال ما وصفته بـ"المبالغة في تقدير حجم ومستوى المرونة الأمريكية في هذا الملف".

واعتبر تقرير "ريفيو ناشيونال" أن الترتيبات الأخيرة التي تضمنت موافقة أمريكية على رفع أو تجميد بعض العقوبات المفروضة على النظام، بما في ذلك خط الغاز العربي وإمدادات الكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سوريا، تمثل مؤشرات على تحول عملي آخر في سياسات بايدن تجاه الشرق الأوسط.

وأوضح التقرير أن إدارة بايدن قلصت خلال الأشهر الثمانية الماضية، وبشكل تدريجي من التزام واشنطن بعزل بشار أسد، بالإضافة إلى تبنيها نهج عدم التدخل إلى حد كبير في تعامل الدول الأخرى مع النظام، في إشارة إلى تحركات بعض الدول العربية والأوروبية لفك عزلة النظام.

وعليه يقول التقرير:"إن إدارة بايدن لن تعمل بنشاط من الآن فصاعداً لمنع الدول من التعامل مع الأسد، إلا عندما يتطلب القانون ذلك على وجه التحديد"، والسبب حسب المركز "أن سوريا لا تشكل أولوية لدى إدارة بايدن التي بعثت بإشارات مختلطة حول تطبيق عقوبات قانون قيصر".

مبالغة وتهويل

ولا يعدّ التقرير الأول من نوعه في هذا الاتجاه، إذ سبق وأن خلصت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية إلى هذه النتائج خلال الفترة الأخيرة الماضية، وتحديداً بعد زيارة العاهل الأردني إلى واشنطن في تموز/يوليو الماضي، واقتراحه مبادرة لتطبيع سياسي تدريجي مع النظام، كحافز له من أجل المشاركة الجدية في العملية السياسية مع المعارضة، وفق سياسة "الخطوة بخطوة".

لكن الكثير من المراقبين نبهوا إلى ضرورة عدم الوقوع في فخ المبالغة والتهويل حيال إجراءات إدارة بايدن تجاه النظام، مؤكدين إلى أن أي قرار رسمي لم يصدر حتى الآن بخصوص تخفيف العقوبات المفروضة على النظام، على الرغم من غض الطرف الذي تبديه الولايات المتحدة تجاه بعض المعاملات الاقتصادية التي لا ترتبط بالجانب العسكري.

كما نفت مصادر سياسية أن يكون في المبادرة الأردنية أي جديد مختلف يمكن أن تقدمه من أجل إقناع الولايات المتحدة بتغيير موقفها بالشكل الذي يثار الحديث عنه في الإعلام، بما في ذلك تعهدات يمكن أن يقدمها النظام حول الابتعاد عن إيران تدريجياً أو رفع مستوى التعاون الأمني والكشف عن مصير مفقودين أمريكيين في سوريا.

أمر يؤكد عليه الإعلامي السوري المقيم في أمريكا ورئيس تجمع "مسيحون سوريون من أجل السلام" أيمن عبد النور في تعليقه لـ"أورينت نت" حول هذا الموضوع، مشيراً إلى أنه على العكس من ذلك، فإن الأردن سيضطر إلى التراجع عن الحماس الذي يبديه لقيادة قاطرة الانفتاح العربي على النظام بسبب موقف إدارة بايدن من ذلك.

وقال عبد النور: في الملف الأمني ليس لدى العاهل الأردني جديد يقدمه، فالنظام كان قد أرسل سابقاً إلى الولايات المتحدة بخصوص استعداده للتعاون الأمني، ولكن ربط العرض بإعادة فتح السفارة الأمريكية بدمشق وتبادل الدبلوماسيين علناً، كما وأعطى جواباً حاسماً لواشنطن من قبل أنه ليس لديه المفقود الأمريكي "أوستن تايس" وتلك الإجابة جاءت في إطار لا يمكن التشكيك به، وبالتالي ليس لدى واشنطن ما تنتظره من دمشق على هذا الصعيد".

ويقدم عبد النور نقطتين أساسيتين يقول إنهما تمنعان التحول الذي يتم الحديث عنه في وسائل الإعلام من قبل إدارة الرئيس الأمريكي تجاه النظام، وهما:

 أولاً: إن بايدن من أبرز وجوه الحزب الديمقراطي المتبنيين لشعارات حقوق الإنسان على مستوى العالم، وبالتالي لا يمكنه التراجع بهذه البساطة أمام المجتمع الذي يمثله ويعرفه على هذا النحو، أو يقبل بإعادة العلاقات مع رئيس ارتكب كل هذه الجرائم.

النقطة الثانية: أن بايدن بالأصل، وحتى عندما كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، فإنه كان شديد الاشمئزاز من نظام الأسد، وقد رفض بعد تعيين عماد مصطفى كسفير للنظام في واشنطن اللقاء به، وعليه هناك موقف سلبي متجذر من جانب بايدن.

امتيازات أردنية محدودة..فقط

وعليه، يؤكد عبد النور أنه "لم يحصل أي تراخ من جانب بايدن فيما يتعلق بالتوجه لتطبيع العلاقات مع النظام من قبل بعض الدول العربية أو الأوروبية الصغيرة، ورغم وجود هذه الرغبة بالفعل، وتجلت في لقاء تسعة وزراء خارجية عرب مع نظيرهم في حكومة النظام إلا أنه عملياً لم يحدث أي شيء ولم يتجرأ أي من هذه الدول بعد اللقاء على تبادل السفراء وإعادة فتح سفارتها في دمشق.

أما بخصوص ما يقال عن استثناءات أقرتها الإدارة الأمريكية للنظام بمعية الأردن، من أجل خط الغاز العربي وشبكة الكهرباء الأردنية اللبنانية، يشدد عبد النور على أنه "حتى الآن لم يحصل شيء رسمي، ولم تصدر أي وثيقة ولم يوقع أي قرار من قبل الإدارة الأمريكية يسمح بتنفيذ هذا الأمر" وهو ما يتفق وإشارة مركز "انترناشيونال ريفيو" ربما على أن "واشنطن لن تتدخل إلا عندما يتطلب القانون ذلك على وجه التحديد".

الإعلامي والسياسي السوري كشف هنا أن ما حصل "هو أن الرئيس بايدن منح الملك عبد الله ضوءاً أخضر صغيراً، لكن الأردن تصرف بشكل أكبر بكثير من المتاح، ويُخشى أن يحصل مع عمّان كما حصل مع موسكو عام 2018 عندما لم تفِ بالتزاماتها بحسب الاتفاق بخصوص جنوب سوريا، فتعرضت لعقوبات كبيرة على شركات وأفراد روس قريبين من الكرملين".

ويتفق الدبلوماسي السوري المنشق بسام بربندي مع رأي عبد النور بالتأكيد على المبالغة التي طبعت التعامل الإعلامي مع المرونة التي تبديها الإدارة الأمريكية تجاه العقوبات المفروضة على النظام، وكذلك بعدم وجود شيء مهم يمكن أن تقدمه المبادرة الأردنية بخصوص ذلك.

ومنذ الإعلان عن التحول الأردني حيال النظام، رأى كثيرون أن هدف الملك عبدالله الأول من ذلك اقتصادي بالدرجة الأولى، خاصة في ظل الأزمة التي يعاني منها الأردن داخلياً، وحاجته إلى أي مكاسب على هذا الصعيد في حال تحقيق انفتاح اقتصادي تجاه سوريا تخفف من الضغط الشعبي الداخلي، وتعزز من الصورة الذهنية عنه كمؤثر في السياسة الدولية.

ويرى بربندي في تصريح لـ"أورينت نت" أن التعاطي الإعلامي الذي جرى مع مبادرة الأردن كان مبالغا فيه طبعاً، إذ ليس لدى عمّان ما تقدمه لسوريا، كما أنه ليس هناك شركات أردنية مهمة يمكن أن تكون أعمالها ملحوظة في العقوبات الأمريكية، باستثناء أي شخصية أو طرف يساهم في تمويل الإرهاب فإن واشنطن تتغاضى تقريباً عن أي تعاملات أردنية مع سوريا، مثلها في ذلك مثل تغاضيها عما تقوم به إيران ولبنان، وعمّان تستفيد من ذلك خاصة وأن للأردن حظوة معروفة لدى الولايات المتحدة.

يتفق الكثير من السوريين المطّلعين على السياسة الأمريكية في أن الولايات المتحدة لا تفضل سقوط النظام بشكل غير مخطط خشية أن يؤدي ذلك إلى فوضى عارمة وانهيار مؤسسات الدولة، لذلك فكما سمحت لروسيا عام 2015 بإنقاذه عسكرياً، فإنها تسمح حالياً لبعض الدول ولبعض المشاريع الاقتصادية بالمرور كي تنقذه اقتصادياً لإبقائه حياً، على ألا يتجاوز الأمر ذلك، إلى حين الوصول إلى حل سياسي مرضٍ للجميع، أما الحديث عن تحول عميق في سياسة البيت الأبيض حيال الملف السوري، فهو حديث مبالغ به.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات